أعلنت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، اليوم الاثنين، استشهاد ناطقها العسكري ورئيس دائرة الإعلام العسكري فيها، أبو عبيدة، بعد نحو أربعة أشهر من استهدافه في غارة جوية إسرائيلية طاولته داخل إحدى الشقق السكنية في مدينة غزة. وكان وزير الأمن الإسرائيلي إسرائيل كاتس قد أعلن، في 31 أغسطس/آب الماضي، اغتيال أبو عبيدة عبر تغريدة نشرها على منصة "إكس"، متعهداً حينها بملاحقة واغتيال من تبقى من قادة حركة حماس.
وأبو عبيدة هو الاسم الحركي لحذيفة سمير الكحلوت، الذي ظهر ناطقاً عسكرياً باسم كتائب القسام مع نهاية انتفاضة الأقصى عام 2005، ليصبح أول ناطق رسمي في تاريخ الذراع العسكرية لحركة حماس. وهو لاجئ في قطاع غزة، وتعود أصوله إلى قرية نعليا قضاء المجدل، في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
ومنذ الإعلان الإسرائيلي عن اغتياله قبل أربعة أشهر، لم تؤكد حركة حماس ولم تنف الرواية الإسرائيلية، فيما التزمت كتائب القسام خلال تلك الفترة بسياسة الاكتفاء بنشر البلاغات العسكرية والتصريحات بشكل نصي عبر قناة "تليغرام"، من دون ظهور مصور أو مسجل صوتياً للناطق العسكري، حتى بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بموجب الخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وخلال سنوات ظهوره الإعلامي، ارتبط أبو عبيدة بصورة أيقونية خاصة في الوعي الفلسطيني، كانت أبرز تجلياتها الكوفية الحمراء التي شكلت سمة ثابتة في معظم خطاباته، حتى بات يُشار إليه على منصات التواصل الاجتماعي بأوصاف مثل "صاحب الكوفية الحمراء" و"الملثم". وكان آخر ظهور علني له في 18 يوليو/تموز الماضي، حين وجّه رسائل عتاب قاسية للدول العربية والإسلامية، منتقداً عجزها عن كسر الحصار وإدخال الغذاء إلى غزة، في ظل سياسة التجويع التي يتعرّض لها القطاع.
وتميّز أبو عبيدة بفصاحة لغوية واضحة ولهجة خطابية حادة تجاه الاحتلال الإسرائيلي وقيادته، إلى جانب تطور ملحوظ في الشكل البصري للخطابات المصورة والرسائل الإعلامية، سواء تلك الموجهة للجبهة الداخلية الفلسطينية أو للإسرائيليين. وتعزز حضوره الإعلامي مع توسع بنية كتائب القسام بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، حيث تحولت وحدة الإعلام إلى دائرة إعلام عسكري ذات حضور مركزي في تركيبة المجلس العسكري للذراع المسلحة.
وشكّلت عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006 محطة مفصلية في بروز أبو عبيدة، إذ تولى الإعلان عن العملية التي نفذت بالشراكة مع ألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام. وخلال عدوان 2008–2009، ازداد حضوره الإعلامي عبر خطابات مصورة رافقت الحرب التي استمرت أكثر من شهر، قبل أن يتكرس تأثيره الشعبي بشكل أوسع خلال حرب عام 2012. وفي صفقة تبادل الأسرى عام 2011 بين حركة حماس وإسرائيل، عزز أبو عبيدة حضوره مجدداً من خلال الإعلان عن تفاصيل مرتبطة بتسليم شاليط، قبل أن يحظى بشعبية أوسع في العام التالي، عقب إعلانه عن قصف مدينة تل أبيب للمرة الأولى في تاريخ الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
أ
أما ذروة حضوره وتأثيره فكانت خلال عدوان الاحتلال على غزة عام 2014، حين تحول إلى ما يشبه المرآة اليومية للميدان والقتال، والواجهة الإعلامية التي يتابع الفلسطينيون من خلالها تطورات العمليات العسكرية، ولا سيما تلك المرتبطة بالتوغلات البرية وعمليات الإنزال خلف الخطوط. وكان من أبرز لحظات ذلك العدوان إعلانه عن الجندي الإسرائيلي الأسير شاؤول آرون، إلى جانب التهديد المسبق بقصف تل أبيب، ودعوته وسائل الإعلام لتوجيه بثها نحوها، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ المواجهة.
وفي عام 2021، برز أبو عبيدة مجدداً خلال معركة "سيف القدس"، حين هدد بقصف مدينة القدس المحتلة إذا لم ينسحب المستوطنون من حي الشيخ جراح في الجانب الشرقي من المدينة. كما أعلن عن تنفيذ عمليات قصف حتى قبل وقوعها، من بينها إطلاق صاروخ "عياش 250" باتجاه منطقة رامون في أقصى جنوب فلسطين المحتلة، في تحد عملياتي واستخباراتي للاحتلال، الذي لم يتمكن من إحباط تلك العمليات بالرغم من معرفته المسبقة بها.
وخلال الحرب الأخيرة، خرج أبو عبيدة بعشرات الخطابات والرسائل الإعلامية، المصورة والمسموعة والنصية، تناولت مسار المعركة ورسائل تتعلق بملف الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة. وغالباً ما ارتبط ظهوره بتطورات ميدانية استثنائية، أو بالإعلان عن عمليات نوعية، أو بمستجدات ملف الأسرى، مع تفاوت في توقيت الخطابات تبعاً لسياق الأحداث. وكان جيش الاحتلال قد نشر خلال الفترة الماضية مقاطع مصورة قال إنها مسربة، وتظهر وجود أبو عبيدة إلى جانب القائد العام السابق لكتائب القسام محمد الضيف، وقائد لواء خانيونس السابق رافع سلامة، خلال التحضير لعملية "طوفان الأقصى"، وهو ما يؤكد الموقع المركزي الذي شغله أبو عبيدة في البنية العسكرية والإعلامية لحركة حماس.