د. سعيد سلامة يكتب: بعثاتنا الدبلوماسية “2”

- ‎فيأخبار

 أشرنا فى مقالنا السابق إلى أن بعثاتنا الدبلوماسية لا تقوم بواجبها حيال المصريين الذين يلجئون إليها طلبا للعون، بل على العكس، فهى قد تعوق المسار الطبيعى للأمور، وأوردنا مثالا لموقف قنصليتنا فى ميلانو بإيطاليا. ولم يكن ما حدث فى ميلانو استثناء، وإنما هو -على ما يبدو- موقف موحد لتعامل مكاتبنا الدبلوماسية مع المغتربين المصريين، وهو موقف ذو جذور عميقة وليس وليد اليوم. فقبل أربعة عقود كنت فى بعثتى الدراسية فى الاتحاد السوفيتى، ولم يكن من عمل للمستشارين الثقافيين الذين عاصرتهم والذين سمعت عنهم إلا الاتجار فى العملة وشراء السيارات وشحنها إلى مصر للتصريف. وكنت أعجب من أن البعض منهم لا يستحيى، وإنما يجاهر بهذا النشاط المزدول. كنت ترى فى مكتب البعثة التعليمية عددا من الموظفين بلا عمل سوى قراءة الصحف وشرب الشاى ومتابعة أسعار العملة. وعلمت أن أى موظف منهم أو عامل يتقاضى مرتبا يفوق بكثير ما يتقاضاه طالب البعثة الذى يدرس للدكتوراه.

  وإليكم هذه الطرفة. توجهت يوما إلى مقر السفارة المصرية لإنهاء أمر ما. قابلنى رجل أنيق الملبس وطلب منى الانتظار إلى أن يفرغ الموظف المسئول. جلس الرجل إلى جوارى يحدثنى وأحدثه، قدمت إليه سيجارة مصرية فاعتذر بأنه لا يدخن إلا ماركة "كنت"، وأخرج علبة من جيبه وأشعل سيجارة. فجأة رن جرس، فإذا بالرجل ينتفض واقفا، وأطفأ السيجارة ودخل إحدى الغرف وخرج، ثم غاب بعض الوقت وظهر وهو يحمل صينية عليها فنجان قهوة وكوب ماء ودخل ذات الغرفة. أدركت وقتئذ أن محدثى ساع، وقلت فى نفسى: إذا كان حال السعاة على هذا النحو فكيف حال من هم فوقهم!   ومثال آخر.. قضيت فى الهند قبل بضع سنوات أسبوعين فى مهمة علمية. لم يكلف مكتب البعثة التعليمية نفسه بإرسال من يرشدنا، فظللنا فى المطار ساعات لا نعرف لنا وجهة إلى أن تطوع أحد موظفى المطار وبدد حيرتنا. وعلى مدى الأسبوعين لم أشعر بوجود أى من أعضاء مكتب البعثة التعليمية.   وقبل أيام قرأت فى يوميات "الأخبار" (13-6-2013) عن انطباع كاتب اليوميات عن سفارتنا فى إثيوبيا. كتب أن ما لفت نظره الكم الهائل من "المكاتب" فى السفارة المصرية، وأن جل اهتمام من يعملون بها تغيير العملات للضيوف المصريين، وتبادل الزيارات. واستطرد كاتبا… هذه المكاتب بموظفيها بلا فاعلية، فلا الملحق التجارى استطاع أن يعقد صفقات تصدير واستيراد أو فتح فرص عمل للمصريين، ولم نسمع عن تعاون طبى أو سياحى، أو حتى مجرد توطيد علاقات بين البلدين ربما قللت من حدة الفتور إبان العهد الماضى البائد.    وإذا سألت أى عائد من الخارج عن دور سفاراتنا وقنصلياتنا أجابك بأنها لا تتحرك لإغاثة أى مصرى إلا بعد أن يفضح الإعلام تقاعسهم.   والآن نأتى إلى بيت القصيد… كم من السفارات والقنصليات لدينا فى الخارج. لدينا سبعون سفارة ونيف، وهذا عدد يقترب من عدد الأعضاء فى الأمم المتحدة، ومثل هذا العدد أو يزيد من القنصليات، يضاف إلى ذلك المكاتب التجارية والسياحية والثقافية والعسكرية، وبكل جم غفير من الموظفين والعمال. ولكم أن تحصوا كم الأموال العزيزة التى تستنزفها هذه البعثات من مرتبات، وأجور مبان وأثاث، وسيارات. إن أغنى بلاد العالم مالا وتقدما ليس لديهم مثل هذا الكم من البعثات الدبلوماسية. ألم يأن الوقت لوقف نزيف أموال نحن فى حاجة إليها، أم سنظل مكتوفى الأيدى حتى أمام صغار الأمور.