كتب- سيد توكل:
عبَّر مصريون على الشبكات الاجتماعية عن غضبهم من ذهاب السفيه عبد الفتاح السيسي لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين لمعركة العلمين، غداة مقتل 58 من ضباط وأفراد الشرطة على يد مسلحين في منطقة "الواحات" بالجيزة.
وأحيت سلطات الانقلاب بحضور "السفيه" مع أكثر من 35 وفداً أجنبياً، السبت 21 أكتوبر 2017، الذكرى الخامسة والسبعين لمعركة العلمين الثانية في العام 1942.
وانتقد مصريون على الشبكات الاجتماعية ذهاب "السفيه" لهذا الاحتفال، بعد ساعات من حادثة شنيعة بحق العشرات من الجنود والضباط المصريين.
أرض الألغام
الحرب العالمية الثانية التي احتفل السفيه السيسي مع وفود عدد من الدول بها، هي نزاع دولي مدمر بدأ في 7 يوليو 1937 في آسيا، و1 سبتمبر 1939 في أوروبا، وانتهى في عام 1945 باستسلام اليابان، شاركت فيها قوات مسلحة من حوالي سبعين دولة، وشملت معارك جوية وبحرية وأرضية.
تعد حقول الألغام التي خلفتها الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين من أخطر الكوارث ، حيث منعت تنمية الصحراء الغربية؛ الأمر الذي تسبب في ضرر بالغ لعدد كبير من أبناء المنطقة التي وصلت للإعاقة المستديمة.. وهى من أهم وأخطر القضايا التي تجاهلها جنرالات العسكر بداية من عبد الناصر وحتى السفيه السيسي.

أثرت الألغام في بوار ما لا يقل عن ثلاثة ملايين فدان، إضافة لفقد ما يقرب من 80 ألف رأس ماشية، فضلا عن فقد عشرات الآلاف من البشر لأعضائهم، ومقتل ما لا يقل عن 9000 شخص بدءا من عمليات التطهير التي بدأت عام 1982حتى تاريخه، وكبدت مصر ما لا يقل عن ثلاثة مليون دولار بحسب وزارة التعاون الدولي.
وقدر الخبراء أن المساحة المتضررة لا تقل عن ثلاثة ملايين فدان من الأراضي الخصبة التي تحتوي على ما يقرب من 17.5مليون لغم متعدد الأغراض والأنواع.
ويروي أهل المنطقة مآسٍ لا تعد ولا تحصى، عاشها أبناء العلمين بعد أن عجزت أنظمة العسكر المتعاقبة، عن حل مشكلة الألغام التي تسببت فيها قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، التي قضت على الأخضر واليابس في دول عديدة ، وما زالت مصر تحصد سيئاتها حتى الآن.
حدائق الشيطان
ملايين الآهات والمرارة الحارقة أذاقتها قوات التحالف لأهالي العلمين جراء "حدائق الشيطان" التي أبعدت المنطقة الغنية بالثروة المعدنية والخامات المحجرية عن التنمية؛ فتركت ما يقرب من ثلاثة ملايين فدان أرضا صحراء جرداء تسكنها الأشباح والألغام التي أسقطت عشرات الآلاف ما بين قتلى وجرحى بلا رعاية أو أدنى اهتمام من جنرالات العسكر؛ مما يعد أحد الانتهاكات التي حدثت في تاريخ البشرية من دول الحلفاء تجاه أبناء المنطقة.
وتحمل أهالي العلمين ما لم يتحمله بشر، وأهمل العسكر حلم راود الكثيرين من أبناء مطروح، وحتى أبناء مصر في ربوع البلاد لتطهير تلك المساحات الشاسعة التي تطل مباشرة على شريط الساحل الشمالي على البحر الأبيض المتوسط.
وتساءل الأهالي، أين سلطات الانقلاب؟! وأين أجهزتها المختلفة؟! ولماذا تركت أبناء مطروح عرضة لمنظمات وهمية تاجرت بقضية اهتز لها الرأي العام العالمي، بعد اعتراف قوات التحالف ودول الكومنولث أن مصر بها 20% من حجم الألغام المنزرعة على مستوى العالم؟!
البداية
كانت عام 1942عندما زرعت قوات التحالف الدولية ما يقرب من 23مليون لغم موزعة بكاملها في المناطق الحدودية بسيناء والعلمين، الغالبية العظمى في منطقة العلمين التي تعاني من "17.5"مليون لغم على مختلف أنواعها ، ما بين ألغام مضادة للأفراد التي يتراوح وزنها بين 7 : 15كجم، ثم ألغام مضادة للمركبات وهي تزيد عن الـ15كجم، ثم ألغام مضادة للدبابات وهي التي تزيد عن الـ50كجم وتصل في بعض الأحيان لـ200 كجم.
الفترة ما بين 1943، إلى عام 1982 لا يستطيع أحد أن يقدر حجم الخسائر البشرية والثروة الحيوانية التي حصدتها الألغام، وعدم وجود حصر دقيق لعدد المصابين أو الموتى الذين سقطوا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى تاريخه إلا بعد عام 1982.
البداية لنزع الألغام كانت بعد 40 سنة من زرع الأ لغام التي نفذتها قوات التحالف والكومنولث، وقد وصلت الإصابات لـ"20 ألف مصاب" ما بين بتر أعضاء أو تطاير الشظايا التي أودت بفقد المئات لعيونهم.
إضافة لنفوق أكثر من 80 ألف رأس ماشية أكثرهم من الإبل حصدتها الألغام التي زرعها الحلفاء في منطقة العلمين.
حجم الخسائر التي تكبدتها مصر جراء الحرب العالمية الثانية لا تعد ولا تحصى؛ من يداوي دمعة اليتامى الذين فقدوا ذويهم؟! ومن يداوي الجرحى الذين فقدوا أعضاء من أجسادهم؟! ومن يعوض أصحاب الماشية التي وصلت لأكثر من 80 ألف رأس؟!
إذا كانت الدول المتسببة في ذلك مثل إنجلترا وألمانيا وإيطاليا زرعت ما يقرب من " 23مليون" لغم على مساحة ثلاثة ملايين فدان في الحرب العالمية الثانية، فإن حكومات العسكر أهملت أبناءها الذين راحوا ضحية حرب ضروس..ما زالت أضرارها مستمرة إلى اليوم.
سفير لإزالة الألغام
من جانبه عاد خبير الكشف عن الألغام الحاج "دومة عفون" بذاكرته إلى أربعينات القرن الماضي وروي تفاصيل بالغة الصعوبة، وكأن منطقة العلمين كانت بمعزل عن الاهتمام أو زيارة جنرالات العسكر الكبار الذين اكتفوا فقط بالسطو على أراضي الساحل الشمالي على البحر.
وأوضح "عفون" أن المصابين كُثر، وقد يتعدوا عشرة آلاف، بينما عدد القتلى لم يستطع أي شخص تحديده بدقة، لكنهم قد يتجاوزون الـ"20 ألفا"، لافتا إلى أن أول عمليات الإزالة والكشف عن الألغام بدأت عام 1982، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بـ"40 عاما".
وتابع أن حكومات العسكر أهملت أبناء مطروح فنشطت المنظمات والجمعيات الوهمية المحلية والخارجية التي أخذت على عاتقها المتاجرة بأحلام البسطاء والجرحى، بل وحتى الموتى الذين راحوا ضحية الألغام التي زرعتها قوات التحالف في منطقة العلمين، بمساعدة البعض من قيادات الجيش الذين خرجوا على المعاش وعرفوا كيف تدار الأمور؛ فنصبوا أنفسهم سفراء على الطبقات الفقيرة والأشد احتياجا؛ فصرنا نسمع عن منصب "سفير لإزالة الألغام"!
ويرجع خبير الألغام بذاكرته إلى الوراء ويقول، عانى أبناء مدينة العلمين والبدو كثيرا؛ فعند انفجار اللغم كان الأهالي يتجمعون حول المصاب ويضعوه على الإبل لينقلوه إلى الإسكندرية، وغالبا ما يلقى ربه في الطريق لبعد المسافة وكثرة النزف.
إهمال العسكر
ولفت الحاج دومة عفون إلى أن عائلة "مِعِيْزَق بُلْحُوق" فقدت سبعة من أبنائها دفعة واحدة إثر انفجار لغم، مشيرا إلى أنه رغم ذلك لم تتقدم حكومات العسكر أو أجهزتها بكفالة الأرامل أو الأطفال الذين فقدوا ذويهم.
واكتفت حكومة السيسي فقط بالاحتفال مع قوات التحالف ودول الكومنولث كل عام في بانوراما الحرب العالمية الثانية بمنطقة العلمين، بينما الأهالي يتوجعون ويئنون من كثرة الإصابات والقتلى الذين سقطوا.
وألمح خبير الألغام إلى أن الحكومة الألمانية اكتفت بالتبرع فقط بـ110 أجهزة للكشف عن الألغام، وعشرات الأجهزة التعويضية التي لم تتلاءم مع الطبيعة الصحراوية القاسية؛ مما أدى لإتلاف الأجهزة التعويضية.
وأوضح الشيخ دومة عفون أن الإنجليز وقوات التحالف ما زالوا يرفضون الإفراج عن الخرائط العسكرية لزرع الألغام إلا بعد مرور 100عام على زرعها؛ باعتبار منطقة العلمين من ضمن الأسرار العسكرية لقوات التحالف.
ولفت خبير الكشف عن الألغام إلى أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة تنص صراحة على تعويض الدول المتضررة من مخلفات الحروب، ولم يتم تفعيل أي قرار في مصر.
الإهمال والفقر
أما عمدة العلمين الحاج ياسين العقاري، فأكد أن منطقة العلمين ظلت تعاني من الفقر والإهمال لعشرات السنين، وعجزت حكومات العسكر عن حل مشاكلها؛ مما يؤكد أن دولة العسكر لاعب أساسي في القضية التي نحن بصددها.
وكشف العقاري عن أن نظام المخلوع مبارك استبعد أهالي مطروح والعلمين من الوصول لأية مناصب، بل ومن الالتحاق بأية وظيفة حكومية متميزة كالقضاء والشرطة والحربية وكذا البترول والكهرباء؛ في إشارة واضحة إلى التعامل مع أبناء البدو على الشريط الحدودي وكأننا مواطنون من "الدرجة الثانية أو الثالثة"، رغم حمايتنا لحدود وطننا مصر الذي نعتز بالانتماء إليه، ونشرف أننا نعيش على أرضه.
ولفت عمدة العلمين إلى أنه يوجد في "إسرائيل" ما يقرب من 5000 شاب مصري متزوج من إسرائيليات، ولا يوجد شاب واحد من مطروح بينهم على الإطلاق.