كتب: سيد توكل
منذ الانقلاب في الثالث من يوليو 2013، الذي قاده وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي على الدكتور محمد مرسي، أول رئيس منتخب في مصر، شهدت البلاد اعتقالات واسعة ومحاكمات وتصفيات للمعارضين للانقلاب، كما سقطت أعداد من القتلى برصاص الأمن في عمليات مداهمة بزعم انتمائهم لجماعات مسلحة.
واغتالت عصابات الداخلية، يوم الثلاثاء الماضي، ثلاثة من رافضي الانقلاب بمحافظة أسيوط، وذكرت حكومة الانقلاب أنها قتلت كلا من "محمد سيد حسين زكي، وعلاء رجب أحمد عويس، وعبد الرحمن جمال محمد عبد الرحمن الطالب بكلية علوم جامعة المنيا"، بزعم انتمائهم لتنظيم "سواعد مصر" المسلح المناهض للانقلاب.
وعلمت "الحرية والعدالة" أن الطالب "عبد الرحمن جمال" مختف قسريًّا منذ 90 يومًا، فيما اختفى أيضًا "محمد زكي" منذ أكثر من ثلاثة أشهر قسريًّا، حيث تم الإعلان عن ظهورهما بالتزامن مع تصفيتهما.
وتبين أن الشهداء الثلاثة مطلوبون في القضية 724، المعروفة إعلاميًّا باسم "محاولة اغتيال النائب العام المساعد المستشار زكريا عبد العزيز"، وشهد العام 2016 أحداثًا متوالية في الشأن المصري، كان من بينها أوضاع حقوقية متردية مثلت انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.
وأصدرت مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان "JHR" الحقوقية المستقلة تقريرا، حمل عنوان "الحصاد المر"، أشارت فيه إلى تدهور جميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطن المصري، مؤكدة أن التقرير موجز عن أبرز– وليس كافة– الانتهاكات التي تحدث في عهد الانقلاب العسكري.
مشهد حقوقي أسود
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة سيف الدين عبد الفتاح: إن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر لا تتوقف عند حد الاختفاء القسري، وإنما تتخطى ذلك إلى التصفية الجسدية خارج إطار القانون والقتل تحت التعذيب.
وأضاف عبد الفتاح أن الأوضاع في مصر توحي بأن الإنسان لا قيمة له، قائلا: إن تعليق وزارة الخارجية المصرية على تقرير منظمة العفو الدولية، الذي طالب بتجاهله، يعبر عن "بلطجة"، لافتا إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ممنهجة منذ انقلاب 3 يوليو 2013.
وعاد عبد الفتاح ليؤكد أن منظومة العدالة والقانون غائبة في مصر، بل إنها أصبحت تقوم بصناعة الظلم، وهو ما يجعل المصري بلا ثمن.
وقالت " JHR": "نظرا لضخامة الانتهاكات من الناحية الكمية والكيفية، والتي تحدث– تقريبا– بشكل يومي، لم نستطع رصد وتوثيق كافة ما يحدث في مصر من قبل النظام الحاكم الآن، ولم يتحدث التقرير عن "سيناء"، تلك المنطقة المعزولة، غير المسموح بدخولها، سواء للصحفيين لنقل الأخبار منها، أو لمنظمات المجتمع المدني لرصد الحالة الحقوقية فيها".
وأضافت أن "3 يوليو 2013 تاريخ فارق في الحياة المصرية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ في كافة مناحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها المشهد الحقوقي، حيث مارست فيه السلطة الحاكمة أبشع أنواع الانتهاكات التي مرت على مصر عبر تاريخها الحديث؛ فهذه الانتهاكات لم تصل إلى هذا المعدل من قبل، وقد طالت الجميع".
وقالت "عدالة"، إن انتهاكات مصر صُنفت عالميا الأولى في الإخفاء القسري، والتعذيب، والمحاكمات العسكرية، والإهمال الطبي، والقتل خارج نطاق القانون، والإعدامات"، مضيفة "ثلاث سنوات، والمناخ العام في مصر يزداد سوءا؛ نظرا للسياسة التي يتبعها النظام في إدارة الدولة مع المصريين بشكل عام، ومع معارضيه بشكل خاص".
وتابعت "وهو ما أدّى بطبيعة الحال إلى انهيار في إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وانتهاك للحقوق والحريات العامة والخاصة، ومُحاكمات تَنتهك معايير المحاكمة العادلة، وما صاحب ذلك من عدم الاستقرار السياسي، وارتفاع معدلات مستوى الانفلات الأمني، والفساد، والفقر والغلاء في المعيشة، فضلا عن إقرار العديد من القوانين المُخالفة للدستور المصري والمواثيق الدولية المعنية، التي وافق عليها مجلس النواب المصري الحالي جميعًا بلا أي مناقشة قانونية أو حقوقية أو حتى مشاركة مُجتمعية".
الاختطاف ظاهرة متكررة يوميا
وأكدت "عدالة" أن عشرات الشكاوى تصلها يوميا تفيد بتعرض مواطنين مصريين للإخفاء القسري على يد رجال الأمن، مع تأكيد ذويهم عدم توصلهم إلى مكان احتجازهم، حتى أصبحت تلك الظاهرة متكررة بشكل يومي منذ 3 يوليو 2013، حتى وصل ما رصدته إلى أكثر من 2500 حالة إخفاء قسري بمصر (منها قرابة 350 حالة لم تظهر حتى الآن) تمت على يد ميليشيات الانقلاب خلال الفترة السابقة.
وقالت "تعرض مواطنون كُثر للإخفاء القسري واحتجزوا سرا دون إقرار رسمي بذلك، وحُرموا من الاتصال بالمحامين وبأسرهم، وتم احتجازهم على زعم أنهم من قادة التظاهرات، وهم متهمون بجرائم متعلقة بالإرهاب، لمدد تصل إلى 90 يوما دون إشراف قضائي، وتعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة من جانب ضباط المخابرات العسكرية وأفراد الشرطة وجهاز الأمن الوطني لانتزاع "اعترافات" بأعمال لم يرتكبوها ولا تمت لهم بصلة".
وقالت "عدالة": "اللافت للأمر أنه خلال الربع الأخير من العام 2015 وأوائل العام 2016، سجلت المنظمات الحقوقية أكثر من 1000 حالة إخفاء قسري، وهي نسبة مرتفعة جدا عما سبق خلال العامين السابقين، ما يؤكد أن هذا نهج متصاعد في هذه الظاهرة، وأنه استمرار للضرب بعرض الحائط بالقوانين المحلية، فضلا عن الاتفاقات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بمصر من قبل السلطات، وأن هذه السلطات قد اتخذت من الإخفاء القسري وسيلة قمع وتخلص من معارضيها".
وأكدت أن "بعض الأشخاص بعد ظهورهم لا يعودون لمنازلهم، فيعرضون على نيابات ترفض تسجيل أي تفاصيل عن اختطاف الحالة الماثلة أمامها، وتعرضها لضروب من التعذيب، والبعض الآخر قد يُصاب بعلة مستديمة، فقد سجلت بعض الحالات أصابتها بشلل كلي ونصفي، وأخرى أصابها عجز في أداء الوظائف الجسدية كالنطق والحركة بسبب ما لاقوه أثناء اختطافهم".
مصير الموت أو المجهول
من جهته، قال المفوض السابق لحقوق الإنسان في الحكومة الألمانية ماركوس لونينغ: إن عبد الفتاح السيسي أسس ديكتاتورية تعتمد على قوات الأمن التي تختطف الناس يوميا وبعضهم يقتل.
وقال لونينغ: إنه يجب تقديم السيسي للمحاكمة على ما قام به بحق مواطنيه، مطالبا الحكومات الغربية بالضغط على الانقلاب المصري، والشركات الغربية الكبرى بعدم "تلطيخ أيديها بالتعاون مع هذا النظام".
فيما قالت "عدالة": "ربما يلقى المختطف مصيرا آخر كالموت، إما تحت وطأة التعذيب، إذ سجلت قرابة مائتي حالة لقيت حتفها نتيجة التعذيب المستمر في أماكن احتجاز مجهولة تابعة لقوات الأمن، أو لتوريط الضحايا في تهم ملفقة بعد قتلهم لكي لا يتمكنوا من إنكارها، وحالة الطالب إسلام عطيتو، حيث اختطف من لجنة الامتحان وتم تصفيته بالرصاص الحي، ومن ثم إشاعة انتمائه لتنظيم إرهابي، وسبقه عشرات الحالات بنفس السيناريو، أو أن يتم تفجيره كحادث بني سويف الذي أودى بحياة خمسة أشخاص، وفي الشرقية أدت إلى وفاة ثلاثة طلاب جامعيين، وكان المشهد واحدا رغم اختلاف توقيت ومكان الحادثين، فقد تم اختطافهم من قِبل عناصر الشرطة وقتلهم، وتفجير قنبلة بجوار جثثهم واتهامهم بالضلوع في تفجيرات".
وأشارت إلى أن "هذه الجريمة الآن باتت سلاحا مستخدمًا في أيدي السلطات المصرية بلا أدنى تورع، فبشكل يومي تسجل حالات إخفاء قسري لمعارضين مصريين بعضهم يظهر بعد فترات متفاوتة لحسن طالعه، والآخر يلقى مصير الموت أو المجهول".
وأوضحت أن حالات الإخفاء القسري وصلت ذروتها منذ تولي اللواء مجدي عبد الغفار، واستلامه لمقاليد وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب، فكان الإخفاء القسري من أحد أساليبه التي اتبعها للقضاء على المعارضة، منوهة إلى عدم فتح تحقيق واحد في حالات الإخفاء القسري أو البلاغات المُقدمة للنائب العام.