كتب سيد توكل:
«لا تحسبوه شرا لكم بل هو خيرا لكم»، هذا هو وصف الغضب الذي عم منازل بورسعيد المدينة الباسلة، وأخرجها أمس من سيطرة الانقلاب، حتى وصل الأمر إلى دعوات إطفاء الأنوار لمدة ساعة بالمنازل والمحلات؛ رفضاً لأحكام الإعدام المسيسة التي أصدرتها سلطات العسكر بحق 11 من أبناء المحافظة في مجزرة ستاد بورسعيد، وأطفأت عدة مناطق أنوارها بالفعل، وتسلم عبد الفتاح السيسي الرسالة بأن ما تبقى له من أيام في السلطة سيحوله الغضب إلى ظلام دامس!
وحثّت صفحة "أولتراس جرين إيجلز" التابعة للنادي المصري، عبر منشور لها، جماهير المصري بفصل الأنوار من الساعة الثامنة حتى التاسعة من مساء أمس الاثنين، وأدت الاشتباكات مع مليشيات السيسي إلى تحطيم عدد من سيارات شرطة الانقلاب، واستجاب عدد من المحلات التجارية والمنازل بأحياء العرب والمناخ والزهور إلى دعوة إطفاء الأنوار لمدة ساعة تضامنًا مع المحكوم عليهم.
تقارير أمنية تؤكد أن "بورسعيد" لن تهدأ، وفي وقت سابق وبعد استيلاء رئيس الانقلاب على السلطة وخطف الرئيس المنتخب محمد مرسي، تسببت احتجاجات مماثلة في تأجيل زيارة السيسي للمحافظة، والتي كان من المقرر أن يشارك في احتفالات المدينة بعيدها القومي الـ60، حيث كانت ستشمل افتتاح عدة فناكيش من باب الترويج وكسب ود أهالي المحافظة.
مخاوف سلطات الانقلاب من غضب الشعب، تطرح العديد من التساؤلات حول مصير بقاء انقلاب السيسي، حيث إن المحافظة شهدت محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك أثناء زيارته لها منذ 17 عاما، وقفا للرواية الرسمية المشكوك في صحتها.
الإعدام شرارة ثورة
غضب أهالي بورسعيد من أحكام الشامخ الأخيرة بإعدام عشرة من أبناء المدينة، بعد اتهامهم في قضية أحداث ستاد النادي المصري المعروفة إعلاميًا بـ"مذبحة بورسعيد"، سبقه إلغاء أحكام الإعدام بحق 21 شخصا بعد اتهامهم بالتورط في ذات المجزرة، التي قامت بها المخابرات العسكرية التي كان يرأسها السيسي، قبل ست سنوات وأسفرت عن مقتل 72 مشجعا من جمهور النادي الأهلي.
أحكام الإعدام التي صدرت في فبراير 2013 تسببت في أحداث عنف كبيرة، حيث حاول محتجون كسر الحواجز الفاصلة بينهم، ومحيط السجن المحتجز فيه المتهمين، وإطلاق الرصاص من بنادق آلية بحوزة المتظاهرين، وأحرقوا سيارات، منها ميكروباص تابع لقناة الحياة، وواجهة كلية التربية القريبة من السجن، وقسم شرق الذي يبعد شارعا واحدا عن الأحداث، وتحطيم عدد من السيارات وواجهات المحلات، وهو ما نتج عنه مقتل أكثر من 40 شخصا.
ثورة أهالي بورسعيد أمس الاثنين وتصديهم لقطعان شرطة الانقلاب، طرحت تساؤلا حول ما إذا كان الانقلاب سيضطر إلى إلغاء الأحكام أو تخفيفها خوفا من أحداث شغب قد تقدح شرارة موجة ثورية جديدة، خاصة مع سابقة محاولة اغتيال المخلوع، وهو التساؤل الذي عززته الصورة الثورية في شوارع بورسعيد أمس الاثنين.
من مبارك للسيسي
المشهد الثوري في تفاصيله أمس الاثنين التي شملت إشعال المحتجين إطارات السيارات بمنطقة فاطمة الزهراء بحي الضواحي، وإغلاق الشوارع، وتحطيم سيارات شرطة الانقلاب وبعض المحلات التجارية لمؤيدي الانقلاب المعروفين في المدينة، يعيد للأذهان شبحا مستمرا منذ 18 عاما، وذلك عقب ما قالت سلطة العسكر إنها محاولة اغتيال للرئيس المخلوع حسني مبارك عام 1999، والتي تسببت في مقتل مواطن تضاربت الأقوال حول ما إذا كان يرغب فعلا في اغتيال مبارك، بحسب الرواية الرسمية، أم أنه كان يرغب في تقديم شكوى للمخلوع، كما قال أهله، وكما أظهرته صور الحادث بعد ذلك.
الحادثة جرت على المدينة 10 سنين عجاف، حيث قرر مبارك بعدها معاقبة أهلها، فأصدر مجموعة من القوانين ضد الحركة التجارية بورسعيد، التي تعتبر التجارة مصدر دخلها الأول، ومن هذه القرارات اتفاقية عدم قصور الاستيراد على محافظة بورسعيد، وإصدار القرار الجمهورى رقم 469 لسنة 2001 لفرض التعريفة الجمركية على سلعة الملابس الجاهزة، ثم قانون رقم 5 لسنة 2002 والخاص بإلغاء المدينة الحرة ككل بأسلوب تدريجى فى يناير 2007، وتخفيض الحصص الاستيرادية الواردة للمدينة بنسبة بواقع 10% سنويا، بغرض القضاء عليها تماما خلال الثلاث سنوات.
نعش السيسي الأسود
العقاب يبدو أنه لن يكون فقط من مبارك، فالعديد من القرارات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي مؤخرا مثلت ضررًا بالغًا لحركة التجارة، حيث فرضت العديد من القيود على الاستيراد، أبرزها رفع رسوم الجمارك على بعض السلع مرتين خلال عام 2016.
حالة الغضب البورسعيدي ظهر من خلال تنظيمهم العديد من الاحتجاجات والمظاهرات، ففي أبريل 2015، أعلن تجار مدينة بورسعيد الإضراب عن العمل، وقاموا بغلق المحال التجارية في عدة شوارع تجارية ، ونظموا العديد من المسيرات والمطارات، حاملين "نعش كبير ملفوف بقماش أسود" كناية عن بورسعيد التي ماتت، على حد وصفهم.
مطالب المحتجين تمثلت بإعادة قانون 2005 والخاص بالمنطقة الحرة بورسعيد، التي استمرت متجمدة أكثر من عشر سنوات، عانى أهالي المدينة خلالها من تدهور الأوضاع الاقتصادية وحالة الركود في الأسواق والتهريب.
إارحل يا سيسي
حكومة الانقلاب السابقة بقيادة اللص المتهم بالاستيلاء على المال العام "إبراهيم محلب"، حاولت آنذاك امتصاص غضب الشارع البورسعيدي من خلال عدة قرارات، أبرزها تخفيض الرسوم المقررة على البضائع المستوردة بالمنطقة الحرة ببورسعيد بنسبة 25%، بجانب التخفيض السابق للمدينة، المتمثل في 25% من سعر منشور الأسعار، ومنح إعفاء جمركي لزوار المدينة بمبلغ 200 جنيه مرة واحدة سنويًا، بجانب 5% رسوم الجهاز التنفيذي، بإجمالي 55% ،علاوة على التخفيض المقرر سابقًا، وتكليف وزارة التضامن الاجتماعي بصرف معاش ضمان اجتماعي لكل مواطن بورسعيدي ليس له دخل، وعمل تأمين صحي له.
تظاهرات أخرى نظمها أهالي بورسعيد، في أكتوبر 2016، احتجاجا على زيادة المستحقات المالية لـ"فنكوش" الإسكان الاجتماعي بالمحافظة، والتي كان من المقرر أن يقوم رئيس الانقلاب بتسليمها خلال زيارته المؤجلة.
المتظاهرون نددوا بتأخير تسليم الوحدات السكنية بـ"فنكوش" الإسكان الاجتماعي والتعاونية، فضلا عن زيادة مستحقات الأقساط البنكية، مرددين هتافات مطالبة باندلاع الثورة ورحيل السيسي، فهل يتحول الهتاف إلى نبوءة؟.