بعد حكم المعاشات.. «الأمور المستعجلة» ذراع العسكر لإهدار أحكام القضاء

- ‎فيتقارير

دأبت محكمة الأمور المستعجلة، خلال سنوات ما بعد انقلاب 30 يونيو، على إصدار أحكام سياسية تتجاوز اختصاصها وتحقق مصالح النظام، حتى عدها بعض الخبراء ذراع العسكر لإهدار أحكام القضاء.

وظهرت في الآونة الأخيرة بعض ملامح التفاف محكمة الأمور المستعجلة على بعض الأحكام القضائية التي صدرت عن محاكم متخصصة وسلطتها تفوق سلطة المستعجلة، رغمًا عن المادة 191 من دستور 2014، التي تنص على أن محاكم مجلس الدولة تختص دون غيرها بنظر منازعات التنفيذ على أحكامها، كما أن حكم الإدارية العليا لا يجوز الطعن عليه ولا وقف التنفيذ إلا عن طريق الإدارية العليا وفقط بحسب القانون.

هذه الممارسات الشاذة، فسرها عدد من القانونيين على أن سلطة عسكر 30 يونيو تستخدم تلك المحكمة لفرض وتقنين رغباتها السياسية عن طريق أحكام قضائية صادرة من الأمور المستعجلة، وإن كانت تيران وصنافير هي النموذج الصارخ من تلك الرغبات السياسية التي حاولت محكمة الأمور المستعجلة تحقيقها للنظام، إلا أن تلك الرغبة سبقها عدد من الأحكام القضائية التي خدمت بشكل مباشر الوضع السياسي بمصر، وخاصة عقب انقلاب 30 يونيو.

القضاء المستعجل واختصاصاته

على الرغم من أن القانون رقم 26 لعام 1938 عرّف الأمور المستعجلة بأنها الحالات التي يلجأ أحد فيها إلى القضاء لوصف حالة قائمة أو لإجازة عمل مستعجل؛ صيانة لحقوق الطرفين من الضياع أو لتهيئة وسائل إثبات عند فصل الخصومة في أساس الدعوى، إلا أن تلك المحكمة كثيرًا ما وضعت نفسها في مجال للجدل؛ بسبب قراراتها والقضايا التي تستند إليها وتفصل فيها، والتي يكون معظمها ذا طابع سياسي.

و«القضاء المستعجل» وفقًا للهدف الذي أنشئ له، يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت، فصلا مؤقتًا لا يمس أصل الحق، وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة، أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين.

وبالتالي القضاء المستعجل هدفه الأساسي عدم البحث في موضوع النزاع، وإنما اتخاذ تدابير وإجراءات سريعة، وتثبيت واقع يخشى زواله أو الحفاظ على حق قائم أو أي شيء يخشى عليه من ضياع فرصة المحافظة عليه، فالأمور المستعجلة كما عرفتها المادة 78 من قانون أصول المحاكمات المدنية الفقرة الرابعة هي «المسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت».

أشهر الأحكام السياسية

ومن أشهر هذه الأحكام، ما أصدرته المحكمة مؤخرا خلال أبريل الجاري، بوقف تنفيذ الحكم الصادر من القضاء الإداري بإلزام الحكومة بإضافة نسبة الـ80% من قيمة آخر 5 علاوات إلى الأجر المتغير لأصحاب المعاشات. وهو الحكم الذي يهدر حق ملايين المواطنين من أصحاب المعاشات، كما أن حكم الأمور المستعجلة جاء مُلبيًا لرغبة الحكومة على حساب أصحاب المعاشات، حيث كان سيكلف الحكومة بدفع مليارات الجنيهات لأصحاب المعاشات الذين خرجوا منذ 2006 حتى اليوم.

وكان حكم الأمور المستعجلة الأشهر عبر التاريخ، هو وقف تنفيذ حكم الإدارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والذي يفضي إلى التنازل عن السيادة المصرية والتفريط في التراب الوطني، والصادر بتاريخ 2 أبريل 2017، ما يتسق تماما مع توجهات نظام العسكر!، فهل تحولت محكمة “الأمور المستعجلة” إلى ذراع لنظام العسكر يجهض به أحكام القضاء ويهدر به حقوق الشعب ويكرس من خلاله انحرافاته وشذوذ ممارساته؟!.

ولم يكن قرار حكم محكمة الأمور المستعجلة بشأن اتفاقية تيران وصنافير، والذي جاء عكس ما صدر عن المحكمة الإدارية العليا الأول من نوعه، فقد أصدرت محكمة الأمور المستعجلة في الفترة الأخيرة أحكامًا ذات طابع سياسي، وهذا الأمر ليس بالجديد بالنسبة إلى المحكمة التي استخدمها نظام مبارك كثيرًا لتخطي أحكام الدستور والدستورية العليا.

أبرز تلك النماذج في عهد مبارك وقف حكم منع تصدير الغاز لإسرائيل، وعودة المرشحين المرفوضين الصادر ضدهم أحكام قضائية من القضاء الإداري لإجراء الانتخابات، بالإضافة إلى عودة الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية.

وفي الفترة الأخيرة، على الرغم من أن القضاء الإداري أصدر حكمين برفع الحظر عن أموال اللاعب المصري محمد أبو تريكة، لكن حكم الأمور المستعجلة عطل تطبيق حكم القضاء الإداري لحين صدور قرار من محكمة جنايات القاهرة في يناير الماضي، بقبول طلب النائب العام المصري بوضع نحو 1500 شخص على قوائم الكيانات الإرهابية، من ضمنهم محمد أبو تريكة.

لا ولاية لـ”المستعجلة” على “الإداري”

هذا التدخل السافر- بغير اختصاص- من جانب محكمة الأمور المستعجلة، استفز المحكمة الإدارية العليا، التي قالت في حيثيات حكمها الصادر في يناير 2017 بشأن مصرية “تيران وصنافير”: “أمام التنظيم الدستورى المحكم لا يجوز لأية محكمة تابعة للقضاء العادى أن تأمر بوقف تنفيذ أي حكم صادر من محاكم مجلس الدولة”.

وأضافت المحكمة الإدارية العليا “أن حكم محكمة الأمور المستعجلة قد تجاوز حدود ولايتها، وحكمها يستوي عدمًا أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، صاحبة الاختصاص الأصيل في نظر الطعن فى الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى، وصاحبة الولاية وحدها في وقف تنفيذ حكمها من عدمه».