تشمل أزمة الدواء في مصر عدة محاور تتداخل سويا في مصفوفة متشابكة، ومن أهمها مشكلة الزيادات المتتالية في الأسعار واختفاء أصناف حيوية من الأدوية، ومشكلات الصناعات الدوائية في مصر، ومشكلة الأدوية منتهية الصلاحية بالأسواق المصرية، وظهر هذا واضحا على مدار العامين الماضيين.
وبموافقة برلمان العسكر على تمرير قانون “التجارب السريرية” الذي يجعل من المصريين فئران تجارب لشركات الدواء العالمية والمحلية، فإن المصريين على موعد مع زيادة جديدة في أسعار الدواء تصل إلى 45% بحسب أسامة رستم، نائب رئيس غرفة الصناعات الدوائية باتحاد الصناعات.
وقال رستم، في تصريحات صحفية اليوم، إن قطاع الأدوية سيتأثر بارتفاع الأسعار عقب الزيادة التى أعلنتها وزارة الكهرباء لشرائحها، مشيرًا إلى أن ذلك يرجع إلى زيادة التكلفة الإنتاجية.
وكان الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء بحكومة العسكر، قد أعلن عن زيادة الأسعار بداية من يوليو المقبل بنسبة تصل إلى 35% على كل الشرائح. وأوضح رستم أن ارتفاع الأسعار سيكون من 30% إلى 45%، وهو نسبة الزيادات المتوقعة فى الأسعار أيضا، موضحا أن المجتمع الصناعي يتفهم الاتجاه نحو رفع الدعم، ولتجنب الآثار السلبية لهذا الاتجاه لا بد من قيام الحكومة بفتح باب المنافسة فى أسعار الكهرباء.
وقال نائب رئيس الغرفة: إن رفع الدعم قد يخلق فى النهاية رغبة لدى المواطنين فى ترشيد الاستهلاك، أما المصانع التى ترتبط بكميات يجب إنتاجها، سيكون موقفها صعبا للغاية فى ظل تزايد الأعباء عليها. وفى يناير 2017، أعلنت الشركات زيادة أسعار الأدوية بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 50% للأدوية المحلية، بينما تراوحت الزيادة فى أسعار الأدوية المستوردة ما بين 40 و50% بسبب التعويم، وارتفاع تكلفة إنتاج واستيراد الدواء، ومن المنتظر حدوث زيادة جديدة فى أسعار نحو 11 ألف صنف دواء خلال الفترة المقبلة، وذلك وفقا لبيانات غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات.
وقال الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، إن “زيادة أسعار الدواء خلال الفترة المقبلة أمر لا رجعة فيه، وليس محل نقاش، وإنما هو قرار اتخذته الحكومة بالفعل بعد رفع أسعار الكهرباء والطاقة بمشتقاتها المختلفة”.
وأضاف: “بما أنه تم رفع أسعار الطاقة، فبالتالي سيتم رفع أسعار الدواء، نتيجة عدم قدرة المصانع المنتجة لهذه الأدوية، على تحمل أسعار الكهرباء والطاقة المصنعة للأدوية”. وكان القرار الحكومي استثنى الصناعات الغذائية والكهرباء والإسمنت من الزيادة الأخيرة لأسعار الوقود.
وأضاف عوف: “الحل الوحيد لعدم رفع أسعار الدواء، هو استثناؤها من عملية رفع الأسعار ودعم المواد الخام التي تقوم باستخدامها واستيرادها من الخارج، بالإضافة إلى استمرار الدعم على الطاقة، وهو أمر لم يتم من الأساس”.
وتابع “لا تستطيع الحكومة أن تجبر شركات الأدوية على استمرار الأسعار بشكلها الحالي، خاصة وأنها نفسها لن تتحمل الاستيراد من الخارج في حال توقف الشركات المصرية عن تصنيع الدواء وبيعه في الأسواق المصرية نتيجة ارتفاع أسعار الدولار”.

وبحسب مراقبين، فإن المواطن المصري بات محاصرا من ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والمياه والخدمات في ظل ترقب انعكاسات ذلك على جميع أنواع السلع والأدوية، ما يدفع أصحاب المهن إلى رفع أجورهم كالأطباء والمهنيين، الأمر الذي سيؤدي إلى موجة تضخم عالية المخاطر في ظل تآكل قيمة الأجور والرواتب، وعدم اهتمام النظام بصنع مظلة حماية اجتماعية لأكثر من 80% من جموع الشعب هم أصحاب الأعمال الحرة والقطاع الخاص، إضافة إلى ضعف الزيادة على أجور ومعاشات موظفي الحكومة الذين تبلع نسبتهم حوالي 20% من جموع الشعب.
فئران تجارب
وكان برلمان العسكر قد أقر مشروع قانون “التجارب السريرية” يوم 02 مايو الماضي 2018، في ظل تحفظات كثيرة من جانب جميع المختصين والخبراء، وبررت الحكومة ذلك بأن سوق الدواء العالمية في 2017 وصلت إلى 163 مليار دولار، وتتوقع الحكومة حصول مصر على “03% من هذه الاستثمارات بما يساوي 5 مليارات دولار، وهو رقم أكبر من حجم السوق المصرية الذي يصل إلى 3 مليارات دولار حاليا. كما تحتل مصر المركز الخامس إقليميا في سوق البحث العلمي في قطاع الدواء بعد كل من تركيا وإيران و”إسرائيل” وجنوب إفريقيا.
وأصدر المركز المصري للحق في الدواء مذكرة لبرلمان العسكر، أبدى فيها تحفظه على مشروع القانون، مبديا 10 ملاحظات عليه، لكن ذلك لم يحل دون تمرير المشروع الذي تقف وراءه مافيا شركات الدواء العالمية والمحلية شديدة العلاقة بجنرالات كبار في مؤسسات الدولة المخابراتية والأمنية.

وحذر المركز، في مذكرته بتاريخ 12 أبريل الماضي، من أن تلك الأبحاث أو التجارب التي تُجرى في مصر حاليا غير أخلاقية، في عدد من الوحدات الصحية دون وجود أي قانون منظم سوى قرار وزاري لإحكام القبضة على الممارسات غير الأخلاقية.
وأضاف أنه في شهر مارس 2016، كشف المركز المصري للحق في الدواء عن وجود تجارب لإحدى الشركات العالمية، بينما أظهرت منظمة برن السويسرية لمكافحة التجارة في البشر، وجود 24 تجربة جرت بدون موافقة قانونية وبدون علم الأجهزة والمريض.
وأوضح المركز أن خضوع الأطفال والمرضى النفسيين والحوامل للتجارب يتعارض مع المواثيق الدولية وحقوق الإنسان وحقوق الطفل والحقوق التي تحمي المرضى النفسيين، خصوصا إعلان جنيف لحقوق الإنسان والمدونة الدولية لآداب المهن الطبية.
وشدد المركز على ضرورة أن تقام عمليات التدخل البحثي والطبي فى المستشفيات الجامعية بصفتها عملا بحثيا علاجيا، وأيضا حتى نستطيع مراقبتها فى أى وقت، وأن يحظر تماما إجراء التجارب فى المستشفيات الخاصة، نظرا لاحتمال وجود تضارب مصالح أو شبهات أو تكتلات مصالح فى هذا الأمر.