تكشف الأرقام الصادرة عن كثير من المؤسسات والجهات الحكومية والخاصة أن قطاع السياحة المصري يئن بشدة منذ تفشي فيروس «كوفيد ــ19» المعروف بـ«كورونا» والذي ظهر في 12 ديسمبر 2019م بإقليم “ووهان” الصيني؛ وسجلت الحجوزات السياحية الجديدة إلى مصر هبوطا بنسبة 70% إلى 80% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
هذه التراجع الحاد يأتي في أعقاب انتعاشة شهدها القطاع الموسم الماضي؛ وبحسب بيانات البنك المركزي فإن إيرادات السياحة بلغت مستوى قياسيا بمقدار 12.57 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يوليو الماضي “2019”م.
وبحسب كريم المنباوي رئيس شركة إمكو ترافل للسياحة فإن القطاع يتلقى حجوزات تمثل 10% فقط من التوقعات والمستهدفات. ومثَّل الإعلان عن إصابة 45 شخصا بكورونا على متن الباخرة السياحية التي تبحر بين الأقصر وأسوان ضربة مؤلمة لقطاع السياحة الذي لا يزال يعاني منذ تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء في 31 أكتوبر 2015م. وجاء الإعلان عن وفاة سائح الماني ليمثل ضربة إضافية ضاعفت من معاناة القطاع؛ ثم الإعلان عن ارتفاع عدد المصابين إلى 59 حالة حتى مساء الاثنين 9 مارس 2020م..
اقتراح بتعليق السياحة
وأمام هذه الأزمة التي تتفاقم كل يوم، يطالب قطاع عريض من المواطنين بتعليق السياحة وجميع الأنشطة الجماهيرية ومنها الدراسة والحفلات والمهرجانات وحتى صلاة الجماعة في المساجد والكنائس إن لزم الأمر وتعقيم مستمر لوسائل النقل والتوجه نحو العمل الإلكتروني من المنازل بدلا من الحركة وركوب المواصلات والتواجد في الشركات إذا كانت نوعية العمل تسمح بذلك ؛ إضافة إلى الحزم التام في مسائل النظافة والتعقيم والمتابعة الدقيقة لكل الحالات المشتبه بها.
وطالب النائب في برلمان العسكر سليمان فضل العميري يوم الاثنين 9 مارس 2020 باقتراح برغبة إلى رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي وزير الآثار خالد العناني يطالب فيه بإعلان تعليق السياحة الوافدة إلى البلاد لمدة شهر واحد كإحدى الوسائل المهمة لحصار انتشار فيروس كورونا بعد ارتفاع عدد المصابين إلى 55 إضافة إلى حالة وفاة لألماني لفظ أنفاسه الأخيرة في العناية المركزة بمستشفى الغردقة بمحافظة البحر الأحمر.
بحسب النائب فإن ذلك الاقتراح هو إجراء وقائي واحترازي لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد في مصر، خصوصاً أنه ثبت بالدليل القاطع أن الأجانب القادمين من الخارج هم سبب انتشار العدوى في الداخل. وأضاف أن السائحين الأجانب هم السبب المباشر في جميع الإصابات داخل مصر، وهو ما يستدعي اتخاذ هذا الإجراء الاحترازي، بحيث يشمل قرار تعليق السياحة الخارجية جميع الأجانب العاملين في بعض الشركات المصرية، والموجودين حالياً في بلدانهم.
وحذَّر النائب من أن “كورونا” يمثل أزمة حقيقية للدولة المصرية، مستشهدا بأن العديد من البلدان اتخذت هذا الإجراء الاحترازي حفاظا على حياة مواطنيها. كما طالب أيضا باتخاذ حزمة من الإجراءات للحد من انتشار العدوى، منها إلزام المقاهي باستعمال الأكواب الكرتونية، وقصر استخدام المصاعد على كبار السن، وعدم استعمال البصمة في أماكن العمل، إلى جانب تعقيم وسائل النقل والمواصلات العامة.
خياران أحلاهما مر!
وإزاء هذه المعطيات تقف حكومة العسكر برئاسة الطاغية عبدالفتاح السيسي أمام خيارين سيئين:
الأول، أن تأخذ باقتراح تعليق السياحة ووقف استقبال أي رحلات خلال الفترة المقبلة وكذلك تعليق الدراسة والأنشطة التي تشهد حضورا جماهيريا مثل المهرجانات والحفلات الغنائية وغيرها؛ لحين ظهور بوادر ومؤشرات قوية على احتواء النظام العالمي لفيروس كورونا القاتل وذلك عبر التوصل إلى لقاح قادر على قتل الفيروس ومنع انتشاره.
الثاني، أن تضرب الحكومة بكل هذه التحذيرات عرض الحائط وتوجه جهودها نحو دعم قطاع السياحة رغم المخاطر الشديدة المترتبة على هذا الإجراء واحتمال تحول الفيروس إلى وباء في مصر التي تعاني أساسا من تدني الخدمات الصحية وعدم قدرة النظام على مواجهة تفشي الفيروس.
هذيان حكومي
المؤشرات تكشف أن الحكومة معدومة العقل والتفكير؛ إذا تركز على المال والإيرادات أكثر من اهتمامها بصحة المواطنين؛ الأمر الذي يفضي تلقائيا إلى خسارة كل شيء فلا السياحة ستنتعش ولا المواطنين سيقبلون بهذا الاستخفاف الحكومي. حيث قامت الحكومة بــ«3» إجراءات تكشف توجهاتها العقيمة، وتؤكد أن الاقتصاد عندها أولى من صحة المواطنين:
الأول، قيام وزير السياحة والآثار خالد العناني، برفقة وزيرة الصحة هالة زايد، ووزير الطيران المدني محمد منار، بجولة تفقدية لإجراءات الحجر الصحي بمطار الأقصر الدولي، وطمأنة المواطنين والسياح، والتأكيد على انتظام حركة السياحة في المحافظة. وقال العناني وسط حشد من السياح بالأقصر “إحنا جايين بنفسنا علشان نرد على الإشاعات اللي بتقول إن مبقاش في سياح والناس خائفة تيجي، الحمد لله الناس موجودة”.
الثاني، أمام هذه المخاطر الكبيرة، واليقين بأن أسباب انتشار الفيروس هي الوفود السياحية القادمة من الخارج، تقوم الحكومة بالتعاقد من اجل تدشين حملة دعاية و تسويق لقطاع السياحة في مصر! وبالفعل تعاقدت وزارة السياحة مع شركة عالمية لتنفيذ حملة ترويجية كبرى لمصر في الخارج الأسبوع المقبل. وتستهدف الحملة من 10 إلى 12 سوقا في الدول الرئيسية المصدرة للحركة السياحية الوافدة لمصر ومنها إنجلترا، وألمانيا، وإيطاليا والولايات المتحدة، حسبما ذكر رئيس هيئة تنشيط السياحة أحمد يوسف في تصريحات صحفية. وقال ماجد فوزي رئيس غرفة الفنادق السياحية في بيان إن الوزراء اتفقوا مع مديري الفنادق والسفن السياحية في الأقصر على شراء موازين للحرارة تعمل بالأشعة تحت الحمراء وتكليف شركة أجنبية بفحص سلامة الغذاء. وهو الإجراء المثير للدهشة ذلك أن معظم الدول الأوروبية المستهدفة قررت بالفعل وقف حركة السياحة ومنع الرحلات وألغت المانيا معرض برلين في مارس الجاري الخاص بتسويق السياحة.
الثالث، أعلنت شركة مصر للطيران أنها ستتنازل عن رسوم التغييرات على الرحلات الدولية المرتبط تغيرها بفيروس كورونا بدءا من يوم السبت وحتى نهاية الشهر بغض النظر عن تاريخ السفر؛ في إجراء يستهدف التسهيل على السياح القادمين إلى مصر.
خلاصة توجهات الحكومة وسياستها: مرحبا بالسياح ومرحبا بــ«كورونا» وليذهب المصريون إلى الجحيم وليهلك الملايين منهم قتلا بالفيروس المميت!