المصريون بين طوارئ “كورونا” وتمديد السيسي لها للمرة الـ12.. تعددت الطوارئ والقمع للأبد

- ‎فيتقارير

أعلنت الطوارئ، كالعادة، لمدة 3 شهور، رغم وجود إعلان سابق لحالة الطوارئ لمواجهة كورونا، وهو ما يكشف تلاعب قائد الانقلاب بالقانون والمصريين في نفس الوقت؛ فمرة يستخدم الوباء ومرة يستخدم الاٍرهاب ذريعة للعصف بكل الحقوق والحريات، وعلى الرغم من أن الدستور الذي صنعه السيسي بيديه، والذي يمنع تجديد الطوارئ أكثر من مرة، يجدد عبدالفتاح السيسي إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، لمدة ثلاثة أشهر، اعتبارًا من منتصف ليل اليوم الثلاثاء.

ونشر القرار في الجريدة الرسمية، متضمنا موافقة رأي مجلس الوزراء، طبقا للظروف الأمنية والصحية الخطيرة التي تمر بها البلاد. وذلك على الرغم من اتخاذ السيسي الإجراءات المناسبة التي تستلزم فرض الطوارئ لمواجهة كورونا.. فالأسواق تعج بالزحام وكسر الحظر مستمر في كل شوارع مصر، بالرغم من وجود لبعض دوريات الشرطة ببعض المناطق.

وتنص المادة الثانية من القرار، أن تتولي القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين.

وذلك على الرغم من رفض الجيش المشاركة في تطبيق حظر التجوال لمواجهة فيروس كورونا، بالمخالفة للدستور، وبدا منكفيا على نفسه متاجرا بالمعقمات والكمامات، معلنا عن استخدام الطجائرات العسكرية في الاستيراد، وذلك بلطبع لتحقيق أعلى الأرباح المالية، في ضوء الإغلاق العالمي التجاري الذي يمكن من يملك أية سلعة من تحقيق أعلى الأرباح.

وهذا هو التمديد الثاني عشر، لقرار إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد، الصادر في أبريل 2017.

وعادة ما يوافق البرلمان الانقلابي على قرار تمديد حالة الطوارئ.

وينص قرار تمديد الطوارئ على أن “تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، بجانب حفظ الأمن وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين”.

وفي 10 أبريل 2017، وافق البرلمان ‎لأول مرة، على إعلان حالة الطوارئ 3 أشهر لـ”مواجهة أخطار الإرهاب وتمويله”، ردًّا على هجومين استهدفا كنيستين شمالي البلاد، آنذاك، وأوقعا 45 قتيلاً على الأقل، تبناهما تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وبموجب حالة الطوارئ، يحق للسلطات مراقبة الصحف ووسائل الاتصال والمصادرة، وتوسيع صلاحيات الجيش والشرطة، والإحالة إلى محاكم استثنائية وإخلاء مناطق وفرض حظر تجوال، وفرض الحراسة القضائية؛ الأمر الذي أثار انتقادات حقوقية، وترد عليه القاهرة بأنها تنفذ القانون وتحترم الدستور ولا تمس الحريات.

تعديلات قانون الطوارئ

وانتهت يوم 27 أبريل الجاري، المدة الدستورية للعمل بقانون الطوارئ في مصر، بعد ثلاث سنوات من سريانه، في الشهر ذاته من عام 2017.

وقبل أيام من انتهاء العمل به، جرى تعديل القانون بشكل موسع، بما يمنح السيسي، صلاحيات جديدة، بدعوى مواجهة أزمة تفشي فيروس “كورونا” المستجد.

ويتيح الدستور المصري، فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وتجديدها لمدة ثلاثة أشهر أخرى، لتصبح المدة الإجمالية ستة أشهر فقط.

لكن النظام الانقلابي  دأب على التحايل على هذا القيد، وترك فاصلا زمنيا بعد كل مدة، قد يكون يوما واحدا أو عدة أيام، قبل أن يعيد فرض حالة الطوارئ من جديد، ليواصل تمديدها 12 مرة على التوالي.

يفرض نظام “السيسي” حالة الطوارئ منذ أكتوبر 2014، لكنها اقتصرت في البداية على محافظة شمال سيناء، مع فرض حظر التجوال في بعض مناطقها.

ويحظى القانون 162 لعام 1958، المعروف بـ”قانون الطوارئ”، بسمعة سيئة، كونه يمنح السلطة التنفيذية، صلاحيات واسعة، منها وضع قيود على حرية الاجتماع والتنقل، ومراقبة الصحف، وفرض الحراسة، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها.

وعلى مدار عقود، جرى استغلال القانون من قبل النظام الحاكم، في تمرير القمع، والتوسع في حملات الاعتقال العشوائية، والإخفاء القسري، وجرائم التعذيب، والتصفية خارج إطار القانون.

كذلك يجري بشكل ممنهج توظيف حالة الطوارئ في تكميم الأفواه، وحجب الصحف، ومنع التظاهرات والاحتجاجات السلمية، وتجميد الأحزاب السياسية، وملاحقة منظمات المجتمع المدني، ومصادرة أموال المعارضين، ووضعهم على قوائم الإرهاب.

وبموجب الصلاحيات الواسعة الممنوحة لأجهزة الأمن، وفق القانون، زادت انتهاكات حقوق الإنسان، فضلا عن تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب بين ممثلي الأجهزة الأمنية، وفق منظمات حقوقية محلية ودولية.

ومن أبرز البنود التي جرى إضافتها ضمن التعديل الجديد للقانون، تمكين النيابة العسكرية بمعاونة النيابة العامة في التحقيق في الوقائع والجرائم التي يتم ضبطها بمعرفة القوات المسلحة، على أن يقتصر التصرف النهائي في التحقيقات على النيابة العامة.

وفيما اعتبر إشارة على توسيع صلاحيات القضاء العسكري في محاكمة المدنيين، تقرر تعديل تشكيل المحكمة الوارد بالفقرة الرابعة من المادة (7) من القانون، لتضم في تشكيلها بعض القضاة من القضاء العسكري.

ووفق التعديلات، تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة، تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، وسيكون لضباطها ولضباط الصف بها اختصاصات مأموري الضبط القضائي، وهو تعديل يزيد من صلاحيات المؤسسة العسكرية في البلاد.

صلاحيات جديدة

وتمنح التعديلات الجديدة، “السيسي”، صلاحيات جديدة، تشمل تعليق الدراسة في المدارس والجامعات، وحظر التجمعات العامة والخاصة، وإخضاع القادمين من الخارج للحجر الصحي، وحظر تصدير بضائع ومواد معينة، وفرض قيود على التجارة أو نقل السلع، وتحديد سعر بعض الخدمات أو السلع أو المنتجات.

كما تسمح الإجراءات، للسيسي بإعادة توجيه المستشفيات الخاصة وأطقمها لمساعدة نظام الرعاية الصحية العامة لفترة محددة، وتحويل المدارس والشركات وغيرها من المرافق العامة إلى مستشفيات ميدانية.

وتقيد التعديلات الجديدة، الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال التجمعات، وكذلك تقيد الاجتماعات الخاصة “إن لزم الأمر”.

كما تضمنت التعديلات تعطيل العمل جزئيا أو كليا، ولمدة محددة، في الوزارات ومصالحها، والأجهزة الحكومية، والقطاع الخاص.

جمع التبرعات

اللافت أن البنود الجديدة التي جرى تضمينها في قانون الطوارئ، أعطت السلطات غطاء قانونيا لجمع التبرعات المالية والعينية لمواجهة الحالة الطارئة، بل وتحديد طريقة ذلك، وهو ما يتيح للدولة اقتطاع جزء من رواتب الموظفين، أو فرض رسوم على مدخرات المصريين، بدعوى مواجة “كوورنا”.

ومن الخطير أن التعديلات الجديدة لم يتم حصرها على مواجهة أزمة “كورونا”، بل تركت الباب مفتوحا أمام أزمات أخرى، حيث لم تقدم تعريفا واضحا لمصطلح “الحالة الطارئة” الوارد في نص التعديلات.

وتتيح البنود الجديدة، للنظام الحاكم،”وضع قواعد تخصيص هذه التبرعات والإنفاق منها، وكذلك تقرير مساعدات مالية أو عينية للأفراد والأسر، وتحديد القواعد الخاصة بالصرف منها، وتقرير الدعم اللازم للبحوث العلاجية، واتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على منظومة الرعاية الصحية واستمراريتها”.

وشملت البنود المستحدثة “تقسيط الضرائب أو مد آجال تقسيطها لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، قابلة للتجديد لمدة أخرى مماثلة، ولا يترتب على فترات التقسيط أو المد استحقاق مقابل تأخير أو ضريبة إضافية، وتقسيط مقابل الانتفاع بالمال العام، والرسوم أو مقابل الخدمات المستحقة نظير الخدمات الإدارية كلياً أو جزئيا”.

وتتيح التعديلات، للسلطات الحكومية، فرض الرقابة على أعمال المختبرات العلمية والبحثية والمعملية، وتشديد الإجراءات على حيازة المواد البيولوجية، واستخدامها ونقلها، وتحديد ضوابط التخلص من المخلفات والنفايات البيولوجية.

ويجري تمديد حالة الطوارئ عبر التحايل على الدستور، حيث يتم فرضها بعد أيام قليلة من انتهائها وأحيانا بعد يوم واحد، في تخط لنص الدستور الذي قضى صراحة بعدم جواز فرضها لأكثر من 6 أشهر متتالية.

وعبر هذا التحايل، يسير نظام “السيسي” على نهج حسني مبارك، الذي أطاحت به ثورة يناير 2011، وفرض حالة الطوارئ طوال فترة حكمة التي بلغت ثلاثين عاما.

ويمكن القول، إن فيروس “كورونا” جرى استغلاله من قبل النظام المصري؛ لتسليح قانون الطوارئ بترسانة جديدة من أدوات القمع، وفضلا عن تعزيز نفوذ الجيش وترسيخ قبضة “السيسي” القوية على مفاصل السلطة.