عشرات الأنباء تتدفق عن خطط وترتيبات لقرب اتصال الرئيس الأمريكي بايدن بولي العهد السعودي محمد بن سلمان ولقاء مسئولين أمريكيين وسعوديين ، بعدما وعد بايدن بعدم الاتصال به أو التعامل معه، وجعله "منبوذا" قبل وعقب فوزه بالرئاسة.
بايدن بات يحتاج محمد بن سلمان بالفعل لحاجة أمريكا للسعودية لزيادة إنتاج النفط لتعويض النقص في الأسواق بعد الغزو الروسي لأوكرانيا ، وتشجيع دول على الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية ضمن العقوبات الغربية على موسكو.
وباتت الرغبة في تحسين العلاقات مع السعودية أكثر إلحاحا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا الشهر الماضي، والذي أدى إلى فرض واشنطن والاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى عقوبات اقتصادية على موسكو ، حيث تحاول الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إقناع السعودية، أكبر مُصدر للنفط في العالم، بزيادة الإنتاج لتعويض الفاقد المحتمل في الإمدادات الروسية.
لذا يتوقع مراقبون أن يجبر الغزو الروسي لأوكرانيا الرئيس الأمريكي جو بايدن على إعادة التفكير في نهج المواجهة ضد محمد بن سلمان، في ظل للحاجة للسعودية لتنفيذ خطة حصار روسيا وخفض سعر النفط.
النفط دفعه للتراجع
وكالة "بلومبرج" الأمريكية أكدت 21 مارس 2022 أن الحاجة للنفط بعد أزمة أوكرانيا تدفع الرئيس الأمريكي لتهدئة الأجواء مع ولي العهد، وأن بايدن ينجر على مضض إلى إقامة علاقات أقرب مع ملك السعودية المنتظر، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وأكدت الوكالة الاقتصادية أن "بعض كبار مسؤولي الإدارة بذلوا جهودا لأشهر من أجل إقناع الرئيس بأن تجاهل بن سلمان وأكبر مصدر للنفط في العالم يعيق أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة".
ونقلت عن أحد المسؤولين الأمريكيين أن "العدوان الروسي أحدث تغييرا في نظرة أمريكا للسعودية، لكن المشكلة أن هذا جاء بعدما بدأت المملكة تغير وجهة نظرها تجاه أمريكا بايدن ، لأن الأمير محمد اعتبر تجاوز وتجاهل بايدن إهانة لن تُغفر بين عشية وضحاها".
ظهر ها هذا التغير في المزاج السعودي في حوار مجلة ذا أتلانتيك 4 مارس 2022، حين سئل محمد بن سلمان عما إذا كان بايدن قد أساء فهمه، فأجاب ولي العهد "هذا أمر لا يشغلني ببساطة، والتفكير في مصالح أمريكا متروك له".
وبسؤاله عن فكرة إبعاد السعودية، أجاب الأمير محمد "فليفعل ذلك".
صحيفة "وول ستريت جورنال" ذكرت 8 مارس 2022، أن البيت الأبيض فشل في محاولة إجراء اتصال هاتفي بين الرئيس جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بهدف مناقشة ضبط أسعار النفط المتزايدة في العالم.
وذلك بعدما حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكالمة هاتفية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان 3 مارس/آذار مما سماه "تسييس قضايا الطاقة العالمية".
الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، أكد في مقال له في موقع "ميدل إيست آي" 15 مارس 2022، أن الحرب الروسية على أوكرانيا زادت فرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تضييق الخناق أكثر على الرئيس الأمريكي جو بايدن فيما يتعلق بالإنتاج النفطي.
قال إن "بن سلمان يريد تكلفة باهظة لكي يتعاون مع الأمريكيين فيما يتعلق بإنتاج النفط وأسعاره ، وبات يطلب من بايدن سعرا مرتفعا مقابل الموافقة على الدخول إلى حلبة اللعب بأسعار النفط".
أوضح أن بن سلمان يريد دعما أكبر من الولايات المتحدة للحرب في اليمن، ومد يد العون للسعودية في برنامجها النووي، وحصانة قانونية في الولايات المتحدة ضد الإجراءات القضائية التي قد تتخذها المحاكم استجابة لدعاوى من أشخاص مثل سعد الجبري، ضابط المخابرات السعودي السابق الذي يزعم أن ولي العهد حاول قتله.
موقع بلومبرج أكد 21 مارس 2022 أن بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن من أكبر المعارضين داخل البيت الأبيض لتخفيف التوتر مع ابن سلمان؛ لأنهما قلقان من رد الفعل السلبي لصحيفة واشنطن بوست المؤثرة والتي نشرت مقالات خاشقجي، وأن ابن سلمان لا يزال يرتكب أعمالا تستدعي الإدانة.
مساندة المستبدين
فورين بوليسي طالبت إدارة بايدن 22 مارس 2022 بمعاقبة السعودية لدعمها روسيا، لأنها اختارت الوقوف إلى جانب المستبدين في أزمة النفط العالمية ، بدلا من الوقوف إلى جانب أمريكا.
قالت "منذ أن عزز ابن سلمان من سيطرته على السلطة، توترت العلاقات بين المملكة وأمريكا بشكل متزايد، بسبب سياساته الخارجية المتهورة؛ والتي تتضمن سبع سنوات من الحرب في اليمن، وانتهاكات فضيعة لحقوق الإنسان، وسجن وقمع الناشطين والمعارضين".
وخلال اللقاء الذي نظمته شبكة CNN التلفزيونية 21 أكتوبر 2021، للرئيس الأمريكي مع ناخبيه في بالتيمور قال "هناك الكثير من الأشخاص في الشرق الأوسط يرغبون في التحدث معي".
تابع "لكني لست متأكدا أنني سأتحدث معهم" في إشارة واضحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وعبد الفتاح السيسي الذي رفض بالفعل لقاءه رغم حضوره تحت نفس سقف القمة".
https://twitter.com/keymiftah79/status/1451501394737893383
غضبت السعودية لسحب الولايات المتحدة في سبتمبر 2021 بعض أنظمة الدفاع وباتريوت الخاصة بها من هناك وسط هجمات الحوثيين المستمرة.
لكن عقب أنباء عدم توافر صواريخ باتريوت للدفاع عن النفط السعودي في مواجهة صواريخ الحوثي، وإعلان السعودية 21 مارس 2022 أنها تخلي مسؤوليتها عن أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من "مليشيات الحوثي الإرهابية"، عادت أمريكا لتزويد السعودية بصواريخ باتريوت.
https://twitter.com/KSAMOFA/status/1505863086254837760
إدارة بايدن نقلت في نفس يوم التصريح السعودي، عددا كبيرا من صواريخ باتريوت إلى السعودية في الأسابيع العديدة الماضية بعد أن طلبت الدولة بشكل عاجل إعادة الإمداد، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال 21 مايو 2022.
وتعيش السعودية تحت ضغط كبير لرفع إنتاجها من النفط، تزامنا مع الهجوم الروسي على أوكرانيا، وسعي الدول الغربية لاستعمال الذهب الأسود أداة لتكبيد موسكو خسائر اقتصادية، وفشلت كل المباحثات في دفع السعودية إلى ذلك، بما فيها زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للمملكة يوم الأربعاء 16 مارس.
ونقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن ديفيد روبرتس، الخبير في شؤون الخليج بالجامعة الملكية بلندن، اعتباره الموقف الصادر عن الخارجية السعودية سيعا لحشد الضغط الدولي ضد جماعة الحوثي، وأنهم يعززون دفاعهم عن أي رد عسكري سيوجه ضد الحوثيين بحجة أنهم يفعلون ذلك لصالح أمن سلاسل توريد النفط العالمية.
أرامكو وسوق النفط
وتطفو المملكة العربية السعودية فوق أحد أكبر الاحتياطيات العالمية من النفط، بنحو 266 مليار برميل ويمثل ذلك 15.7% من الاحتياطي العالمي.
ويبلغ إنتاجها الحالي 9.932 مليون برميل يوميا، حسب أرقام منظمة أوبك لشهر ديسمبر الماضي، أي ما يمثل ثلث الإنتاج العالمي من النفط، الذي يُقدر بـ27.882 مليون برميل يوميا، وفقا لذات الأرقام.
وتبلغ صادرات النفط السعودية أكثر من 7 ملايين برميل يوميا، ويتحكم عملاق النفط المحلي أرامكو في هذا الإنتاج والصادرات تماما، إذ تُعد أكبر شركة نفط في العالم، إذ تبلغ قيمتها السوقية تريليوني دولار، وأعلنت الشركة زيادة في أرباحها برسم سنة 2021 قُدرت بـ124%، بما يعادل 110 مليارات دولار.
وحسب هذه المعطيات فإن أرامكو تقتطع ثلث السوق العالمية للنفط، وبالتالي سيؤثر أي ارتباك في سلسلة إنتاجها مباشرة في تلك السوق، كما حدث سنة 2019 حين دفعت الهجمات الحوثية حينها إلى توقّف كمية من إمدادات الزيت الخام بنحو 5.7 مليون برميل يوميا، أو نحو 50% من إنتاج شركة أرامكو، إضافة إلى ملياري قدم مكعب من الغاز المصاحب.