رجحت ورقة بعنوان "في إطار سعيها لحل الأزمة الداخلية، هل تسعى السودان لإعادة التموضع إقليميا؟، نشرها موقع الشارع السياسي أن تكون الوساطة الثلاثية للرياض وأبوظبي والقاهرة في الشأن السوداني ذات عواقب وخيمة على الدولة في المستقبل.
وجاء الترجيح في ضوء تحليل لأهمية الزيارات العربية لعبد الفتاح البرهان، رئيس الانقلاب في السودان، في محاولاته لإعادة التموضع الإقليمي، مستقصية المبررات للزيارات ومُخرجاتها.
دوافع عامة
وقالت إن "ما يشهده السودان من احتجاجات قبل 5 أشهر تقودها لجان مقاومة الاحتجاجات الشعبية للمطالبة بالحكم المدني واستعادة مسار الانتقال، بعد قرارات قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في أكتوبر 2021، القاضية بحل الحكومة وإعلان الطوارئ" وأوضحت أن زيارات البرهان الخارجية في إطار البحث عن سند وعضد دولي لمجابهة تحديات الفترة الانتقالية ما بعد قرارات 25 أكتوبر، خاصة فيما يتعلق بالدعم الاقتصادي وعملية الدفع السياسي الداخلي في ظل إحجام المجتمع الدولي عن دعم حكومة البرهان.
واستعرض رؤية البعض من أن الزيارات الخارجية التي يقوم بها الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لن تساهم في حل الأزمة الداخلية للسودان، حيث تبحث الدول عن مصالحها في المقام الأول.
وقالت إن "الأزمة السودانية تتمثل في الصراع ما بين المكونين المدني والعسكري، والحل لابد أن يكون داخليا بعيدا عن اللجوء للدول الخارجية التي يرى هؤلاء أنها ستُعقد الأزمة السودانية أكثر".
الإمارات
وعن الشق الاقتصادي من الزيارة، اعتبرت الورقة أن زيارة عبد الفتاح البرهان لأبو ظبي (10 – 13 مارس) 2022، محاولة أخيرة لاستعادة الدعم الاقتصادي والأمني بعد فتور ملموس منذ نوفمبر 2021.
وقالت إن "محمد بن زايد وعد بضخ كميات كبيرة من الأموال في البنوك السودانية، في الطرق والسكك الحديدية والموانئ، ورفع مستوى التعاون العسكري، في ما اعتبره البعض خطوات جادة نحو خصخصة ميناء بورتسودان لصالح شركات إماراتية".
وكانت الخرطوم رفضت، بشكل متكرر ولا سيما في ذروة تأزم الموقف بخصوص سد النهضة الإثيوبي، مقترحات إماراتية بشمول منطقة الفشقة السودانية بمبادرة سحبتها أبو ظبي قبل نحو عام (مايو 2021)، وكانت تنص على تسهيل استثمارات زراعية إماراتية- إثيوبية في المنطقة، بعد تحرير الجيش السوداني لها.
وأضافت أن "الضغوط الإماراتية على مجلس السيادة قد حققت أهدافها، في ظل فشل المجلس في انتهاج سياسات متماسكة تحظى بقبول شعبي، وتصاعد الغضب الشعبي ضده على خلفية الظروف الاقتصادية الطاحنة في البلاد".
وبدت دلائل هذا النجاح في إعلان الخرطوم، قبيل نهاية مارس، بدء ضخ عملة صعبة في البنوك حتى منتصف إبريل، بعد تلقي البنك المركزي السوداني ودائع من الإمارات والسعودية.
السعودية
ووعلى التوالي، اعتبرت الورقة أن زيارة البرهان جدة في (21 – 22 مارس) 2022، باجتماع موجز مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي أكد استعداد بلاده للاستثمار في السودان في جميع المجالات ذات النفع المشترك، مع التشديد على أهمية التعاون في مجال أمن البحر الأحمر والتعاون العسكري وتبادل الخبرات.
وبالمقبل وعد البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، بوقوف الخرطوم إلى جانب الرياض، واستمرار تعاونهما الاستخباراتي والأمني والسياسي لدرء أي عمل إرهابي وتأمين ملاحة البحر الأحمر".
وأضافت أن حضور الاستثمارات السعودية في قطاع الزراعة في السودان؛ يعزز سعي مجلس السيادة إلى تعويض تشوه هيكل الاقتصاد السوداني، ترقبا لاستئناف برنامج إعفاء السودان من ديونه الخارجية، ومن المتوقع، في هذا المجال، اتفاق الخرطوم والرياض على تقديم الأولى حزما معقدة لتحفيز الاستثمارات السعودية، الزراعية تحديدا، فيما سيقود إلى تحقيق طفرة في واردات السعودية من السودان، وإعادة فتح السوق السودانية أمام الاستثمارات السعودية المباشرة.
مصر
وعن زيارة الختام للقاهرة، قالت إن "وجود مبعوث الأمم المتحدة الخاص للسودان، فولكر بيرثيس، في القاهرة بالتزامن مع زيارة البرهان، ولقائه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في اختتام مشاورات مُطولة للأول مع المعنيين السودانيين لوضع أساس لحوار وطني، تمهيدا للخروج من مأزق المرحلة الانتقالية الحالي".
وأشارت إلى أن أجندة البرهان في مصر التوصل لرؤية مقبولة، بوساطة مصرية، لمواجهة تعطل مسار المرحلة الانتقالية، وتفادي مزيد من التصعيد. كذلك، يرى البعض اعتبار الزيارة مناسبة لاستكشاف مصر مزيدا من فرص تعزيز التعاون الزراعي مع السودان، ولاسيما في مجال زراعة القمح، لتفادي أكبر قدر ممكن من التداعيات السلبية على وارداتها من القمح من أوكرانيا وروسيا، إلى جانب عدد من الملفات التقليدية مثل التعاون في أمن البحر الأحمر، ودعم التعاون العسكري- الأمني، فضلا عن ملف سد النهضة.
تجاوز المرحلة
وأشارت الورقة إلى أنه يبدو أن البرهان يسعى لتجاوز العوائق أمام سلاسة المرحلة الانتقالية في بلاده، عبر بوابة إعادة التموضع الإقليمي واتساق السودان مع التوجهات العامة للأطراف المعنية بشؤونه؛ منتهزا في ذلك الفرصة التي يُتيحها الوضع الدولي من صراع بين المعسكرين الشرقي والغربي وعلاقاتها مع كل منهما.
وخلصت إلى أن السودان بحاجة لدعم إقليمي، عبر تنسيق ضروري ومُبرر مع بعض الأطراف الإقليمية، يُمكن أن يُسهم في تجاوز عدة عقبات، من تصاعد الحركة الاحتجاجية وقدرتها على الحشد، واحتدام الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، إلى سيناريو العزلة الدولية مجددا.