بالأرقام..نكشف فنكوش مكاسب مصر من تصدير الغاز لأوروبا..”جون” عكسي للمرة الثانية

- ‎فيأخبار

 

 

في ظل التعتيم الإعلامي لنظام الانقلاب وعسكرة كل وسائل الإعلام في مصر ، الجريمة التي اعتمدها السيسي منذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري، لصم أذان المصريين عن الحقيقة وطبيعة ما يعانونه من أزمات، بات المصريون عرضة لجبال من الأكاذيب والخداع العسكري المستهدف، لخدمة أهداف السلطة الحاكمة بقوة الدبابة، وباتت المصائب والكوارث إنجازات ، في أروقة الإعلام التي تدق أجراسها ليل نهار على المصريين، لتشوية وعيهم وتسكين غضبهم ، ولتمكين كرسي السيسي الغارق في دماء الشعب المصري.

ومن تلك الكوارث، توقيع السيسي على اتفاق المبادئ لسد النهضة الأثيوبي، التي خرج الإعلام العسكري وقتها ليعلن على صفحات الجرائد جميعها، في عنوان موحد “خلاص السيسي حلها” ليتفاجأ المصريون بعد 7 سنوات بأن حصة مصر من مياه النيل تتراجع سنويا، وتتقلص بنحو 25 مليار متر مكعب، ولتبدأ المآتم في مصر ، وينفق السيسي مليارات الدولارات على مشاريع تحلية مياه البحر وتحلية مياه الصرف الصحي، التي باتت تملأ بطون ملايين المصريين، وليبحث السيسي ونظامه عن حلول ويستجدي دول العالم من أجل الضغط على أثيوبيا للوصول لاتفاق ملزم بشأن ملء السد وتشغيله، بما يحافظ على حصص مصر المائية دون جدوى.

وعلى شاكلة سد النهضة، وقع المصريون في خية أكاذيب السيسي ونظامه ، كمشاريع الفنكوش بالعاصمة الإدارية والبرج الأيقوني ومسجد الفتاح العليم وأكبر ساري علم وأكبر كنيسة وأكبر جامع ليجد المصريون خزانهم فارغة من الأموال ويستدينوا من كل دول العالم ومؤسساته المانحة لتصل الديون لنحو 159  مليار دولار ونحو 6 تريليون جنيه ديون داخلية، تبتلع نحو 102% من  الدخل القومي المصري.

وغير ذلك الكثير والكثير ، كتفريعة ثالثة لقناة السويس اتضح لاحقا أنها كانت لرفع الروح المعنوية للمصريين …..الخ.

وقبل سنوات وفي العام 2020، خرج السيسي معترفا بأكبر خيانة، قائلا إن مصر أحرزت جون في إسرائيل، بتوقيع اتفاق تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر وإسالته وبيعه لدول العالم ، ما يحقق أموالا طائلة للمصريين، ويحول مصر لمركز إقليمي للطاقة، فإذا الفوائد الكبرى لإسرائيل ولمصر هامش بسيط لا يكاد يذكر ، بل هناك إحصاءات تؤكد استخدام الغاز الإسرائيلي بمصر، وهو ما يمثل خيانة وخسارة في وقت واحد.

 

الجون الثاني بأقدام صديقة

 

وفي إطار توقيع مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم، لزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال من مصر وإسرائيل إلى أوروبا خلال الشهر الماضي، حيث تسعى القارة الأوروبية إلى التخلص التدريجي من الغاز الطبيعي الروسي، الذي يشكل نسبة 39% من مجمل وارداتها من الغاز الطبيعي بالعام الماضي، وهو ما طبلت له وسائل إعلام السيسي، وسط شكوك دولية حول قدرات مصر لتصدير الغاز.

 

وحسب التقرير الإحصائي السنوي لمنظمة “أوبك” فقد بلغ إنتاج مصر المُسوق من الغاز الطبيعي، بالعام الماضي 70.3 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل نسبة 1.7% من مجمل الإنتاج المسوق العالمي البالغ 4.146 تريليون متر مكعب.

 

لتحتل مصر المركز الثاني عشر بين الدول المنتجة ، لكن الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي استحوذ على أكثر من نسبة 90% من مجمل الإنتاج المُسوق، في ضوء زيادة الاستهلاك بنسبة 6% عن العام الأسبق، وتحقيق أعلى رقم استهلاك بالعام الماضي خلال السنوات العشر الأخيرة، يمثل نسبة 1.6% من مجمل الاستهلاك العالمي البالغ 4.1 تريليون متر مكعب، لتحتل مصر المركز الرابع عشر بين دول العالم في كمية الاستهلاك من الغاز.

 

وهكذا قلت الكميات المتبقية من الإنتاج المصري والتي يمكن تصديرها، والتي بلغت 5.5 مليار متر مكعب بالعام الماضي حسب “أوبك”، تزيد عن كمية التصدير بالعام الأسبق لكنها تقل عن كمية التصدير عام 2019 التي بلغت 7.6 مليار متر مكعب، كما تقل عن كمية التصدير عام 2009 أي قبل اثني عشر عاما، والتي بلغت 18.3 مليار متر مكعب حينذاك.

 

وتمثل كمية تصدير الغاز المصري بالعام الماضي نسبة “أربعة بالألف” من الصادرات الدولية البالغة 1.419 تريليون متر مكعب، لتحتل مصر المركز الثامن والعشرين بين الدول المصدرة للغاز بالعام الماضي.

 

تلك هي الصورة التي تظهر في التقارير الدولية الخاصة بإحصاءات الغاز الطبيعي عن مصر، لكن تلك الإحصاءات تغفل الإجابة على سؤال مهم، وهو كم تملك الحكومة المصرية من ذلك الغاز الذي يتم إنتاجه على أرضها ثم تصدير جانب منه، حيث إن اتفاقيات التنقيب عن الغاز الطبيعي التي تقوم بها الشركات الأجنبية تتضمن تحديد نصيب لها من الإنتاج.

 

الشركات الأجنبية تستحوذ على نصف الإنتاج

 

وفي ضوء عدم إعلان الجهات الرسمية المصرية حصص الشركات الأجنبية من الإنتاج، ونصيبها من إيرادات تصدير الطاقة فإن الخبراء، يقدرون نصيب الشريك الأجنبي بنصف الكميات المنتجة.

 

ويشير الاتفاق المصري مع شركة “إيني” الإيطالية الخاص بحقل غاز “ظُهر” الذي تم اكتشافه في أغسطس 2015، إلى تحديد حصة “إيني” بنسبة 40% لاسترداد النفقات والاستثمارات، وتقسيم نسبة الستين بالمائة المتبقية، بنصيب 65% منها للجانب المصري ونصيب 35% منها لشركة “إيني”، لتصبح النسب النهائية في تقسيم الإنتاج بنسبة 61% لشركة “إيني”، مقابل نسبة 39% للجانب المصري.

 

فنكوش الاكتفاء الذاتي

 

ومن ثم يرفض كثير من الخبراء  ادعاء وزارة البترول المصرية تحقيق الاكتفاء الذاتي، من الغاز الطبيعي منذ سبتمبر 2018، حين بلغ الإنتاج 6.5 مليار قدم مكعب يومي، وهو ما يعادل كمية الاستهلاك المحلي حينذاك، حيث إن هذا الرقم للإنتاج يتضمن حصة الشريك الأجنبي، حسب أسامة كمال وزير البترول الأسبق.

ومن هنا فقد ذكر الخبراء أن تحقيق الاكتفاء الذاتي الحقيقي يتطلب وصول الإنتاج 13 مليار قدم مكعب، بحيث يكون نصف الرقم، والذي يعادل الاستهلاك المحلي، مملوكا للجهات المصرية، لكن هذا الرقم ما زال بعيد المنال، حيث أشارت بيانات أوبك إلى بلوغ الإنتاج المسوق بالعام الماضي 6.803 مليار قدم مكعب يومي متضمنا حصة الشريك الأجنبي، وهكذا فإن الكميات التي تقوم مصر بتصديرها تم شراء جانب منها من الشركات الأجنبية العاملة بمصر.

 

وإذا كانت أوروبا تسعى للتخلي تدريجيا عن استيراد الغاز الروسي، والاتفاق مع أسواق بديلة بالعديد من الدول مثل قطر ومصر وأذربيجان وسلطنة عمان، فإن الكمية التي استوردتها أوروبا من روسيا بالعام الماضي بلغت 184.4 مليار متر مكعب، بينما كان حجم صادرات مصر للغاز بالعام الماضي 5.5 مليار متر مكعب حسب أوبك، وهو ما يمثل أقل من نسبة 3% من الكمية التي استوردتها أوروبا من روسيا.

 

ولعل البعض يمكن أن يستخدم الرقم الذي ورد بالتقرير الإحصائي السنوي لشركة بريتش بتروليم، والذي ذكر بلوغ حجم صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال بالعام الماضي 9 مليارات متر مكعب، اتجه منها 2.5 مليار متر إلى دول أوروبية أبرزها تركيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا، و6.1 مليار متر إلى دول آسيوية أبرزها الصين والهند وباكستان وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة واليابان، و400 مليون متر مكعب للكويت.

 

ويفسر البعض الفارق بين رقم التصدير المصري للغاز الوارد، حسب أوبك، والبالغ 5.5 مليار متر مكعب، والرقم الوارد لشركة بريتش بتروليم، والبالغ 9 مليار متر مكعب، باحتساب الشركة البريطانية رقم الغاز الوارد من إسرائيل لمصر، لتسييله بمحطتي إدكو ودمياط، ثم تصديره ضمن الرقم الإجمالي، حيث بلغت كمية الصادرات الإسرائيلية لمصر من الغاز الطبيعي خلال العام الماضي 4.25 مليار متر مكعب.

 

 

 

 

محطتا دمياط وإدكو غير مملوكتين لمصر

ومن ضمن ما يضاعف خيبة مصر ويقلص ما يتحدث عنه إعلامها من إنجازات، حيث يبرز  استيراد مصر للغاز من إسرائيل رغم ادعاء تحقيق الاكتفاء الذاتي، بأنه سيتم تسييله بمحطتي الإسالة بمدينتي “إدكو” و”دمياط” المصريتين، لكنه لا يذكر أن هيكل ملكية محطتي الإسالة قد تغير خلال الفترة الأخيرة، بحيث أصبح نصيب مصر من ملكية محطة إدكو 24% فقط، مقابل ملكية شركة “شل” الهولندية نسبة 35.5%، وامتلاك شركة “بتروناس” نسبة مماثلة، وامتلاك شركة جاز “دي فرانس” نسبة 5%.

 

 

والأمر نفسه تكرر بمحطة إسالة دمياط؛ حيث أصبحت الجهات المصرية تمتلك منها نسبة 48% فقط، مقابل امتلاك شركة “إيني” الإيطالية نسبة 26%، وشركتي “يونيون فينوسا” الإسبانية و”سي جاز” الإيطالية نسبة مماثلة.

 

حتى خط أنابيب الغاز الواصل بين إسرائيل ومصر، فقد استحوذت الشركتان الشريكتان بحقلي “تمار” و”ليفاثيان” الإسرائيليين، مع شركة “غاز الشرق” على حصة بنسبة 39% من شركة غاز المتوسط، التي تمتلك خط أنابيب نقل الغاز بين إسرائيل ومصر.

 

الأمر الذي يعني مشاركة أطراف آخرين لمصر في الإيرادات المتحققة من نقل الغاز الإسرائيلي لمصر، وفي الإيرادات المتحققة من تسييل الغاز بمحطتي “إدكو” و”دمياط“.

 

أما عن إمكانية زيادة صادرات إسرائيل للغاز لمصر، بما يمكن مصر من التوسع من زيادة كميات التصدير التي تتم مرورا بها، فتحكمه عدة عوامل أبرزها سعة خط أنابيب شرق المتوسط الذي ينقل الغاز من إسرائيل لمصر، والممتد ما بين عسقلان والعريش، فإن طاقته السنوية 7 مليارات متر مكعب سنويا؛ ما دفع إسرائيل لاستخدام خط الغاز العربي منذ مارس الماضي.

كذلك سعي إسرائيل لنقل الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب يربطها باليونان، وتكرار تلك المفاوضات مع تركيا للغرض نفسه، وكذلك ارتباط إسرائيل باتفاقيتين لتصدير الغاز إلى كل من الأردن والحكومة الفلسطينية.

 

علاوة على التوسع في استهلاك الغاز محليا، والذي بلغت كميته بالعام الماضي 11.7 مليار متر مكعب بنمو 4% عن العام الأسبق، وهو الاستهلاك المستمر في الزيادة بلا انقطاع خلال السنوات العشر الأخيرة بعد أن كانت كميته 2.4 مليار متر مكعب عام 2012.

 

إلى جانب إدراك كل من مصر وإسرائيل أن ما تم توقيعه مع الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي هو مجرد مذكرة تفاهم، قد تتحقق أو لا تتحق، حيث إن التوصل إلى حل لمشكلة أوكرانيا مع روسيا، يمكن أن يكون مبررا لاستمرار استيراد الغاز الروسي بأوروبا، نظرا لكونه أرخص لقدومه عبر خطوط الأنابيب، بينما يأتي الغاز الإسرائيلي والمصري محملا بتكلفة الإسالة ثم إعادة التغيير، إلى جانب تكلفة النقل البحري والتأمين.

 

أما فيما يخص مدى استطاعة مصر التوسع في تصدير الغاز في ضوء تزايد الاستهلاك المحلي، فتوضحه خريطة التوزيع النسبي لقطاع استهلاك الغاز المصري محليا، حيث تستحوذ محطات إنتاج الكهرباء على نسبة 63% من الاستهلاك، والصناعة 23%، وقطاع البترول 10%، والقطاع المنزلي والتجاري 4%، والنقل 1%.

 

وذكر وزير البترول الانقلابي طارق  الملا أنه خلال أشهر الصيف لا تتوافر كميات كبيرة للتصدير، في ضوء زيادة احتياج محطات الكهرباء للغاز نظرا لزيادة استهلاك الكهرباء صيفا، كما تقوم الحكومة ببرنامج لإمداد المنازل بالغاز الطبيعي لتقليل استهلاك البوتاجاز الذي يتم استيراد حوالي نصف الاستهلاك منه، مع استمرار أزمة نقص الدولارات اللازمة للاستيراد.

 

 كذلك توسع حكومة الانقلاب في برنامج إحلال الغاز الطبيعي بالسيارات على مختلف أنواعها، لتقليل استخدام البنزين الذي يتم استيراد جانب من كميات استهلاكه، إلى جانب عوامل بيئية لتقليل عوادم السيارات.

 

أيضا حاجة مصر للغاز الطبيعي كمادة خام تدخل في صناعة البتروكيماويات، والدعوة التي كانت سائدة من خلال عدد من خبراء الطاقة بفترة الرئيس مبارك، لعدم تصدير الغاز الطبيعي كمادة خام، وتحويله إلى منتجات محليا، ثم تصدير تلك المنتجات للحصول على قيمة مضافة أعلى.

 

 وهو ما تردده وزارة البترول أحيانا، لكنها تخضع للقرار السياسي بزيادة كميات تصدير الغاز لتعويض جانب من تكلفة استيراد النفط، الذي زادت أسعاره كثيرا خلال العام الماضي والحالي، حتى إن بعض محطات إنتاج الكهرباء عادت لاستخدام المازوت رغم إضراره بالمحطات، لتقليل استخدامها للغاز الطبيعي لتوفير كميات منه للتصدير، للاستفادة من أسعاره المرتفعة حاليا.

وهكذا يتضح كيف  يسوّق السيسي الوهم للمصريين، فيما الواقع مختلف تماما.