المخابرات الحربية تسرق 50 مليون جنيه من "اتحاد المهن الطبية" عبر شركة
داف"…نموذج لفساد الجهات السيادية بزمن السيسي
في زمن سيطرة العسكر على كل مقدرات مصر، وفي ظل الحكم العسكري الذي يعتمد الأمر المباشر في ترسية المشاريع والمناقصات، وعبر لافتة "شركة تابعة للجهات السيادية" وهي اللافتة التي يجري تخويف الهيئات المدنية بها ، جاء توقيع اتحاد المهن الطبية لعقد تعاون مع شركة "داف" الوليدة والمجهولة الأنشطة والقيمة السوقية، لتكشف كيف يدمر العسكر نقابات مصر ويحرم أبناءها من أموال المعاشات ويسرق مناقصات البلد بالأمر المباشر.
فمنذ نهاية يونيو الماضي، يشهد اتحاد المهن الطبية لغطا وسجالا متصاعدا، حول أزمة إهدار المال العام وتبديد أموال معاشات الأطباء، بعد تعاقد اتحاد المهن الطبية مع شركة "داف" للحلول الرقمية، وضخ استثمارات كبيرة في الشركة التي قدرت قيمتها السوقية بنحو 200 مليون جنيه بالمخالفة للواقع، حيث يجمع خبراء ومسؤلون بالنقابات الطبية أن قيمتها السوقية وسابقة أعمالها لا تتجاوز 5 مليون جنيه فقط.
ويسعى مجلس نقابة اﻷطباء، منذ مطلع يوليو الجاري، لسحب الثقة من الأمين العام الحالي، أيمن سالم، على خلفية موافقته، ممثلا عن النقابة، على قرار استثماري مثير للجدل، اتخذه مجلس اتحاد نقابات المهن الطبية، وذلك بالمخالفة لإجماع باقي أعضاء المجلس.
قرار الاتحاد، الذي يضم نقابات الأطباء وأطباء الأسنان والبيطريين والصيادلة، تمثل في استثمار 50 مليون جنيه في شراء حوالي ربع أسهم شركة برمجيات ناشئة، ما أثار خلافا بين النقابات المكونة للاتحاد، وجدلا كبيرا في أوساط الأعضاء دفع بعضهم لإطلاق حملة جمع توقيعات لعقد جمعية عمومية طارئة للاتحاد لمناقشة القرار.
تصاعد الخلاف إلى العلن بعدما أصدرت نقابة الأطباء قبل أسبوع بيانا أعلنت فيه رفض مجلسها القرار، المبلغ الذي قرر الاتحاد استثماره لشراء ربع أسهم الشركة يعني أن تقييم قيمتها السوقية يتجاوز 200 مليون جنيه، وهو مبلغ لا يتناسب على الإطلاق مع حجم الشركة الصغيرة أو سابقة أعمالها، والتي لا تمثل أكثر من 1% تقريبا من المبلغ المطروح، كما أوضح البيان.
ولأن هذه الأموال تأتي من صندوق معاشات أعضاء النقابات المكونة للاتحاد، أثار قرار الاستثمار أسئلة مشروعة حول أسبابه الحقيقية ، ولا يبدو أن هناك تقييما اقتصاديا مقنعا يوضح العوائد المنتظرة من هذا الاستثمار الكبير.
كما ألمحت محاضر اجتماعات لمجلس الاتحاد، ، قدم مسؤولو الشركة أنفسهم للاتحاد باعتبار أنهم يتبعون «جهة سيادية» ووعدوهم بعائد استثماري ضخم في المستقبل لأنهم سيحصلون على حاجات كثيرة في الدولة خلال الفترة القادمة.
وبين هذه الوعود، والخوف من أي توابع محتملة لرفض العمل مع هذه الجهة، وافق الاتحاد على هذا الاستثمار.
والشركة المذكورة اسمها «داف»، وهي شركة حلول رقمية وتقنيات مالية لم يتخطَ عمرها عامين بحسب سجلها التجاري، ولا يتجاوز رأس مال الشركة خمسة ملايين جنيه.
بحسب موقع الشركة على الإنترنت، يترأس مجلس إدارتها شخص اسمه حاتم قنديل ولا تحتوي سابقة أعمالها سوى على خمسة مشاريع، أحدها اسمه «بالشفا»، ويملكه نفس رئيس مجلس الإدارة، وتطبيقين آخرين لنقابة الأطباء.
وكانت تقارير صحفية نُشرت عنه بمناسبة قيامه برحلة تجديف عبر نهر النيل (لرفع الوعي البيئي، بحسب أحد هذه التقارير، والتوعية بمشروع التأمين الصحي الشامل بحسب آخر) أشارت إلى أنه تخرج من كلية الدفاع الجوي عام 1990، واستمر في الخدمة حتى خرج على المعاش بعد إصابة لحقت به.
وكان عضو مجلس إدارة نقابة الأطباء، أحمد حسين، كتب على صفحته على فيسبوك أن تفاصيل تعاقد نقابة الأطباء مع الشركة على هذين التطبيقين في 2020 أحاطت بها الشكوك، خاصة مع تقدم الشركة بعروضها إلى النقابة قبل حصولها على ترخيص مزاولة النشاط.
الشركة التي استند عليها الاتحاد لتقييم «داف» وبالتالي الصفقة اسمها «سمارت ماركتنج سرفيس» فإن الاتحاد يعتمد على هذه الشركة التي تمتلكها طبيبة بيطرية وبالتالي عضوة بالاتحاد لإجراء التقييمات قبل أي قرار بالاستثمار.
لم ترد على أسئلة صحفية عديدة حول معايير التقييم، معتبرة في تصريحات إعلامية سابقة، أن هذه التفاصيل سرية، لا يمكنها الإفصاح عنها وأحالت الأمر إلى مجلس الاتحاد نفسه.
وبحسب مراقبين، فإن تقييم «داف» بهذه القيمة المرتفعة اعتمد على وعود مستقبلية بمشاريع طموحة، وليست أعمالا قيد التنفيذ. ووفق ما كشف عنه اجتماع عُقد في فبراير الماضي بين أعضاء مجلس الاتحاد وممثلين عن الشركة بحسب محضر الاجتماع ، اطلعت عليه بعض وسائل الإعلام.
ورد رئيس الاتحاد بأن الشركة تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، وأن هذا النوع من الاستثمار أصوله غير ملموسة، وأن الشركة في مرحلة البناء والتوسع والتطور والاستثمار في مجالات مختلفة، وأن الشركة في تصاعد في الاستثمارات الخاصة بها ، وهي ردود تكشف الفساد وتؤكد أن المشروع فاسد اعتمد على شركة ناشئة لا تمتلك سوى وعودا بمشروعات مستقبلية من قبل جهة سيادية، هي المخابرات الحربية، وهو ما يلفت أيضا إلى طبيعة وطريقة ترسية المشاريع والمناقصات والاستثمارات في ظل الحكم العسكري في مصر.
ولانتماء الشركة للمخابرات الحربية، اقترح نائب رئيس الاتحاد خلال اجتماع للمجلس عُقد في الأول من يونيو الماضي، أن يكون توقيع العقود الخاصة بهذه الشراكة داخل جهاز الاستخبارات العسكرية لضمان حقوق الاتحاد.
ووفق مصادر من داخل الاتحاد، فإن ادعاء ممثلي الشركة ارتباطهم بجهاز سيادي تسبب في ترهيب البعض أو ترغيبهم، الترهيب تمثل في الخوف من أن يُقابل رفض الدخول في شراكة في أي إجراء عقابي، والترغيب يتمثل في إمكانية الاستعانة بالشركة لحل بعض مشاكل الأطباء العالقة، ومن بينها صعوبة إنهاء إجراءات تراخيص العيادات أو سرعة إقرار قانون المسؤولية الطبية، والذي يقبع في درج مجلس النواب منذ أعوام.
وإجمالا، فإن قرار استثمار هذا المبلغ الكبير يطرح أسئلة مشروعة حول دوافعه، خصوصا وأنها تأتي من أموال صندوق معاشات أعضاء النقابات الأربعة التي يضمها الاتحاد، والذي تأسس بموجب قانون منذ الثمانينيات.
ورغم أن القانون يسمح باستثمار أموال هذا الصندوق لأن عائدات هذه الاستثمارات تمثل إحدى موارده، ولعله من المستغرب أيضا أن مجلس الاتحاد لديه سلطة مطلقة في أموال بالمليارات بهذا الشكل .
لكن ما كان يحدث عادة هو أن المجلس يستثمر في أعمال ترتبط بالقطاع الطبي بشكل عام، لكنه هذه المرة يدخل مجال البرمجيات، وهو مجال ليس لدى أي من أعضاء المجلس خبرة فيه.
إلى جانب هذا، اعتبار آخر هو حصول هذه الشركة على قدر هائل من بيانات الأطباء دون بروتوكول واضح ينظم استخدامها لها وضمانات تمنع استغلالها بأي شكل تجاري غير مشروع.
ولعل تلك الفضيحة والسرقة بقهر الأجهزة السيادية تتكرر في كل مشاريع مصر وفي كل المحافظات والقطاعات، وهو ما يدفع بمصر نحو أتون الفساد وإهدار المال العام وغياب الشفافية، وتدمير الشركات المدنية والشركات المتخصصة من أجل ثلة من المنتفعين، والشركات المرتبطة بالجيش، وهو ما يؤذن بخراب شامل في مصر وإفلاس كما حدث في سلسلة صيدليات 110191، والتي شهدت إفلاسا مؤخرا، ولكن في حالة شركة داف ، فإن المتضضررين هم الأطباء وخاصة أصحاب المعاشات منهم، الذي سيفقد صندوق معاشاتهم نحو 50 مليون جنيه بجرة قلم العسكور المسيطر على قطاع نهب النقابات المصرية ، وتحيا مصر 3 مرات، شعار السيسي قائد الحرامية، الذي لم يتورع عن بناء مقبرة أمه وتكليفها 25 مليون جنيه من أموال المصريين، ولا يتوقف عن إهدار مليارات الجنيهات في استثمارات وهمية أيضا، كالعاصمة الإدارية والنهر الأخضر والبرج الأيقوني بالأمر المباشر وعبر شركات الملتصقين بالجيش.