في الأسبوع الماضي، أعلن البنك المركزي المصري أنه حصل على ودائع بقيمة 13 مليار دولار أمريكي من دول الخليج خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022 وسجلت هذه الأرقام في تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري للفترة ما بين يونيو 2021 ومارس 2022 والذي نشرته بعد عدة أشهر من تاريخ استحقاقه.
وعملت الودائع الخليجية على تعزيز مخزونات العملات الأجنبية التي استنفدت بشدة خلال العام الماضي.
وبالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، تعززت الميزانيات العمومية في البنك المركزي بفضل التدفقات الداخلة من السياحة، التي ارتفعت مع إعادة تكيف العالم من أسوأ ما في جائحة فيروس كورونا وفقا للتقرير الفصلي، وارتفع الدخل من صادرات مصر البترولية.
ومع ذلك، استنزفت فاتورة الواردات العملة من البلاد بسبب ارتفاع التضخم العالمي، وشهدت الأسواق العالمية الهبوطية هروب المستثمرين الأجانب من سوق السندات، مما أثار تكهنات في الصحافة العالمية حول احتمال، وإن كان لا يزال من غير المرجح أن تتخلف حكومة السيسي عن سداد المدفوعات المستحقة.
فشل في الإنقاذ
ووفقا للمحلل الاقتصادي عمرو عدلي، في حين تسمح الأموال الخليجية لمصر بالاحتفاظ بملاءتها المالية على الساحة العالمية، فإنها تفشل في معالجة القضايا طويلة الأجل التي تجعل مصر عرضة للدائنين الخارجيين.
وحوّل خروج المستثمرين الأجانب، الذي أثر على مصر والأسواق الناشئة الأخرى، صافي تدفقات بلغت 16 مليار دولار في أسواق الدين المصرية من يوليو 2020 إلى مارس 2021 إلى صافي خروج بلغ 17.2 مليار من يوليو 2021 إلى مارس 2022 وفقا للتقرير، مع مغادرة أكبر نسبة من الأموال البلاد بين يناير ومارس 2022.
غير أن التدفقات السياحية انتعشت للحد من بعض الضغوط على الحساب الجاري من يوليو 2021 إلى مارس 2022 ، حققت حكومة السيسي 8.2 مليار دولار من الإيرادات من السياحة ، مقارنة ب 3.2 مليار دولار فقط في العام السابق بسبب التأثير الحاد على القطاع الناجم عن الوباء، كما قفزت الإيرادات من صادرات السلع الأساسية بنسبة 57.8 في المائة لتصل إلى 32.5 مليار دولار، ويرجع جزء كبير منها إلى قفزة هائلة – 120.4 في المائة في صادرات النفط ومشتقاته لتصل إلى 13.1 مليار دولار. ونتيجة لذلك، حقق قطاع البترول أرباحا صافية بلغت حوالي 4.1 مليار دولار، ارتفاعا من 174.9 مليون دولار بين يوليو 2020 ومارس 2021.
كما ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير النفطية إلى مستوى قياسي بلغ 9 مليارات دولار، تم ضخ 4.6 مليار دولار منها في الاقتصاد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022. ومع ذلك، ذهب الجزء الأكبر من هذا الاستثمار، حوالي 2.6 مليار دولار، لزيادة رأس مال الشركات القائمة، أو في عمليات الشراء، في حين أن الاستثمارات الجديدة تمثل 208.2 مليون دولار فقط.
وارتفعت الإيرادات من بيع الشركات والأصول الإنتاجية لغير المقيمين بمقدار 2.2 مليار دولار لتصل إلى 2.3 مليار دولار، وبلغ صافي التدفقات الداخلة للعقارات المباعة لغير المقيمين 643.5 مليون دولار.
ومع ذلك، قوبلت زيادة تدفقات العملات الأجنبية بتزايد الطلب على الحساب الجاري، حيث توسعت فاتورة الواردات بين يوليو 2021 ومارس 2022 لتصل إلى 66 مليار دولار نتيجة ارتفاع التضخم العالمي.
أين تذهب الديون؟
على الرغم من حقيقة أن حوالي 34.3 في المائة من الواردات بين يوليو 2021 ومارس 2022 كانت مكونات للصناعة، و 11.3 في المائة أخرى كانت من المواد الخام، إلا أن لوائح الاستيراد الجديدة التي أدخلت في الربع الأول من عام 2022 عملت إلى حد ما على تقييد مرور السلع إلى البلاد وتعزيز السيولة، حيث أخبر مسؤول في البنك المركزي الصحافة المحلية أن النظام الجديد شهد إيداع 11.6 مليار دولار في النظام المصرفي الوطني منذ تنفيذه في أبريل.
لكن أكبر دفعة لاحتياطيات الفوركس جاءت في الودائع الخليجية الجديدة البالغة 13 مليار دولار، بالإضافة إلى 15 مليار دولار موجودة بالفعل في البنك المركزي، وتبلغ المساهمات في البنك المركزي من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت ومؤخرا قطر الآن 28 مليار دولار، أو 75.5 في المائة من إجمالي احتياطيات العملات الأجنبية البالغة 37 مليار دولار المسجلة في نهاية مارس، وفقا لأرقام البنك المركزي.
وذلك بالمقارنة مع نهاية عام 2021 عندما مثلت الاستثمارات غير المقيمة في سوق السندات المصرية المقومة بالدولار واليورو والجنيه المصري حوالي 28.8 مليار دولار، أو 56 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي وغيرها من أصول النقد الأجنبي التي يحتفظ بها البنك المركزي، وفقا لوكالة فيتش.
وتتكون ال 13 مليار دولار التي حصلت عليها حكومة السيسي منذ يناير من ودائع قصيرة الأجل بقيمة 5 مليارات دولار من الإمارات العربية المتحدة، و5 مليارات دولار من المملكة العربية السعودية، و3 مليارات دولار من قطر، ولم يحدد التقرير بدقة متى سيكون السداد مستحقا.
وتشمل المجموعة الحالية من الودائع، التي لها آجال استحقاق طويلة ومتوسطة الأجل، 5.6 مليار دولار من الإمارات العربية المتحدة، و5.3 مليار دولار من المملكة العربية السعودية، و4 مليارات دولار من الكويت. وكان من المقرر أن تسدد مصر ملياري دولار من الوديعة الكويتية في أبريل، والباقي في سبتمبر، في حين من المقرر سداد دفعتين إلى الإمارات هذا العام بقيمة إجمالية قدرها 1.5 مليار دولار.
ويأتي الدعم الإضافي من الخليج بعد أن أعرب وزير المالية بحكومة السيسي محمد معيط عن أسفه في وقت سابق من هذا العام لاعتماد البلاد المالي على تدفقات الأموال الساخنة إلى سوق الدين لتحقيق الاستقرار في احتياطيات الفوركس، حيث قال للصحفيين في مؤتمر صحفي في يوليو "لقد تعلمنا الدرس".
إن المصلحة السياسية لدول الخليج في دعم أمن الانقلاب هي جزء من ديناميكية جيوسياسية ، كما قال المحلل الاقتصادي عمرو عدلي ل «مدى مصر» تعني أنه على الأقل ، على عكس الدائنين الأجانب الآخرين ، لن يسحبوا استثماراتهم بين عشية وضحاها" ومع ذلك، لا يزال هناك مستوى من الضعف الخارجي.
وكما ذكر مدى مصر سابقا، في كل من عام 2015 ومؤخرا، تم ربط التمويل من دول الخليج بالظروف السياسية، في حين أشار محللون تحدثوا إلى رويترز إلى أن دول الخليج يبدو أنها تشدد الشروط من خلال البحث عن الأصول الثابتة بالإضافة إلى ودائع البنوك المركزية، وفي نهاية المطاف، تظل حصة الدائنين الأجانب في احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية كما هي تقريبا، فهوية الدائنين فقط هي التي تغيرت".
الودائع الخليجية
كما تقوض الودائع الخليجية هدفا آخر من أهداف السياسة المصرية، وكان معيط يأمل في فبراير أن تجتذب مصر استثمارات ذات آجال استحقاق أطول، تزيد مدتها عن ثلاث سنوات، من أجل تخفيف الضغط على الخزانة العامة، ومع ذلك فإن الودائع الجديدة من الخليج تستحق جميعها على المدى القصير.
وارتفعت نسبة الديون قصيرة الأجل، التي تشكل ضغوطا أكبر على ميزان مدفوعات الاقتصاد، على أساس سنوي لتصل إلى نحو 26.4 مليار دولار، أو 16.7 في المائة من إجمالي الدين الخارجي، وفقا لتقرير البنك المركزي، وتضاعفت من حيث نسبتها إلى صافي الاحتياطيات الأجنبية من 33.8 في المائة في نهاية يونيو 2021 إلى 71.3 في المائة في نهاية مارس 2022.
وارتفع إجمالي الدين الخارجي في المجموع بمقدار 19.9 مليار دولار ليصل إلى 157.8 مليار دولار في مارس 2022 وذكر البنك المركزي أن الوضع الخارجي لا يزال ضمن حدود يمكن التحكم فيها، حيث بلغ متوسط الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 34.6 في المائة، وأن 86 في المائة من الدين الخارجي يتألف من ديون ذات آجال استحقاق طويلة الأجل.
ومن هذا المنطلق، هناك حوالي 52 مليار دولار مستحقة للمؤسسات المتعددة الأطراف، ومن هذا القبيل، حوالي 44.7 في المائة مستحقة لصندوق النقد الدولي وحده، مع 11.8 مليار دولار أخرى مستحقة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير التابع للبنك الدولي؛ 4.7 مليار دولار لبنك الاستثمار الأوروبي. 3.1 مليار دولار للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد؛ و2.7 مليار دولار لبنك التنمية الأفريقي.
وانتشرت مخاوف في وسائل الإعلام بعد أن تبين أن حكومة السيسي ملتزمة بسداد 33 مليار دولار من الديون الخارجية، وهو مبلغ من شأنه أن يستنزف الاحتياطيات الأجنبية بالكامل تقريبا، خلال 12 شهرا بين مارس 2022 ومارس 2023، وفقا لتقرير أصدره البنك الدولي في بداية يوليو، وفي ظهور تلفزيوني مؤخرا، أكد وزير المالية أن مصر ستكون قادرة على سداد التزاماتها الخارجية هذا العام.
ومن المتوقع أيضا أن تأتي الأموال من المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، حيث تتوقع المصادر وأحدث التوقعات حصول الانقلاب على قرض بقيمة حوالي 3 مليارات دولار، ويشير عدلي إلى أن الدعم الإضافي من الخليج يعني أيضا أن حكومة السيسي لديها "موقف أكثر صلابة في مفاوضات صندوق النقد الدولي".
ولكن بعد ست سنوات من أول صفقة لصندوق النقد الدولي، والتي جلبت معها موجة من التقشف كجزء من مجموعة من شروط السياسة الليبرالية، يشير عدلي إلى أن مشاكل هيكلية مماثلة لا تزال قائمة.
وقال "ها نحن نعود إلى المربع الأول، وكان من المفترض أن تساعد شروط صندوق النقد الدولي، من ناحية، في تخفيف الاعتماد الكلي على الديون الخارجية، وبدلا من ذلك، يستمرون في تعميقه".
https://www.madamasr.com/en/2022/09/14/feature/economy/us13-billion-in-gulf-deposits-allays-some-pressure-on-egypt-following-capital-flight-from-emerging-markets/