في الذكرى الـ 49.. حرب أكتوبر بين النصر والهزيمة

- ‎فيأخبار

نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" مقالا للدكتورة أميرة أبو الفتوح، تطرقت خلاله إلى الذكرى الـ 49 لحرب أكتوبر، مشيرة إلى أن الحرب كانت نقطة تحول في التاريخ العربي والنضال ضد العدو الصهيوني، عابرة من الهزيمة إلى النصر، ومن الإذلال إلى الشرف.

وبحسب الكاتبة، كانت الحرب الرابعة بين العرب وإسرائيل، بعد حرب فلسطين عام 1948 وحرب السويس عام 1956 وحرب الأيام الستة عام 1967 التي هزمنا فيها واحتل العدو الصهيوني شبه جزيرة سيناء في مصر، وهضبة الجولان في سوريا، والضفة الغربية الفلسطينية، التي كانت تحت الحكم الأردني،  وقطاع غزة الفلسطيني، الذي كان آنذاك تحت الحكم العسكري المصري، وردت حرب أكتوبر الاعتبار للجيش المصري، حيث كانت الحرب الوحيدة التي انتصر فيها على جيش الاحتلال الصهيوني.

وأضافت الكاتبة، عبر الجنود المصريون قناة السويس، وهدموا خط بارليف الدفاعي وحرروا مئات الكيلومترات على طول شرق القناة. كان من المفترض أن تكون المرحلة الأولى من التحرير الكامل لسيناء. وتقدموا 20 كيلومترا داخل سيناء، عندما دخل الجيش السوري مرتفعات الجولان إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا، حقق الجيشان المصري والسوري معجزة عسكرية لا تزال تدرس في الكليات والمعاهد العسكرية في جميع أنحاء العالم، وحطمت أسطورة القوات المسلحة الإسرائيلية التي لا تقهر وقد دفع هذا رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك غولدا مائير إلى الاتصال بالرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وطلب المساعدة، لأنهم كانوا يتوقعون تماما أن يخسروا إسرائيل.

وكتبت مائير في مذكراتها "لقد عبر المصريون القناة، ودمروا قواتنا في سيناء" وأضافت "السوريون توغلوا في عمق مرتفعات الجولان، كانت الخسائر على كلا الجبهتين عالية جدا، ونشأ سؤال قاتل، هل سنبلغ الأمة بحجم الوضع؟".

وقد أعرب عن ذلك أيضا وزير الدفاع موشيه ديان لرؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية في ذلك الوقت "نحن الآن ندفع ثمنا باهظا كل يوم في هذه الحرب، كل يوم نفقد عشرات الطائرات والطيارين والمعدات، ومئات الدبابات. سقطت بعض هذه الدبابات في أيدي المصريين، هذا ثمن باهظ تدفعه إسرائيل، نجح المصريون في المرور عبر الدبابات والعربات المدرعة أكثر مما لدينا في سيناء، المصريون لديهم الكثير من المركبات المدرعة، وهم أقوياء، انسحبنا من خط  بارليف بسبب شدة الهجوم المصري، لم يعد خط بارليف حقيقة واقعة بالنسبة لنا، وليس لدينا القدرة على طرد المصريين الذين دمروه".

 

إسرائيل ليست الأقوى

وأوضح المقال أن ديان اعترف بأنه أصبح من الواضح أن إسرائيل ليست أقوى من المصريين، تم إنهاء الاعتقاد بأن إسرائيل كانت متفوقة عسكريا على العرب، وثبت خطأ النظرية القائلة بأن العرب سيهزمون في غضون ساعات إذا أعلنوا الحرب على إسرائيل، ومع عدم القدرة على مواجهة التفوق العسكري المصري في سيناء، كان على إسرائيل ومؤيديها أن يقبلوا بأن دولة الاحتلال ليست القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط؛ بل إنها لم تكن القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط، أن هناك حقائق أخرى يجب مراعاتها.

لو لم تتدخل الولايات المتحدة مباشرة وتنشئ جسرا جويا يرسل عشرات الآلاف من الأطنان من المساعدات العسكرية إلى إسرائيل  بما في ذلك الطائرات والدبابات لكان المصريون قد استعادوا كل سيناء، لم تكن هناك حاجة إلى مفاوضات سلام لاستعادة أراضي مصر ذات السيادة في شبه الجزيرة.

وهكذا تغير مسار الحرب، وأصبح العدو هو الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل، وقد دفع ذلك الرئيس المصري أنور السادات إلى القول في ذلك الوقت "لقد كدنا نحقق نصرا كاملا لو لم تتدخل الولايات المتحدة ضدنا في الحرب، لا أستطيع محاربة أمريكا، أخشى على أطفالي".

وأشار المقال إلى أنه لم يكن من الممكن للجنرالات الصهاينة أن يقبلوا بأن الحرب ستنتهي بهزيمة ساحقة لجيشهم، رفضت غطرستهم النظر في هذا الاحتمال، وتمكنوا من صد القوات السورية وإعادة احتلال مرتفعات الجولان، وفي الواقع استولوا على المزيد من الأراضي، مع 500 كيلومتر مربع إضافية في ما كان يعرف باسم جيب سعسعة.

وعلى الجبهة المصرية، تمكنت إسرائيل من فتح ثغرة دفرسوار، والعبور إلى الضفة الغربية للقناة، ومحاصرة الجيش الميداني الثالث ومدينة السويس، ومع ذلك، فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي مكاسب استراتيجية، سواء من خلال احتلال الإسماعيلية أو السويس، أو تدمير الجيش الثالث، أو محاولة دفع القوات المصرية إلى الوراء عبر قناة السويس.

 

ثغرة الدفرسوار

ولفت المقال إلى أن مسألة الثغرة هي موضوع شائك مع الكثير من الغموض، لقد رأى الصهاينة فيه انتصارا، في حين رأى السادات فيه فرصة دعائية تلفزيونية وليس أكثر من ذلك، وقد نظرت العديد من الكتب والتحليلات في هذه المسألة. ورأى البعض أنها تكلف إسرائيل الكثير من المال وتضع جيشها في وضع عسكري خطير دون أي مكاسب سوى الدعاية لرفع الروح المعنوية، ورأى آخرون أنها ضربة قوية للجيش المصري، حيث ألغت الانتصارات المثيرة للإعجاب التي حققها في بداية الحرب.

وقد أدت الثغرة إلى اتفاقات لفك الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية، وبدء مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين، ونص الاتفاق الأخير، الذي وقع في جنيف في 1 سبتمبر 1975 في مادته الأولى على أن النزاع بين إسرائيل ومصر لا ينبغي أن يحل بالقوة أو بالسلاح، بل بالوسائل السلمية، وشدد على ضرورة التوصل إلى سلام عادل ودائم في إطار مؤتمر جنيف للسلام، وفقا لأحكام قرار مجلس الأمن 338 الصادر في 22 أكتوبر 1973، من أجل التوصل إلى تسوية سلمية عن طريق المفاوضات.

وأدت هذه المفاوضات بين مصر وإسرائيل إلى محادثات كامب ديفيد في عام 1978، وتوجت بمعاهدة سلام في 26 مارس 1979 وبذلك اتخذ الصراع العربي الإسرائيلي منعطفا جديدا، بعيدا عن الكفاح المسلح لتحرير فلسطين المحتلة.

 

منعطف جديد للصراع

وأكملت: "في وقت لاحق، وقع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات اتفاقات أوسلو في عام 1993 تلاه توقيع الملك حسين ملك الأردن على اتفاق وادي عربة في 26 أكتوبر 1994 بدأ الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد المفاوضات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في عام 1995 وهكذا بدأ الحكام العرب في تطبيع العلاقات مع إسرائيل علنا وسرا على حد سواء، ودعا السادات السلطة الفلسطينية والمملكة العربية السعودية وسوريا والأردن لحضور مؤتمر مينا هاوس في القاهرة في ديسمبر 1977 لمناقشة وحل مشاكل التسوية النهائية للقدس وقضية اللاجئين الفلسطينيين، لكنهم لم يحضروا جميعا، تم رفع العلم الفلسطيني، لكن المقعد الفلسطيني كان فارغا".

واستطردت: "منذ توقيع معاهدات السلام، كانت إسرائيل تشمت بأن القوات المسلحة المصرية لم تكن قادرة على تحرير سيناء بالكامل، على بعد بضعة كيلومترات فقط، واضطرت مصر إلى التفاوض وصنع السلام لاستعادة شبه الجزيرة بأكملها ، لقد تعلم العرب درسهم بأن إسرائيل جيدة في القتال وأنهم لا يستطيعون الحصول على أي شيء منها إلا من خلال المفاوضات، هذا هو الرفض الذي كثيرا ما يسمع".

وتابعت: "لسوء الحظ، فإن الصهاينة العرب اليوم يتماهون مع هذا الخطاب. عندما يتحدثون عن الحروب ضد إسرائيل في عامي 1967 و 1973 ، فإنهم لا يشيرون إليها كعدو ، ببساطة الطرف أو الجانب الآخر، ومن المؤسف أكثر أن الخطاب الرسمي والإعلامي في ذكرى حرب أكتوبر يتجنب ذكر إسرائيل، العدو الذي احتل أرضنا والذي خضنا ضده حربا وانتصرنا عليه، يبدو الأمر كما لو أننا هزمنا كيانا وهميا، أو عدوا مجهولا كان يحتل أرضنا، وهذا بالطبع يهدف إلى محو إسرائيل كعدو في الوعي العربي، بما يتماشى مع مسار التطبيع الذي تتبعه الحكومات العربية".

واختتمت الكاتبة المقال بأن: "هذه جريمة كبرى بحق الأمة وشعوبها وتاريخها الكفاحي وبطولاتها العسكرية وأمنها القومي ومصالحها الكبرى، كما أنه يكسر الأمم ويضعف ثقتها بنفسها ويضرب معنوياتها من أجل المبالغة في قوة العدو الصهيوني، ستبقى إسرائيل العدو التاريخي للأمة، مهما كان الحكام العرب متوددين لها، وسيستمر الشعب العربي في رفض التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني".

 

https://www.middleeastmonitor.com/20221010-between-victory-and-defeat-in-the-october-war/