انتشرت حوادث التسمم فى محافظات الجمهورية بسبب بعض المواد الغذائية التى تستخدم المواد الحافظة مثل الأندومى “شعرية سريعة التحضير”.. وتعد المواد الحافظة خطرا يداهم صحة المواطنين، من خلال تغلغلها داخل كل الأغذية، والتى تضاف لتحافظ على شكل ومذاق الأغذية الجاهزة أطول مدة ممكنة .
بهذه الطريقة أصبحت المواد الحافظة مكوناً أساسياً فى كل الأطعمة المصنعة والمشروبات المعلبة، وتحتوى معظم المواد الحافظة على نترات الصوديوم وبنزوات الصوديوم وهى مواد كيميائية اصطناعية أساساً.
كانت سيدة مسنة قد لقيت مصرعها خلال الأيام القليلة الماضية، وأصيب 8 من أفراد أسرتها بحالة تسمم إثر تناولهم وجبة «إندومى» داخل منزلهم بمنطقة المنيرة الغربية بمحافظة الجيزة.
وصرحت النيابة العامة بشمال الجيزة بدفن جثة الطفلة ضحية تناول وجبة إندومى سامة (شعرية جاهزة فاسدة)، بمنطقة أوسيم التابعة لمحافظة الجيزة؛ عقب الانتهاء من معاينة الطب الشرعى للجثة.
كما سيطر الحزن على أهالى مركز أجا بمحافظة الدقهلية، الشهر الماضى، بعد وفاة طفلتين شقيقتين «ملك.أ» (7 سنوات)، و«مروة» (5 سنوات) فى ظروف غامضة، وتبيّن أن آخر ما تناولتاه وجبة شعرية سريعة التحضير، وبعدها أصيبتا بحالة إعياء شديدة، وجرى نقلهما إلى المستشفى فى محاولة لإسعافهما، ولفظتا أنفاسهما الأخيرة.
هذه الوقائع آثارت القلق بين المواطنين خوفا على أنفسهم وعلى ابنائهم من احتمالية تعرضهم للوفاة بسبب تناول شعرية سريعة التحضير.
مخاطر جسيمة
من جانبه حذر الدكتور حمدى فهمى الحبشى، خبير هندسة التصنيع الغذائى والأعشاب الطبية، من أضرار استخدام الألوان والنكهات والمواد الحافظة بالمشروبات والأغذية، منتقدا بعض العادات الغذائية الفاسدة التى تنتشر فى شوارع مصر .
وقال «الحبشى» فى تصريحات صحفية : عاداتنا الغذائية السفيهة والجهل الصحى والغذائى يجعلنا نختار ما يضرنا من مشروبات أو أغذية ونترك ما هو صحى ونافع لصحتنا وصحة أطفالنا معربا عن أسفه لانتشار مشروبات صناعية ومواد غذائبة بطعم الكباب والفراخ وغير ذلك والتى اعتاد الناس على استخدامها بافراط.
وأكد أن الإفراط فى استخدام الألوان والنكهات والمواد الحافظة فى المشروبات والأغذية، يُعد من أخطر المسببات المرضية لصحة الناس، لافتا إلى أن أساس هذه المشكلات هو الجهل الصحى والغذائى بمخاطر تلك المواد على صحة الناس وسلامتهم، وانتشار تلك السلوكيات الفاسدة بالمجتمع .
وأعرب «الحبشى» عن أسفه لضعف أو انعدام الرقابة الصحية والغذائية على ما يتناوله الناس من مشروبات وأغذية، وانعدام ضمائر الكثيرين من منتجى تلك المشروبات والأغذية مؤكدا أن هدفهم الرئيسى فى إنتاجهم لتلك المشروبات والأغذية هو الربح فقط.
الجهاز العصبى
وقال استشارى الإرشاد الأسرى الدكتور مازن علاء ان هناك مخاطر كثيرة من الشعرية سريعة التحضير، منها أنها قد تسبب تسمما ووفاة، موضحا أن ذلك يرجع إلى أن الإندومى يحتوى على نسبة عالية من الدهون والسعرات الحرارية والصوديوم، ونسبة عالية من الألوان الصناعية والمواد الحافظة .
وأوضح«علاء» فى تصريحات صحفية أن من مخاطر الإندومى وتأثيراته السلبية على الصحة، الزيادة فى الوزن بسبب محتواه من الدهون، فعند قراءة الملصق الغذائى يتبين أن الحصة الواحدة من الاندومى (70 جرام) تمدك بـ 350 سعراً حرارياً، من بينها 139 سعر حرارى دهون.
وكشف أن هناك أضراراً على الجهاز العصبى، حيث يحتوى الإندومى على الملح الصينى (جلوتاميت أحادى الصوديوم) أو ما يسمى معزز النكهة E621، وتعتبر هذه المادة من أخطر المواد المضافة، إذ أنها: قد تعمل على إتلاف خلايا الدماغ، فضلاً عن إضعاف الذاكرة وإضعاف القدرة على التركيز، كما ترتبط ببعض أمراض الأعصاب مثل: مرض الرعاش ومرض ألزهايمر، كما إنها ضارة للكبد، حيث يحتوى على مادة البروبيلين جليكول (Propylene glycol) والتى تعمل على حفظ رطوبة الشعرية، وأظهرت الأبحاث أن هذه المادة قد تضر الكبد والكلى وكذلك القلب، خاصة لدى الأطفال.
ونوه «علاء» أن تناول المكرونة سريعة التحضير بكميات كبيرة وباستمرار قد يؤدى إلى الإصابة بسرطان الدماغ، بجانب تأثيرها السلبى على الصحة النفسية فالذين يتناولون الإندومى أكثر عرضة للانفعالات والتوتر، كما انها تسبب الشعور بإحساس مستمر بالصداع، نتيجة نسبة الدهون والمواد الحافظة العالية، كما تؤثر على الكلى وتزيد من خطر تلفها .
وأشار إلى أنها تحتوى على نسب عالية من المواد المصنعة الضارة، إضافة إلى محتواها العالى من الصوديوم، كما أن تأثيرها على القلب والشرايين قد يكون سلبياً بسبب ما تحتويه من دهون مشبعة ومهدرجة، لذا لا ينصح مرضى القلب أو الضغط بتناولها.
تغليظ العقوبات
وقالت الخبيرة القانونية الدكتورة ايه نور الدين، أن سبب انتشار الشعرية سريعة التحضير الفاسدة، هو الغش التجارى فى الأطعمة، مشيرة إلى أن هناك قانون لقمع الغش والتدليس التجارى رقم 48 لسنة 1941، والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994، وهو الإطار التشريعى الرئيسى لمكافحة الغش التجارى، وهذا القانون يحدد العقوبات المترتبة على الغش فى المنتجات، سواء كانت أغذية، أدوية، أو سلع أخرى، وتشمل العقوبات الحبس والغرامات المالية التى تتفاوت بناءً على خطورة الجريمة وتأثيرها على صحة الإنسان أو الحيوان .
وأضافت « آية نور الدين » فى تصريحات صحفية : رغم أن هذا القانون يضع عقوبات صارمة للحد من الغش التجارى، إلا أن فعاليته تعتمد بشكل كبير على تطبيقه العملى ومدى التزام الجهات الرقابية بإنقاذه.
ونوهت إلى أن هناك حاجة إلى تحديثات دورية للقانون لمواكبة التطورات فى أساليب الغش والتدليس، بالإضافة إلى تعزيز آليات الرقابة والتفتيش لضمان حماية المستهلكين، موضحة أن الإطار القانونى موجود، لكن فعاليته تتوقف على التنفيذ الصارم والتحديث المستمر لمواجهة التحديات المستجدة فى مجال الغش التجارى.
وأوضحت « آية نور الدين » أن قانون الغش التجارى يضع إطاراً قانونياً لمكافحة التلاعب فى الأسواق وحماية المستهلك، لكنه ليس كافياً لعدة أسباب منها ضعف التطبيق وغياب الرقابة الصارمة وعدم وجود آليات فعالة للتفتيش ما أدى إلى ضعف تطبيق القانون، ووجود حالات فساد وتواطؤ بين بعض المراقبين والتجار يقوّض جهود مكافحة الغش، وتأخر الفصل فى القضايا يعطى فرصة للمخالفين للاستمرار فى ممارساتهم، وعدم ملاءمة العقوبات، أى أن العقوبات الحالية قد تكون غير رادعة، خاصة الغرامات المالية التى قد لا تتناسب مع الأرباح التى يجنيهاً التجار المخالفون، وظهور أساليب جديدة ومعقدة للغش لم تكن مشمولة فى النصوص القانونية القديمة، وضعف الوعى المجتمعى، فكثير من المستهلكين لا يبلغون عن حالات الغش لعدم معرفتهم بحقوقهم أو عدم ثقتهم فى جدوى التبليغ.
وطالبت باجراء تعديلات جوهرية وتطوير شامل للقانون الحالى تشمل: تغليظ العقوبات وفرض عقوبات مالية ضخمة وحبس فى حالات الغش الجسيم أو المتكرر، وتحديث النصوص القانونية أى تضمين أنواع الغش الإلكترونى والرقمى والممارسات التجارية الحديثة، وتعزيز الرقابة أى استخدام التكنولوجيا مثل أنظمة تتبع المنتجات وإنشاء قاعدة بيانات للسلع والمنتجات لضبط السوق، وحماية المبلغين كسنّ تشريعات توفر حماية قانونية للمبلغين عن حالات الغش التجارى، وتخصيص محاكم اقتصادية وتسريع البت فى قضايا الغش من خلال دوائر قضائية متخصصة، والتوعية المجتمعية من خلال حملات إعلامية لتثقيف المواطنين حول حقوقهم وكيفية التبليغ عن المخالفات، وبالتوازى مع هذه التعديلات، يجب العمل على تحسين كفاءة الجهات الرقابية وضمان استقلاليتها لتحقيق الردع الفعّال وحماية الاقتصاد والمستهلكين