عودة السوق السوداء ..الجنيه يهبط إلى مستويات تاريخية ..ماذا قال الخبراء ؟

- ‎فيتقارير

واصل الجنيه المصري تراجعه الحاد أمام العملات الأجنبية لليوم الثالث على التوالي، ليبلغ مستويات تاريخية جديدة في البنوك، في ظل ضغوط شديدة على سوق النقد المحلي، وتوسع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي.

 

وسجل الدولار في البنك المركزي المصري 51.05 جنيهاً للشراء و51.19 جنيهاً للبيع، في حين تخطى سعره في بعض البنوك 51.60 جنيهاً، ووصل في السوق السوداء إلى 52.02 جنيهاً، وهو أعلى مستوى منذ تعويم مارس 2024.

 

كما تراجع الجنيه أمام باقي العملات، ليبلغ اليورو 56.09 جنيهاً، والجنيه الإسترليني 66 جنيهاً، والفرنك السويسري 59.49 جنيهاً، في حين بلغ الدينار الكويتي 166.34 جنيهاً، والريال السعودي 13.64 جنيهاً.

 

الذهب يتذبذب مع تقلبات الدولار

شهدت سوق الذهب المحلية ارتفاعاً حاداً في الأسعار رغم تراجع الأونصة عالمياً إلى 3024 دولاراً، حيث بلغ سعر الجرام عيار 21 نحو 4395 جنيهاً، وسجل الجنيه الذهب 35 ألفاً و160 جنيهاً، متأثراً بصعود الدولار محلياً وتهافت المواطنين على شراء الذهب كملاذ آمن.

 

خروج الأموال الساخنة وضغوط دولارية متزايدة

يرى خبراء أن هذا التراجع الحاد للجنيه مرتبط بموجة خروج رؤوس الأموال الأجنبية من أدوات الدين الحكومية، وسط مخاوف من تداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مؤخراً على صادرات دولية، ومنها صادرات مصر، ما تسبب في اضطراب الأسواق الناشئة.

 

وقالت خبيرة أسواق المال حنان رمسيس إن خروج الأموال الساخنة تزامن مع حاجة الدولة الملحة لتوفير الدولار لصفقات استيراد الغاز وسداد مستحقات شركات البترول الأجنبية، ما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار والمضاربة عليه في البنوك.

 

السياسات الحكومية في مرمى الاتهام

في المقابل، حمّل خبراء اقتصاديون معارضون لنظام المنقلب السفيه السيسى مسؤولية الانهيار المتواصل للجنيه بسبب ما وصفوه بـ"الإنفاق العشوائي والمشروعات غير ذات العائد".

 

وقال الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق المعتقل بسجون الانقلاب  في تصريح صحفى سابق  إن "هذا التدهور المستمر ليس ناتجاً فقط عن عوامل خارجية، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية فاشلة، في مقدمتها تبديد عشرات المليارات من الدولارات على العاصمة الإدارية، وأفرع قناة السويس، والجسور الخرسانية، دون مردود اقتصادي حقيقي."

 

وأضاف أن النظام يواصل الاقتراض وبيع الأصول دون أن يلتفت إلى ضرورة إصلاح الاقتصاد الإنتاجي أو دعم الصناعة والزراعة، ما يترك الجنيه مكشوفاً أمام أي هزات خارجية أو داخلية.

 

رجل أعمال معارض: الفشل نتيجة طبيعية لعسكرة الاقتصاد

من جهته، رأى رجل الأعمال المصري المقيم في الولايات المتحدة محمود وهبة أن ما يحدث للجنيه "هو نتيجة منطقية لغياب الرؤية الاقتصادية، وتغوّل المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد، حيث تُدار الدولة كمعسكر وليس كمؤسسة تنموية."

 

وقال وهبة إن "ما جرى من بناء عاصمة إدارية على الديون، ومشروعات مثل قطارات كهربائية لا جدوى منها اقتصادياً، كلها عوامل ساهمت في هذا الانهيار، وليس الدولار هو من ارتفع، بل الجنيه هو من انهار نتيجة السياسات الخاطئة."

 

ممدوح الولي: المركزي فقد السيطرة على السوق

بدوره، قال نقيب الصحفيين الاقتصاديين السابق ممدوح الولي إن البنك المركزي "فقد السيطرة فعلياً على سوق الصرف، بعد أن فشل في توفير الدولار بالسعر الرسمي، مما أعاد السوق السوداء بقوة"، مشيراً إلى أن غياب الشفافية والاعتماد المفرط على قروض صندوق النقد، دون إصلاح هيكلي، "أدى إلى تآكل الثقة في الجنيه."

 

المصريون يدفعون الثمن

وسط هذه التراجعات، يعاني المواطن المصري من تداعيات ارتفاع الأسعار، حيث يؤدي انهيار الجنيه إلى زيادات فورية في أسعار السلع المستوردة، وعلى رأسها الأغذية والأدوية ووقود النقل، في وقت تتآكل فيه الدخول الحقيقية، وتتزايد معدلات الفقر.

 

ويأتي هذا التدهور في ظل صمت رسمي، مع استمرار الحكومة في الدفاع عن سياساتها المالية، وتكرار الحديث عن الإصلاحات دون نتائج ملموسة، بينما يرى مراقبون أن الإنقاذ الحقيقي للجنيه يبدأ بخروج الجيش من الاقتصاد، وضبط الأولويات التنموية.