يواصل الكيان الصهيونى عدوانه على الدول العربية ويعمل على فتح جبهات جديدة بهدف إعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط بدعم من الرئيس الأمريكى الإرهابى دونالد ترامب .
فى هذا السياق يأتى العدوان الصهيونى على سوريا بزعم حماية طائفة الدروز رغم أن الهدف الحقيقى هو توجيه رسالة إلى إيران وحزب الله بأن دولة الاحتلال لن تسمح لأذرع إيران بالتمدد فى الشريط المحاذى للجولان السورى المحتل وتهديد أمنها وفى نفس الوقت تهديد النظام السورى الجديد بقيادة أحمد الشرع ودفعه إلى التخلى عن إيران وأذرعها وعدم السماح لهم باستغلال الأراضى السورية .
كان الطيران الحربي الصهيونى قد شن أمس غارات استهدفت مقر وزارة الدفاع السورية في دمشق، ما أدى إلى تدمير أجزاء منه، كما استهدفت الغارات منطقة قريبة من القصر الجمهوري، في رسالة وصفها المتحدث باسم جيش الاحتلال بأنها موجهة إلى القيادة السورية بشأن الأحداث الجارية في السويداء.
وجاءت الغارات الصهيونية في سياق تصعيد واسع، حيث نفذت قوات الاحتلال منذ الاثنين الماضى عشرات الضربات الجوية بواسطة الطائرات المسيرة على دبابات سورية وقوات حكومية، مما أدى إلى مقتل عدد من الجنود، في وقت تشهد فيه السويداء أعنف الاشتباكات بين الجيش السوري ومقاتلين دروز منذ اندلاع الصراع.
مستقبل مجهول
من جانبه أدان الرئيس السوري أحمد الشرع الغارات الجوية الصهيونية التي استهدفت العاصمة دمشق، واصفًا إياها بأنها استهداف واسع النطاق للمرافق المدنية والحكومية، وتعهد بحماية أبناء الطائفة الدرزية في محافظة السويداء، حيث خلفت المواجهات هناك أكثر من 350 قتيلاً، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال الشرع في أول بيان له منذ بدء الغارات : إن الضربات الصهيونية كادت تؤدي إلى تصعيد واسع النطاق لولا التدخل الفعال للوسطاء الأمريكيين والعرب والأتراك مشيراً إلى أن هذه الوساطات جنبت المنطقة "مستقبلًا مجهولاً".
وأضاف : حماية المواطنين الدروز وحقوقهم أولوية مطلقة، مؤكدًا أن المعتدين على أبناء الطائفة سيحاسبون وأشار الشرع إلى أن مسئولية الأمن في السويداء ستسلم إلى وجهاء الطائفة والفصائل المحلية.
أقلية دينية
حول أبعاد هذه الأزمة قال الباحث المتخصص في شئون الشرق الأوسط علي معموري، إن الدروز أقلية دينية يُقدَّر تعدادها بنحو مليون نسمة تتمركز في مناطق جبلية ممتدة بين لبنان وسوريا ودولة الاحتلال والأردن.
وأكد معموري فى تصريحات صحفية أن تعداد الدروز في سوريا يناهز 700 ألف نسمة من إجمالي سكان البلاد الذى يقدر بنحو 23 مليونا ، يعيش معظمهم في محافظة السويداء جنوبي البلاد والتي تعتبر بمثابة معقل تقليدي لهم.
وأشار إلى أنه منذ مظاهرات 2011 ضد نظام الأسد، حافظ الدروز على درجة من الاستقلالية والحُكم الذاتي، ونجحوا في الدفاع عن أرضهم ضد التهديدات، بما في ذلك تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية وغيره من الجماعات الجهادية.
وأوضح معمورى انه منذ الإطاحة بنظام الأسد العام الماضي، ينادي الدروز – ومعهم أقليات أخرى كالأكراد في الشرق السوري، والعلويين في الغرب – بنظام فيدرالي، لا مركزيّ، يمنحهم مزيداً من الاستقلالية لكن الحكومة الانتقالية في دمشق تدفع صوب حُكم مركزيّ وتسعى إلى إحكام قبضتها على الإقليم السوري بالكامل .
وأضاف: هذا الاختلاف الجوهري أدى بدورِه إلى صدامات بين قوات دُرزية من جهة وقوات موالية للحكومة في دمشق من جهة أخرى مؤكدا أنه رغم الهدنة المؤقتة، فإن التوترات لا تزال محتدَّة، وفي ظلّ استمرار السبب الأساسي للخلاف قائماً، يتوقّع تجدُّد الصدام في المستقبل القريب.
نظام فيدرالي
حول أسباب تدخل دولة الاحتلال قال معمورى ان سقوط نظام الأسد فتح الطريق أمام الكيان الصهيونى لتوسيع نفوذه في الجنوب السوري، موضحا أنّ هذا التدخل مدفوع بسببَين رئيسيين : أحدهما، تأمين حدود الكيان الشمالية، إذ يتخوف من فراغ السُلطة في الجنوب السوري، ويرى في ذلك تهديداً محتملاً عليه، لا سيما مِن تَكوُّن ميليشيات مناهضة له على حدوده الشمالية وفي سبيل ذلك، ينفّذ سلاح الجو الصهيونى هجمات موسّعة تستهدف بِنية تحتية للجيش السوري.
وأشار إلى أن السبب الثاني الرئيسيّ وراء التدخل الصهيونى هو دعم قيام نظام فيدرالي في سوريا وهو ما يسعى إليه الأكراد والدروز مؤكدا أن الإبقاء على سوريا مُقسّمَة بالطوائف والعِرقيات، هي طريق لاحتفاظ الاحتلال بالهيمنة في المنطقة، وتحقيق هذا الهدف عبر حصول مختلف الأقليات في سوريا على الحُكم الذاتي في نظام فيدرالي .
معادلة ردع جديدة
وقال الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إن استمرار القصف الصهيونى لمواقع داخل الأراضي السورية يمثل انتهاكًا صارخًا لسيادة الدولة السورية، ويعكس نهجًا ممنهجًا من قبل الاحتلال في خرق قواعد القانون الدولي، وعدم احترام الضوابط التي تحكم العلاقات بين الدول .
وأضاف سليمان فى تصريحات صحفية : الاعتداءات المتكررة على سوريا، إلى جانب الانتهاكات الجسيمة التي تمارسها دولة الاحتلال داخل لبنان وقطاع غزة، تكشف عن طبيعة المرحلة الراهنة، حيث يستغل الكيان الصهيونى الغطاء الأمريكي والدعم الغربي لتحقيق ما يسميه أمنه القومي، عبر تصفير التهديدات المحيطة به وشدد على أن هذه الاعتداءات لا تمثل فقط خرقًا للقانون الدولي، بل تكشف عن غياب شبه تام لآليات المحاسبة والمساءلة الدولية، في ظل صمت واضح من المجتمع الدولي، وازدواجية معايير تحكم المواقف الغربية تجاه السلوك الصهيوني .
وأكد سليمان أن الهجمات على الداخل السوري لا يمكن فصلها عن الرسائل التي يسعى الكيان الصهيونى لتوجيهها إلى إيران، إذ يحاول التأكيد على قدرته على تجريد طهران من أدواتها ونفوذها الإقليمي، وحرمانها من أي فرصة للتموضع مجددًا داخل سوريا.
وأشار إلى أن السلوك الصهيونى في سوريا يأتي في سياق أوسع من التصعيد الإقليمي، ويتكامل مع ما يجري داخل لبنان، حيث تعمل دولة الاحتلال على فرض معادلة ردع جديدة، تعكس حالة من التفوق الميداني ومحاولة التحكم في الجبهات المحيطة بالأذرع الإيرانية.
واعتبر سليمان أن ما نشهده الآن هو استعراض صهيونى للقوة، يتم في ظل دعم أمريكي أوروبي، وغياب أدوات الردع الدولية، محذرا من مزيد من التصعيد الإقليمي إذا لم يتم تدارك الموقف عبر تحرك دبلوماسي فاعل ومتوازن.
منطقة منزوعة السلاح
وقال الدكتور أحمد فؤاد أنور استاذ الدراسات العبرية بجامعة الاسكندرية ان استمرار الهجمات الصهيونية على دمشق وجنوب غرب سوريا، واستهداف مواقع استراتيجية داخل الأراضي السورية، رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار في السويداء، يحمل دلالات شديدة الأهمية، مشيرا إلى أن هناك سعي واضح للضغط على الرئيس أحمد الشرع وعلى الإدارة الجديدة، لكي توقع الاتفاقات الإبراهيمية.
وأوضح أنور فى تصريحات صحفية أن الكيان الصهيونى رغم أنه يروج أن تدخله يأتي استجابة لضغوط من الدروز إلا أن الهدف الحقيقي مختلف تمامًا، ما يجري على الأرض يشير إلى خطة لجعل جنوب غرب سوريا منطقة منزوعة السلاح، وفتح إشتباك مع حزب الله، قبل أن يتمكن من ترتيب صفوفه ودمج وحداته استعدادًا لجولة مقبلة مع دولة الاحتلال، التي لا تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان.
واعتبر أن الضربات التي طالت القصر الرئاسي ومبنى القيادة العامة ليست سوى بداية، مشيرا إلى أن هناك نية صهيونية لاستمرار العمليات، وهو ما تؤكده مؤشرات مثل سحب بعض القوات الصهيونية من غزة وتحريكها نحو سوريا، وهذه التحركات تدل على وجود رغبة في إطالة أمد التصعيد، وليس الاكتفاء بضربات محدودة.
وحذر أنور من أن ما يحدث الآن يمثل تطورًا بالغ الخطورة، ويستدعي المتابعة الدقيقة لكشف المخطط الصهيونى ليس فقط أمام الرأي العام السوري، بل العربي والدولي أيضًا.