“البكالوريا المصرية”.. نظام تجريبي لتفكيك التعليم الحكومي لصالح الجامعات الأهلية ودولة الضباط..!!

- ‎فيتقارير

 

في خطوة جديدة تكشف عن توجهات نظام المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي نحو تحويل التعليم إلى سلعة، أقرّت حكومة الانقلاب بشكل مفاجئ تطبيق نظام "البكالوريا المصرية" اعتباراً من العام الدراسي المقبل، دون مناقشات مجتمعية أو حتى اطلاع الرأي العام على تفاصيله. القرار المفاجئ، الذي يستهدف نحو 800 ألف طالب في المرحلة الثانوية، يأتي كجزء من سلسلة سياسات تثير مخاوف من خصخصة التعليم تدريجياً لصالح الجامعات الأهلية والخاصة، التي تضاعف عددها في عهد السيسي ووصلت إلى 32 جامعة أهلية، أُنشئت على حساب أراضي وإمكانيات الجامعات الحكومية، مع إقحام ضباط الجيش في عضوية مجالس أمنائها، رغم افتقارهم لأي خبرة أكاديمية أو تربوية.

 

ازدواجية التعليم وتفكيك المجانية

النظام الجديد يفرض ازدواجية تعليمية بين شهادة الثانوية العامة التقليدية ونظام البكالوريا، الذي يُسوّق كمسار اختياري، لكنه في الواقع يفتح الباب أمام تحويل التعليم الثانوي إلى مشروع ربحي، إذ يفرض رسوم تحسين قدرها 500 جنيه عن كل محاولة لإعادة الامتحان، بعد أن تكون المحاولة الأولى فقط مجانية. هذه الرسوم، في بلد يعيش فيه أكثر من 60% من السكان تحت خط الفقر بحسب البنك الدولي، تجعل نظام البكالوريا حكراً على الطبقات المقتدرة، وتضرب مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه دستورياً.

ويبدو واضحاً أن هذا التوجه لا يهدف إلى تحسين جودة التعليم أو تحديث مناهجه بقدر ما يسعى لتغذية الجامعات الأهلية والخاصة بالطلاب، خاصة أولئك الذين لن يستطيعوا المنافسة على دخول الجامعات الحكومية المجانية بسبب ضعف معدلاتهم أو عجز أسرهم عن تغطية تكاليف "تحسين الدرجات".

 

نظام مفروض بالقوة والغموض

لم تمنح الحكومة البرلمان ولا الرأي العام فرصة كافية لدراسة النظام الجديد، إذ جرى تمريره بشكل عاجل قبل فض الدورة البرلمانية، وهو ما اعترفت به النائبة إيرين سعيد بقولها: "حضرت مناقشات اللجنة المختصة ولم أفهم شيئاً عن النظام"، لتكشف حجم الغموض الذي يكتنف المشروع.

حتى وكيلة لجنة التعليم النيابية، ماجدة بكري، أكدت أن المدارس غير مهيأة لتطبيق هذا النظام بسبب الكثافة الطلابية والعجز الصارخ في أعداد المعلمين، والذي يقدر بنحو نصف مليون معلم.

 

من تجربة فاشلة إلى إعادة إنتاجها

نظام البكالوريا الجديد ليس سوى نسخة معدّلة من نظام "التحسين" الذي طُبق في التسعينيات وأُلغي بعد ثلاث سنوات فقط بسبب فشله الذريع وارتفاع معدلات الغضب المجتمعي. إلا أن الحكومة الحالية تعيد إنتاج نفس السياسات مع إضافة أعباء مالية جديدة، مستغلة برلماناً فقد دوره الرقابي وتحول إلى أداة تمرير لقرارات السلطة التنفيذية.

 

خدمة الجامعات الأهلية على حساب التعليم المجاني

في السنوات الأخيرة، توقفت الدولة عن التوسع في بناء الجامعات الحكومية المجانية، مقابل اندفاع محموم لبناء الجامعات الأهلية والخاصة ذات الرسوم الباهظة. ويأتي نظام البكالوريا ليكون بمثابة "مغذي" لهذه الجامعات، عبر تخريج طلاب بشهادات تتيح لهم إما التوقف عن الدراسة والعمل، أو استكمال تعليمهم في مؤسسات أهلية وخاصّة، الأمر الذي يحرم أبناء الفقراء من الوصول إلى التعليم العالي المجاني.

 

خبراء: النظام يكرس الطبقية التعليمية

الخبير التربوي كمال مغيث انتقد بشدة النظام الجديد، مؤكداً أنه "يتعارض مع مجانية التعليم المنصوص عليها دستورياً، ويعكس فلسفة حكومية ترى التعليم سلعة لا حقاً اجتماعياً". وأضاف أن وزير التعليم الحالي نفسه يأتي من خلفية إدارة مدارس دولية تعتمد نظام البكالوريا، وهو ما يفسر إصراره على تطبيقه رغم عدم ملاءمته للواقع المصري.

 

اقتصاد منهار وتعليم مسلّع

يأتي هذا التحول في ظل التزامات مصر أمام صندوق النقد الدولي، التي فرضت تحرير سعر الصرف ورفع الدعم وزيادة الضرائب، ما أدى إلى إفقار قطاعات واسعة من الشعب، لتجد الأسر نفسها بين خيارين كليهما مر: نظام تقليدي متداعٍ، أو نظام "بكالوريا" مشروط برسوم لا يقدر عليها إلا القلة.