في خروج جديد مثير للجدل، شنّ رجل الأعمال الداعم للانقلاب نجيب ساويرس هجومًا لاذعًا على ما وصفه بـ"يوم بداية الفشل الاقتصادي وقمع الحريات ودفن الديمقراطية"، في إشارة واضحة إلى ذكرى انقلاب 23 يوليو 1952، دون أن يسميه صراحة. تغريدة ساويرس على منصة "إكس" أعادت إلى الواجهة مجددًا التناقض الصارخ في مواقفه من الأنظمة العسكرية، خاصة أنه كان من أبرز داعمي انقلاب 3 يوليو 2013 الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، الدكتور محمد مرسي.
■ هجوم انتقائي على انقلاب قديم.. وتجاهل لانقلاب معاصر؟
رسالة ساويرس، التي جاءت بالتزامن مع خطاب رسمي لعبد الفتاح السيسي مدح فيه "ثورة يوليو"، بدت وكأنها هجوم على الماضي لتوصيل رسالة إلى الحاضر. لكن المفارقة أن ساويرس الذي يهاجم انقلاب 1952 بدعوى أنه "دفن الديمقراطية"، هو ذاته الذي ساند انقلابًا عسكريًا معاصرًا أطاح بتجربة ديمقراطية وليدة لم تعجبه نتائجها، فقط لأن جماعة الإخوان المسلمين وصلت عبر صناديق الانتخابات إلى الحكم.
هذا الازدواج في المعايير يثير تساؤلات حول دوافع ساويرس الحقيقية: هل موقفه نابع من عداء موروث لجمال عبد الناصر بسبب قرارات التأميم التي طالت ثروة العائلة؟ أم أن التغريدة تحمل رسالة غضب مكبوتة من نظام السيسي، الذي أصبح لا يلبي طموحات قطب المال المسيحي الأشهر في مصر، رغم أنه كان أحد أبرز المستفيدين من وجوده على رأس السلطة؟
■ التاريخ العائلي: التأميم كجرح لم يندمل
العداء لثورة يوليو ليس جديدًا في خطاب ساويرس. فقد سبق أن هاجم الرئيس الراحل عبد الناصر علنًا عام 2018، محمّلاً إياه مسؤولية تدمير الاقتصاد، بعدما طال التأميم شركات والده، رجل الأعمال أنسي ساويرس، في مطلع الستينيات. ما جرى كان بمثابة قطع للمسار الطبقي والطموحي لعائلة نشأت في ظل الملكية وانقلب عليها الضباط الأحرار.
لكن المفارقة أن هذه العائلة نفسها أعادت بناء ثروتها في عهد مبارك، ثم تحالفت مع السلطة الجديدة بعد انقلاب 2013، بل وكان نجيب من أبرز الوجوه التي سوّقت للعسكر وللسيسي كـ"منقذ من حكم الإخوان"، وهو النظام الذي نشأ من رحم الديمقراطية.
■ من يدفن الديمقراطية فعليًا؟
ما تجاهله ساويرس في تغريدته أن الدفن الحقيقي للديمقراطية في مصر جرى في الثالث من يوليو 2013، وليس فقط في 1952. الفرق أن الأولى جاءت بعد انتخابات حرة لم ترق للطبقة الرأسمالية التقليدية، بينما الثانية أنهت حكمًا ملكيًا نخبويًا وأدخلت البلاد في قبضة عسكرية دامت حتى اليوم.
فلماذا ينتقد ساويرس "دفن الديمقراطية" في 1952 ويتجاهل الانقلاب الذي ساهم بنفسه في هندسته والدفاع عنه إعلاميًا وسياسيًا؟ هل لأنه ببساطة لم يكن من المتضررين آنذاك، بل من الرابحين، بينما يرى الآن أن النظام القائم لم يعد يخدم مصالحه أو يفسح له مزيدًا من النفوذ؟
■ هل بدأ ساويرس مرحلة "التمرد الناعم"؟
رغم ثروته الطائلة التي تُقدّر بـ11.6 مليار دولار في يوليو 2025، يبقى ساويرس جزءًا من طبقة من رجال الأعمال تعتمد في توسعها على القرب من السلطة. لكن مع تصاعد الأزمة الاقتصادية، وتضييق الخناق على رجال المال لصالح شركات الجيش، يبدو أن تحالف المال والعسكر بدأ يتصدع.
تغريدة ساويرس ربما تكون أول إشارات الغضب العلني من هذا الوضع المختل، خاصة مع احتكار القوات المسلحة لمشاريع كبرى، وحرمان رجال أعمال من فرص السيطرة أو التربح منها، في ظل نظام يرى أن الدولة يجب أن تُدار كـ"معسكر"، لا كسوق مفتوحة.
نجيب ساويرس لا يهاجم انقلاب 1952 حبًا في الديمقراطية أو حرية السوق، بل انتقامًا لتاريخ شخصي عائلي متضرر من عبد الناصر، ورسالة احتجاج ضمنية ضد نظام 2025 الذي لم يعد يستجيب له كما كان في السابق. أما عن الديمقراطية الحقيقية التي وُئدت في 2013، فساويرس كان من بين حفّاري قبرها.