صفقة تسليح جديدة لمصر… تعزيز دفاعي أم رشوة استراتيجية لإبقاء السيسي في حضن واشنطن وتل أبيب؟

- ‎فيتقارير

 

في توقيت يُثير أكثر من علامة استفهام، أقرّت الولايات المتحدة صفقة تسليح ضخمة للنظام الانقلابى فى مصر  بقيمة 4.67 مليار دولار، تشمل منظومات دفاع جوي متطورة، كان يُحظر على الجيش المصري الوصول إليها منذ عقود.

ورغم ضجيج الحديث عن "تعزيز قدرات الدفاع الجوي المصري"، فإن التحليل المتأني يكشف عن أبعاد سياسية وعسكرية تتجاوز مجرد التسليح.

 

تل أبيب راضية.. لماذا؟

لطالما وضعت إسرائيل "فيتو" على تسليح الجيش المصري بنوعية محددة من الصواريخ والطائرات المتقدمة، كما منعت وصول نظام "باتريوت" و"إف-15" وحتى صواريخ "AIM-120" لطائرات F-16 المصرية. اليوم، فجأة، تُمرر منظومة "NASAMS" وصواريخ "AMRAAM" متوسطة المدى دون اعتراض إسرائيلي. فهل تغيّرت الحسابات الاستراتيجية الإسرائيلية… أم تغيرت وظيفة الجيش المصري؟

 

البيان الأمريكي أوضح أن الصفقة "لن تُخلّ بالتوازن العسكري في المنطقة"، أي أنها لا تمس التفوق النوعي الإسرائيلي. بل إن المنظومة –كما يؤكد خبراء– غير فعالة ضد الطائرات الشبحية من طراز F-35 ولا تخدم مواجهة تقليدية محتملة مع الجيش الإسرائيلي، بل تصلح لمواجهة جماعات مسلحة أو هجمات مسيّرة، وهو ما يجعل المستفيد الفعلي من الصفقة هو الأمن الإقليمي الذي ترعاه واشنطن، لا الدفاع الوطني المصري.

 

لماذا تُمنح السيسي هذه الصفقة الآن؟

رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة في مصر، والانهيار المستمر في الجنيه، وانخفاض إيرادات السياحة وقناة السويس، يواصل السيسي شراء أسلحة بعشرات المليارات. فهل الهدف هو حماية الحدود؟ أم حماية النظام؟ أم تحصيل "العمولات"؟

 

يُجمع المراقبون أن الصفقات العسكرية الضخمة، خصوصاً مع شركات أمريكية، تُدر أرباحًا شخصية على شكل عمولات خفية للوسطاء والجنرالات المقربين من النظام. ومع غياب الرقابة البرلمانية أو الصحافة المستقلة، يبقى السؤال مشروعًا: هل يشترى السيسي شرعية واشنطن وتل أبيب بسلاح لا يحمي مصر، لكنه يُبقيه في الحكم؟

 

الجيش الإسرائيلي على الحدود وسد النهضة يُخنق النيل

من المفارقات المؤلمة أن النظام المصري يفتح ذراعيه لتل أبيب ويصمت على اعتداءاتها في غزة وسيناء، ويتعامل بخضوع مخزٍ مع إثيوبيا التي تبني "سد النهضة" وتهدد مصر بالعطش والجوع، بينما يشتري السلاح من أمريكا تحت لافتة "حماية الأمن القومي"!

 

أين هذا "الأمن القومي" من التهجير القسري في العريش ورفح لصالح مشاريع إسرائيلية؟ وأين هو من استسلام القاهرة أمام الموقف الإثيوبي المتعنت؟ وهل الدفاع الحقيقي يبدأ من العدو الصهيوني والخصم الإفريقي، أم من استهداف الحوثيين والمسيرات؟!

 

إبعاد الجيش عن الصين وروسيا

الصفقة تُقرأ أيضًا في سياق سعي أمريكي حثيث لمنع تقارب مصر العسكري مع الصين وروسيا. فبعد إعلان تدريبات جوية مصرية–صينية مشتركة، وتسريبات عن نية القاهرة شراء طائرات "J-35" الصينية، هرعت واشنطن لإغراء السيسي بمنظومات جديدة بشروطها وتحت رقابتها.

 

يبدو أن الهدف ليس تسليح مصر بل إغلاق أبوابها أمام التكنولوجيا العسكرية غير الغربية، حتى لا يتمكن أي نظام وطني مستقبلي من امتلاك أدوات ردع لا تخضع للتحكم الأمريكي.

 

ليست صفقة… بل أداة تطويع

بعيدًا عن الخطاب الرسمي المتغني بـ"تعزيز القدرات الدفاعية"، فإن الصفقة لا تخدم سلاح الجو المصري في مواجهة أي تهديد حقيقي من دولة مثل إسرائيل، بل تُستخدم لحماية منشآت داخلية من هجمات غير تقليدية، أي لمواجهة جماعات وليس جيوش. ومن الناحية التقنية، لا يمكن لمصر استخدام الصواريخ على طائراتها دون موافقة أمريكية، ما يعني أن السيادة العسكرية المصرية أصبحت مرهونة بمفتاح رقمي تصنعه شركة رايثيون.

 

خلاصة تحليلية

الجيش المصري يتحول تدريجيًا إلى مقاول أمن إقليمي لمصالح أمريكية–إسرائيلية.

 

صفقات التسليح ليست أداة دفاع بل وسيلة لإغراق مصر في ديون، وإبقاء السيسي تابعًا خاضعًا.

 

واشنطن وتل أبيب تتغاضيان عن كل فساد وقمع مقابل ضمانات استراتيجية: تسليح أمريكي فقط، لا انفتاح على الصين، لا صواريخ بعيدة المدى، ولا تفوق على إسرائيل.

 

ومع كل هذا، يبقى السؤال الأهم:

لماذا يشتري السيسي الأسلحة بمليارات الدولارات بينما لا يجد ملايين الأطفال في مصر مدارس محترمة أو مستشفيات تليق بالبشر؟

ولماذا يصمت المصريون، في وقت يُنهب فيه حاضرهم وتُرهن فيه سيادتهم، ويُجهض مستقبلهم لصالح حفنة جنرالات يحصلون على "حصتهم" من كل صفقة؟