رغم تراجع الأسعار يعاني سوق السيارات من حالة ركود غير مسبوقة، نتيجة تراجع معدلات البيع؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية المنهارة في زمن الانقلاب، وهو ما دفع المصريين إلى تقليص مشترياتهم من السلع الكمالية والترفيهية .
توقف حركة المبيعات في سوق السيارات جاء نتيجة عدد من العوامل المؤثرة، على رأسها زيادة المعروض بشكل كبير، بالتزامن مع ثبات حجم الطلب، ودخول عدد كبير من الوكلاء الجدد والتنوع في العلامات التجارية.
كان تراجع سعر الدولار من مستويات الـ 70 جنيهًا إلى أقل من 50 جنيهًا، إلى جانب انخفاض أسعار الفائدة البنكية، قد أدى إلى دعم اتجاه السوق نحو انخفاضات سعرية تراوحت بين 10% و30% في بعض الطرازات بجانب بدء تصفية موديلات 2024 و2025 تمهيدًا لطرح موديلات 2026، وهو ما يدفع الوكلاء إلى تقديم خصومات تتفاوت وفقًا لحجم المخزون لديهم.
ويُتوقع استقرار الأسعار عند هذه المستويات خلال الفترة المقبلة، مع توجه بعض الشركات لتعزيز تنافسيتها من خلال عروض خدمات ما بعد البيع بدلًا من خفض الأسعار المباشر.
زيادة المعروض
حول هذه الأزمة قال نور الدين درويش، نائب رئيس شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية: إن "تراجع أسعار السيارات يعود إلى استقرار أو ثبات الطلب، مقابل ارتفاع في المعروض، والذي نتج عن تنوع العلامات التجارية المتاحة في السوق ودخول وكلاء جدد حصلوا على توكيلات حديثة، موضحا أن هذا الارتفاع في المعروض يؤدي بالضرورة إلى انخفاض الأسعار".
وأضاف درويش في تصريحات صحفية أن حجم التراجع في الأسعار يختلف من وكيل لآخر حسب هامش ربحه، مشيرًا إلى أن التراجع ليس بسبب التصنيع المحلي، بل يرجع إلى الزيادة في السيارات المستوردة، حيث تدخل توكيلات جديدة إلى السوق المصري بشكل يومي، ومع ضعف الطلب، يزداد المعروض، وبالتالي تتراجع الأسعار.
وطالب بضرورة تحفيز الطلب على شراء السيارات، من خلال خفض أسعار الفائدة البنكية، بما يسمح للمواطنين بالشراء بالتقسيط، متوقعا أن يشهد السوق خلال الفترة المقبلة منافسة قوية بين الوكلاء؛ بسبب تزايد المعروض مقابل ثبات حجم الطلب .
وكشف درويش أن الوكلاء يبذلون جهودًا لتخفيض الأسعار، لكن حجم المشترين لا يزال محدودًا، وهناك حاجة لاستقطاب شريحة جديدة من العملاء، خاصة في ظل الزيادة السكانية.
وأكد أن حجم الطلب في عام 2025 أقل مما كان عليه في عام 2010، حيث بلغ الطلب حينها 240 ألف سيارة سنويًا، في حين يتراوح حاليًا بين 220 إلى 230 ألف سيارة، رغم ارتفاع عدد السكان من 80 مليون نسمة إلى 110 ملايين، موضحًا أن الأزمات الأخيرة تسببت في خروج عدد كبير من السوق.
تصفية المخزون
وقال منتصر زيتون، عضو مجلس إدارة شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية: إن "ما يشهده السوق من تخفيضات على أسعار السيارات لا يمكن اعتباره تراجعًا فعليًا في الأسعار، بل هو نتيجة مباشرة لبدء طرح موديلات عام 2026، مما يدفع الوكلاء إلى تصفية المخزون الحالي من موديلات 2024 و2025".
وأضاف زيتون ، في تصريحات صحفية أن قيمة التخفيضات، التي تخطت في بعض الحالات 200 ألف جنيه، تختلف من وكيل لآخر وفقًا لحجم الأستوك المتاح لديهم؛ فكلما زاد المعروض من السيارات لدى التوكيل، ارتفعت نسب الخصومات.
وأوضح أن المبيعات تسير بوتيرة طبيعية، دون أن تشهد طفرة رغم استقرار سعر الدولار وتحسن حركة الاستيراد.
وأشار زيتون إلى أن التخفيضات الكبيرة في هذه الفترة من العام تُعد أمرًا معتادًا، نظرًا لارتباطها بطرح موديلات جديدة، إلى جانب عوامل داخلية أخرى مثل دخول وكلاء جدد وموديلات جديدة، وزيادة حجم المعروض من السيارات المستوردة، ما يسهم في إعادة تشكيل خريطة السوق لصالح المستهلك.
ولفت إلى أن سوق السيارات يشهد خلال العام الجاري انخفاضا في الأسعار، خاصة بعد تراجع سعر الدولار من 70 إلى نحو 48 جنيهًا، مؤكدا أن بعض الشركات لم تُقدم على رفع أسعار البيع في ذروة ارتفاع الدولار، إدراكًا منها أن هذا الصعود مؤقت، وهو ما ساهم في تسهيل تراجع الأسعار لاحقًا بنسبة لا تقل عن 30%.
انخفاض أسعار
وقال حسين مصطفى، المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات: إن "تراجع أسعار السيارات في السوق المحلي يعود إلى التنافس الشديد بين وكلاء السيارات الجدد، الذين تمكنوا من استيراد كميات كبيرة من السيارات، مما ساهم في طرح عروض على 18 طرازًا جديدًا خلال أسبوع واحد فقط".
وأضاف مصطفى في تصريحات صحفية أن سوق السيارات يشهد حاليًا وفرة كبيرة نتيجة دخول وكلاء جدد، وهو ما ينعكس إيجابيًا على المستهلك، إذ إن زيادة المعروض ترتبط عادة بانخفاض الأسعار.
وأشار إلى أن استقرار سعر صرف الدولار، واتجاهه نحو التراجع – ولو بشكل طفيف – يمثل عاملًا مهمًا في هذا الانخفاض، والذي سيؤدي إلى اختفاء ظاهرة “الأوفر برايس”.
وأوضح مصطفى أن أسعار السيارات تراجعت منذ بداية العام بنسبة تتراوح بين 10 و15%، متوقعا أن تصل نسبة الانخفاض إلى 25% بنهاية العام.
الشركات الصينية
وقال عماد عبد المجيد، أمين عام شعبة تجار السيارات: إن "تراجع أسعار السيارات في السوق المصري يعود بشكل أساسي إلى دخول عدد كبير من الشركات الصينية للاستثمار في القطاع في توقيت واحد، موضحًا أن نحو 4 شركات كبرى بدأت التنافس بقوة على طرح موديلات جديدة بأسعار تنافسية، من بينها شركات مثل “النصر” و”غبور” و”شيفروليه”".
وأضاف عبد المجيد في تصريحات صحفية أن تلك الشركات تسعى في البداية لاكتساب حصة من السوق، من خلال خفض الأسعار، على أن يتم تعديلها تدريجيًا لاحقًا بمجرد استقرار منتجاتهم في السوق.
وأشار إلى أن شركتين من هذه الشركات قامتا بطرح 10 موديلات جديدة مؤخرًا، وسيبدآن في تجميعها محليًا خلال الفترة المقبلة، وهو ما يسهم في توفير هذه الطرازات بأسعار أكثر تنافسية.
وأوضح عبد المجيد أن تراجع الدولار أمام الجنيه إلى 48.5 جنيها، بدلًا من مستوياته السابقة عند 50 و51 جنيهًا، إلى جانب انخفاض أسعار الفائدة البنكية، ساهما في خفض أسعار بعض الطرازات بأكثر من 220 ألف جنيه، مثل طراز “شيري 8” وغيره.
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة استقرارًا في الأسعار عند مستوياتها الحالية، مستبعدا حدوث انخفاضات إضافية كبيرة، لكن قد تتجه الشركات إلى تقديم عروض تتعلق بخدمات ما بعد البيع، مثل الصيانة ومدد الضمان، بدلًا من خفض السعر المباشر.