في خطوة جديدة تعكس منهجية المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي، المعروف شعبيًا بـ"أبو الهدم"، في تفريغ قلب القاهرة من معالمها الثقافية والتعليمية، تتجه الحكومة لبيع واحد من أهم وأندر المواقع على نهر النيل—نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وكلية السياحة وغيرها من المبانى على النيل—لمستثمر إماراتي، في صفقة يرى مراقبون أن المستفيد الاستراتيجي الحقيقي منها هو "إسرائيل".
النادي، الذي يطل على أوسع مساحات النيل بين القاهرة والجيزة في شارع عبد العزيز آل سعود، لم يكن مجرد مساحة ترفيهية، بل رمز لصمود أكاديمي وإداري طويل؛ إذ خاض رؤساء مجالس إدارته السابقون منذ عهد مبارك معارك قضائية ضارية ضد محاولات وزارة الداخلية للاستيلاء عليه، ونجحوا في استرداده بعد سنوات من النزاع.
لكن ما صمد أمام ضغوط الأمن في الماضي، يبدو أنه لن يصمد أمام مخطط "استغلال الأصول" الذي تتبناه حكومة السيسي، الذي يترجم عمليًا إلى موجات إزالات متتابعة على كورنيش النيل، تمتد هذه المرة بين روض الفرج والتبين بطول 40 كيلو مترًا، تمهيدًا لطرح الأراضي لشركات وفنادق وأبراج فاخرة، غالبيتها بتمويل خليجي-إسرائيلي غير معلن.
مصادر حكومية أكدت في تصريحات صحفية أن تعليمات إزالة نادي تدريس جامعة القاهرة صدرت بالفعل، وأن الأرض مرشحة للبيع لمستثمر إماراتي، بينما يُعاد حصر كافة الأصول غير المستغلة على الكورنيش لإدخالها في مشروعات ممشى أهل مصر أو بيعها مباشرة.
المخطط لا يقتصر على النادي، بل يشمل مؤسسات ثقافية وتعليمية عريقة مثل كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، والمسرح العائم، وحديقة أم كلثوم، وحتى نوادي القضاة والنيابة الإدارية.
وفي أكتوبر الماضي، تلقت هذه الجهات خطابات من إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة تطالبها بإخلاء مقارها فورًا، في إطار ما تصفه الحكومة بـ"تعظيم العوائد" من الأصول العامة.
الخطوة فجّرت موجة رفض برلماني وثقافي؛ إذ وصفت النائبة مها عبد الناصر القرار بأنه "تناقض فج مع شعارات الدولة عن التعليم والثقافة"، مطالبة بعدم المساس بالمؤسسات التي تمثل ذاكرة القاهرة الأكاديمية والفنية. كما أصدر فنانون بيانًا عاجلًا يناشد السيسي وقف هدم المسرح العائم، لكن لا شيء يوحي بأن هذه الأصوات ستوقف الجرافات.
اللافت أن هذا التحول يأتي ضمن سياق أوسع من سياسات السيسي الذي يتهمه معارضون بأنه يستخدمها لتسليم أصول مصر الحيوية لشركاء إقليميين -في مقدمتهم الإمارات- التي كثيرًا ما تلعب دور الوسيط أو الواجهة لاستثمارات إسرائيلية غير معلنة، خاصة في المواقع الاستراتيجية على ضفاف النيل.
وبينما تُرفع لافتات "التطوير" و"التنمية"، يزداد شعور الشارع بأن ما يحدث هو موجة تهجير صامت للذاكرة المكانية والثقافية، لصالح مشروعات سياحية فاخرة لا يعرف المصريون إن كانوا سيُسمح لهم حتى بالاقتراب منها.