على مدى أكثر من ستة أسابيع، شهد الجنيه المصري مسارًا تصاعديًا أمام العملات الأجنبية، في مشهد فسّره خبراء اقتصاديون بأنه تحسن بلا أساس اقتصادي متين.
فمنذ كسر الدولار حاجز الـ50 جنيهًا في يونيو الماضي، تراجع تدريجيًا ليستقر أواخر يوليو عند 48.4 جنيه، لكن هذا الانخفاض لم ينعكس على الأسواق أو جيوب المواطنين، إذ ظلت الأسعار في صعود، والقوة الشرائية في هبوط.
تحسن بلا مقومات
الأكاديمية علياء المهدي أكدت أن صعود الجنيه "بلا سبب موضوعي"، إذ لم تتغير مؤشرات التجارة أو عجز الميزان التجاري، ولم تتراجع التزامات مصر الخارجية، بينما تستمر أعباء المديونية. وترى أن تدفق نحو 40 مليار دولار من الأموال الساخنة –الاستثمارات قصيرة الأجل في أذون الخزانة– قد يمنح دعمًا مؤقتًا للعملة، لكنه يبقى محفوفًا بخطر الانسحاب المفاجئ.
هذا الرأي يشاركه محللون يتوقعون عودة الجنيه للتراجع في الربع الأخير من العام، إذا تراجعت أسعار الفائدة أو خرجت الاستثمارات الأجنبية كما حدث في أبريل الماضي، حين سجلت العملة المحلية أسوأ مستوى لها عند 51.73 جنيه للدولار.
تراجع الدولار.. الأسعار لا تتزحزح
ورغم البيانات الرسمية التي تشير لانخفاض معدل التضخم، إلا أن الشارع المصري لا يلمس أي تحسن. فأسعار الإيجارات، والكهرباء، والنقل، والتعليم، والرعاية الصحية، جميعها ارتفعت بنسب بين 10% و38% خلال عام واحد. ومع اقتراب زيادات جديدة في أسعار الكهرباء والوقود، يتوقع خبراء أن يقفز التضخم مجددًا في سبتمبر المقبل.
أسر كثيرة، مثل أسرة "أم عمر" و"أم أحمد"، انتقلت من الشرقية للقاهرة بحثًا عن ملابس مدرسية بأسعار أقل، لكنهما صُدمتا من ارتفاع التكاليف، حتى أن المواصلات ووجبة بسيطة التهمت جزءًا كبيرًا من ميزانيتهما، ما دفعهما لوصف أي حديث عن انخفاض الأسعار بأنه "ضحك على الناس".
أزمة هيكلية.. والاقتصاد بلا إنتاج كاف
الخبير الاقتصادي هاني توفيق يرى أن دعم الجنيه عبر الأموال الساخنة "حل مؤقت ومضلل"، داعيًا إلى جذب استثمارات مباشرة تخلق وظائف وتزيد الصادرات. فيما يشدد الخبير عبدالنبي عبدالمطلب على أن الأسعار لا ترتبط بسعر الدولار فقط، بل بالإنتاج الحقيقي، موضحًا أنه حتى لو هبط الدولار إلى 20 جنيهًا فلن يشعر المواطن بالتحسن ما دامت الدولة ترفع أسعار الخدمات والطاقة والضرائب.
فجوة معيشية وفقر متزايد
ورقة بحثية حديثة أكدت غياب التوازن بين الحد الأدنى للأجور وخط الفقر الفعلي، وسط تقديرات غير رسمية بأن أكثر من 60% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر. ومع استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والدواء والخدمات، تبدو وعود الحكومة بخفض الأسعار أقرب إلى "مسرحية هزلية" كما وصفتها خبيرة التسويق سالي صلاح.
تحسن الجنيه أمام الدولار
تحسن الجنيه أمام الدولار في الأشهر الأخيرة ليس إلا انعكاسًا لعوامل مؤقتة، بينما الواقع الاقتصادي –بتضخم مرتفع، وأجور لا تكفي، واعتماد على تدفقات مالية قصيرة الأجل– يشي بأن موجات الغلاء ستستمر، وأن جيوب المصريين ستظل تحت الضغط ما لم يتحقق نمو إنتاجي حقيقي.