فى الوقت الذي تعلن فيه حكومة الانقلاب عن تطبيق الحد الأدنى للأجور بـ 7 آلاف جنيه شهريا، هناك الملايين من المصريين لا يحصلون على نصف هذا المبلغ ليس في شركات القطاع الخاص فحسب، بل حتى في المؤسسات الحكومية نفسها، ما يعني أن ما تعلن عنه حكومة الانقلاب هو مجرد شعارات دعائية ترددها أبواق الانقلاب ومطبلاتية العسكر .
هذه الحقيقة المريرة تجعل قطاعات عريضة من العاملين والموظفين لا يستطيعون الحصول على احتياجاتهم واحتياجات أسرهم الضرورية، من ذلك على سبيل المثال عمال النظافة الذين يعملون في المحليات يتقاضون رواتب تتراوح بين 1500 إلى 3000 جنيه، وهم لا يعرفون الحد الأدنى الذي تتحدث عنه حكومة الانقلاب ولم يمر عليهم يوما .
شعارات دعائية
حول هذه الأزمة أكد حسن بربري باحث عمالي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن الإشكالية الحقيقية لا تكمن في غياب قرارات تحديد الحد الأدنى للأجور، بل في غياب تطبيقها على أرض الواقع، موضحا أن الحد الأدنى للأجور يُذكر دائمًا في القرارات الرسمية، لكننا على أرض الواقع لا نراه مطبقًا، فيما نقابل يوميًا عمالًا في قطاعات مختلفة، مثل الخدمات، والمدارس الخاصة، والمستشفيات، يتقاضون أجورًا لا تقترب من الحد الأدنى المُعلن.
واعتبر بربري في تصريحات صحفية أن الخطاب الاجتماعي الرسمي في هذا السياق يبدو في كثير من الأحيان مجرد شعارات دعائية لا تنعكس فعليًا على معيشة الناس، مشيرًا إلى أنه فى القطاع العام هناك عمال نظافة في المحليات يتقاضون رواتب تتراوح بين 1500 إلى 3000 جنيه، كذلك العاملون بالعقود المؤقتة أو الصناديق الخاصة في المستشفيات الحكومية أو شركات مثل المصرية للتجارة، لا تصل أجورهم إلى الحد الأدنى المقرر.
وأكد أن شركات قطاع الأعمال، تمثل نموذجًا فجًا لهذا الخلل، مشيرا إلى أن شركة غزل المحلة تستخدم عمالة يومية ومؤقتة بأجور أقل بكثير من 7 آلاف جنيه، وفي القطاع الخاص، الوضع أسوأ بكثير كذلك شركات الأمن والحراسة، التي تنتشر في كل القطاعات، تُشغّل العمال 12 ساعة يوميًا مقابل رواتب تتراوح بين 2400 و3000 جنيه، وقد تصل إلى 4000 فقط في أحسن الأحوال، أما في المدارس الخاصة والدولية، فالأغلبية الساحقة من المعلمين لا تصل عقودهم إلى الحد الأدنى للأجور إطلاقًا .
المناطق الصناعية
وقال بربري : فى المناطق الصناعية والاستثمارية مثل العاشر من رمضان، وشبرا الخيمة، والمنيا، وشركات اتفاقية الكويز، لا يُطبّق الحد الأدنى إطلاقًا، وحتى في المصانع الكبرى، الأجورً لا تتجاوز 2500 إلى 5000 جنيه، وقد تصل إلى 6000 فقط للمشرفين، ومعظم العاملين لا يحصلون على تأمينات أو بدلات.
وأُرجع فشل حكومة الانقلاب في التطبيق إلى عاملين رئيسيين: أولًا، تقاعس وزارة العمل بحكومة الانقلاب عن القيام بدورها الرقابي، رغم امتلاكها شبكة كبيرة من مكاتب التفتيش، وثانيًا، تحايل أصحاب الشركات، خاصة في القطاع الخاص، عبر عدة وسائل، مثلًا، بعض الشركات تُظهر رسميًا أنها تدفع 7 آلاف جنيه، لكنها تخصم من العمال جزءًا كبيرًا تحت بنود مختلفة، مثل الغرامات أو التأمينات أو حتى المستلزمات، ليصل ما يحصل عليه العامل فعليًا إلى نصف هذا الرقم أو أقل .
وشدد بربري على أن أزمة تطبيق الحد الأدنى للأجور لا ترتبط فقط بالأوضاع الاقتصادية الصعبة، بل هي نتيجة مباشرة لغياب الرقابة، ولقبول ضمني من دولة العسكر بممارسات تخرق القانون وتُبقي ملايين العمال بلا حماية حقيقية.
لا يطبق
وكشفت مي صالح – مديرة برنامج النساء والعمل والحقوق الاقتصادية في مؤسسة المرأة الجديدة إن أزمة الحد الأدنى للأجور لا تتعلق فقط بضعف القيمة، بل بعدم الالتزام بتطبيقه أصلًا في قطاعات واسعة من سوق العمل، بما في ذلك داخل المنشآت الرسمية.
وقالت مي صالح في تصريحات صحفية: إن "فئات كثيرة لا يطبق عليها الحد الأدنى للأجور، ليس فقط في الاقتصاد غير الرسمي، لكن حتى في شركات ومصانع مسجّلة مؤكدة أن هناك عمال زراعة، وعمال موسميون، وعمالة مقاولات، فضلًا عن عمال مصانع يتقاضون حتى اليوم أجورًا تتراوح بين 3 آلاف و4 آلاف جنيه، رغم أن الحد الأدنى تم رفعه رسميًا إلى 7 آلاف جنيه".
وشددت على أن جوهر المشكلة لا يكمن فقط في ضعف الرقابة، بل في المرونة القانونية التي تفتح الباب أمام التحايل والتنصل.
مضيفةً أن نص القرار نفسه يسمح باستثناءات، مثل قصر التطبيق على المنشآت التي تضم أكثر من 10 عاملين، وهو ما يستبعد تلقائيًا نحو 90% من منشآت العمل في مصر، لأنها صغيرة الحجم، بالإضافة إلى ذلك، يُتاح للشركات تقديم تظلمات بحجة التعثر الاقتصادي، وبالتالي يمكنها الإفلات من الالتزام دون عواقب
الأجر العادل
وأشارت مي صالح إلى أسلوب شائع في التحايل من قِبل أصحاب الشركات فالعديد من المؤسسات تُدرج بدلات الطعام والملبس والمواصلات ضمن بند الأجور، حتى تظهر أمام الجهات الرسمية وكأنها تطبق الحد الأدنى، بينما في الواقع القيمة النقدية التي يحصل عليها العامل أقل بكثير من الحد الحقيقي المفترض.
وطالبت بضرورة استبدال مصطلح الحد الأدنى وحده بمبدأ “الأجر العادل” موضحة أنه في ظل موجات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، يصبح الحديث عن الحد الأدنى غير واقعي في حين أن الأجر العادل يضمن للعامل أو العاملة حياة فوق خط الفقر، ويمكّنه من تلبية احتياجاته الأساسية بكرامة، وهو أجر يجب أن يتغير دوريًا وفق معدلات التضخم والقيمة الشرائية للنقود.
واعتبرت مي صالح أن المطالبة بتطبيق الحد الأدنى فقط هو مطلب متواضع أمام الواقع، لافتة إلى أنه حتى المطالبين بتطبيق هذا الحد، والذين يتحركون في المجال العام، يتعرضون أحيانًا للتضييق أو المحاسبة الأمنية، في وقت لا يتم فيه محاسبة الجهات غير الملتزمة، ما يعكس مفارقة واضحة بين خطاب الحقوق وواقع السياسات.