لِأسباب تتعلق بغياب الطلب سادت المؤشرات السلبية فيما يتعلق بالتحول من الوقود الأحفوري (الفحم والنفط) الملوث للبيئة إلى الهيدروجين (وقود المستقبل) مع تعثر 3 مشروعات كبرى في أميركا وأستراليا.
ودائما ما تعلن حكومة السيسي على سبيل "الانجازات" أنها أجرت تعاقدات في مجال الهيدورجين الأخضر والأمونيا الخضراء باعتبار السمعة أنها صديقة للبيئة وأن طموح حكومة الانقلاب فيما يتعلق بانتاج وتصدير الهيروجين الأخضر يمتد لعام 2040 !!
ووفق تقديرات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، بلغ عدد مشروعات الهيدروجين النظيف التي لم تبصر النور في العام الماضي 37 مشروعًا، من بينها مشروعات في إسبانيا وفنلندا والسويد وإسبانيا.
وقبل ساعات من لقاء مدبولي رئيس حكومة السيسي مع رئيس حكومة اليابان لم يجد ما يتطرق إليه من مشروعات إلا التركيز على "أهمية تعزيز التعاون في مجالات الهيدروجين الأخضر ومواجهة تغير المناخ، باعتبارها فرصًا واعدة للشراكة المستقبلية"!!.
وكشف مراقبون أن مشروعات الطاقة الخضراء لا تعدو للشركات المطروح عليها الاستثمار فيه أكثر من "أبدت اهتماما"، و"أعلنت استعدادها" و"تدرس" و"تسعى لترسيخ" وهي مفردات أغلبها يشير إلى مجرد استثمارات (محتملة) تصل إلى 40 مليار دولار خلال عقد بحسب حكومة السيسي!
المثير للدهشة أنه في 20 سبتمبر 2024 حلت مصر في المرتبة الأولى عربياً ضمن أكثر من 215 مليار دولار استثمارات مصر في الهيدروجين الأخضر وأنها تسعى مع الهند لتمويل هذه المشروعات؟! إلا أن التساؤل المطروح هو عن حقيقة هذه الأرقام..
تعثر عالمي
مصر لم تبدأ أي إجراء حيال الهيدروجين الأخضر ويبدو أنها لن تفعل حيث لم يبدأ أي مصنع استخدام هذا النوع من الطاقة وقبل أيام أعلنت شركة أبو قير للأسمدة نيتها استخدام الأمونيا الخضراء لترفع الانتاج بنسبة ضئيلة لتقليل اعتماد المصنع الذي تدخل في شراكته الإمارات والسعودية على الغاز الذي سيتم رفع اسعاره للمصانع خلال سبتمبر المقبل.
ويأني ذلك في وقت شهدت صناعة الهيدروجين الأخضر العالمية أزمة جديدة مع تعثر مما يؤكد أن موجة "الجنون" والانتكاسات لم تعد مقتصرة على أوروبا. وقد ألغت شركة "فورتسكيو" الأسترالية مشروعين، أولهما في ولاية أريزونا الأميركية بسبب تراجع الطموحات الخضراء لإدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب وإنهاء الامتيازات الضريبية التي كان يعتمد عليها.
والمشروع الثاني المتعثر في استراليا ضمن تحول استراتيجي للتركيز على "الهيدروجين منخفض الكربون" بدلًا من تقنيات التحليل الكهربائي. وفي ضربة قاصمة أخرى للصناعة، قررت شركة النفط البريطانية "بي بي" التخارج من مركز طاقة متجددة وهيدروجين أخضر عملاق في أستراليا (AREH)، حيث كانت المشغل والمساهم الأكبر، وذلك بهدف إعادة التركيز على أعمالها الأساسية في النفط والغاز، مما يعكس بيئة استثمارية وتنظيمية صعبة وأولويات متغيرة للشركات الكبرى تعرقل تقدم الصناعة عالميًا.
فورة الهيدروجين
وتساءلت "بلومبرج" عن : "هل انتهت فورة الهيدروجين الأخضر؟ الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر يتدنى كثيرا عن التوقعات، مما يترك المشاريع من دون مشترين، وفق ما ذكره الرئيس التنفيذي لشركة مصدر الإماراتية للطاقة المتجددة محمد جميل الرمحي في مقابلة مع وكالة بلومبرج، موضحاً سبب تحول الشركة بعيدا عن الهيدروجين الأخضر نحو تزويد الذكاء الاصطناعي بالطاقة.".
وقالت: "أدت تكاليف الإنتاج المرتفعة إلى خنق الطلب، مما أجبر الشركات في جميع أنحاء العالم على تقليص أو إلغاء المشاريع، وأثار شكوكا حول مستقبل هذه الصناعة. “اليوم، يواجه الهيدروجين الأخضر ضغوطا والسوق تنكمش. كثيرون ممن دخلوا هذا المجال خرجوا منه”، وفق ما قاله الرميحي".
وأضاف، "هل يعني هذا تعثر طموحات مصر في الصناعة؟ تتبنى الحكومة خطة طموحة منذ فترة لتحويل مصر إلى مركز لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وأن تصبح مركزا إقليميا بحلول عام 2026 ومركزا عالميا بحلول عام 2030. وفي العام الماضي، أطلقت الحكومة الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون، التي ترسم الطريق أمام البلاد نحو تحقيق أهدافها الطموحة المتمثلة في الاستحواذ على نسبة تتراوح بين 5-8% من السوق العالمية للهيدروجين بحلول عام 2040.
واستدرك بلومبرج عن "ماذا بعد؟ مع إثارة تساؤلات عديدة حول مستقبل هذه الصناعة، فإن بعض مشاريع الهيدروجين الأخضر التي أُعلن عنها على مدار السنوات القليلة الماضية قد لا ترى النور أبدا. ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت الحكومة تتجه لمراجعة خطتها لتحويل البلاد إلى مركز للهيدروجين الأخضر خلال الأعوام المقبلة.".
وقالت إن "شركة مصدر تعتمد على تنفيذ مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر. ففي العام الماضي، وقعت مصدر، جنبا إلى جنب إنفينيتي وحسن علام وشركة الطاقة العالمية بي بي، اتفاقية لإنشاء مشروع للهيدروجين الأخضر بقيمة 14 مليار دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. ومن المتوقع بدء تشغيل المشروع بالكامل في غضون 10 سنوات."؟!
خسائر مليارية
وقالت تقارير إنه أُلغي 37 مشروع هيدروجين أخضر في العالم خلال العام الماضي، وتواجه مشروعات الهيدروجين الأخضر مخاطر الإلغاء والتوقف ويعزى تعثر المشروعات إلى تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي.
واضافت أن مشهد مشروعات الهيدروجين الأخضر في أميركا فوضوي، كما تعاني بريطانيا مشكلات في استثمارات البنية التحتية للهيدروجين.
وأكدت أن مشروعات الهيدروجين الأخضر العالمية لم تخرج من كبوتها الحالية التي دخلتها خلال السنوات الماضية؛ ما قد ينسف الآمال المعقودة على الهيدروجين النظيف بصفته مصدر طاقة واعدًا منخفض الانبعاثات.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "كلين تكنيكا"، المالكة لموقع متخصص يحمل الاسم نفسه، زاتشاري شاهان، إن الأيام الـ30 الماضية فترة غاية في الصعوبة بالنسبة إلى قطاع الهيدروجين في ظل إلغاء أو وقف العديد من المشروعات حول العالم، وعزى تعثّر مشروعات الهيدروجين الأخضر إلى مزيج من العوامل، في مقدمتها تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي، وارتفاع التكلفة وانعدام أو عدم كفاية التمويلات الحكومية، إلى جانب ظروف السوق المتقلبة والتحديات اللوجستية.
واعتبرت منصة الطاقة أنه لا يُعد إلغاء مشروعات الهيدروجين حوادث فردية، بل إنها تمثّل إدراكًا أوسع من قِبل رواد الصناعة والحكومات لحقيقة مفادها أن الهيدروجين، لا سيما المستعمَل في قطاع النقل وتصدير الكهرباء، يواجه عقباتٍ اقتصادية وتقنية رئيسة لا يمكن تجاوزها بالنيات الحسنة فقط.
أستراليا
وأصبح مشروع تصدير الهيدروجين الأخضر سي كيو-إتش2 (CQ-H2) في مدينة غلادستون الأسترالية أبرز مثال على انتكاسة قطاع الهيدروجين النظيف العالمي، بعد إلغائه في بداية شهر يوليو/تموز الجاري.
وسرعان ما انهار المشروع، البالغة قيمته الرأسمالية 12.5 مليار دولار أسترالي (8.13 مليار دولار أميركي)، في حين سحبت شركة ستانويل كوربوريشن الدعم المخصص للمشروع بزعم تضخم التكاليف وشكوك حول الجدوى السوقية.
*(الدولار الأسترالي = 0.65 دولار أميركي).
ويستهدف المشروع إتاحة صادرات الهيدروجين الأخضر إلى اليابان وكوريا الجنوبية، وفق معلومات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وكان من المخطط أن تصبح غلادستون مركزًا لصادرات الهيدروجين الأخضر في أستراليا، غير أن المدينة باتت رمزًا واضحًا لعدم اليقين الاقتصادي لمشروعات الوقود منخفض الانبعاثات.
وتسبب إلغاء مشروع "سي كيو-إتش2" بوقف إنتاجية الهيدروجين المقدرة بمئات الآلاف من الأطنان سنويًا، ما يحبط طموحات السلطات في ولاية كوينزلاند في أن تصبح مركزًا لصادرات الطاقة المتجددة.
وبالمثل انسحبت شركة فورتيسكو (Fortescue) مؤخرًا من قطاع الهيدروجين؛ مع تخفيضات كبيرة في عدد الموظفين وتغييرات في قيادات مجموعة الهيدروجين التابعة لها.
وشطبت الشركة في مايو الماضي، 90 وظيفة مرتبطة بالهيدروجين في مدينتي بيرث وغلادستون، في الوقت الذي تحول فيه الشركة تركيزها من تصنيع الهيدروجين على نطاق واسع إلى قطاع البحوث والتطوير بهدف تحسين الكفاءة وخفض التكاليف.
وكان لدى الشرطة كموح في إنتاج 15 مليون طن من الهيدروجين سنويًا بحلول عام 2030، ليحل محله نهج أكثر حذرًا قائم على الأبحاث في ظل تردي ظروف السوق بأكثر من المتوقع.
ألمانيا
وفي ألمانيا، تخلّت شركة أرسيلورميتال (ArcelorMittal)، وهي أحد أكبر منتجي الصلب في أوروبا، عن خطط لتحويل مصنعَيْها بيرمن (Bremen) وآيزنهوتنشتات (Eisenhüttenstadt) إلى أفران قوس كهربائي والحديد المختزل المباشر القائم على الهيدروجين.
ويتكلّف كل من مصنعَي إنتاج الصلب الأخضر المذكورَين قرابة 1.3 مليار يورو (1.52 مليار دولار أميركي)، بحسب ما كان مقدرا، مع توقعات ببلوع معدل استهلاك الهيدروجين إلى مئات الآلاف من الأطنان سنويًا.
*(اليورو = 1.17 دولار أميركي).
وكان السبب بحسب "أرسيلورميتال" في التخلي عن الخطط المذكورة تكاليف الطاقة المرتفعة وعدم كفاية التحفيزات الاقتصادية.
وتراوح أسعار الهيدروجين بين نحو 5 و8 دولارات/كيلوغرام، فإن أكثر السيناريوهات المتفائلة التي تضع السعر بين 3 و4 دولارات/كيلوغرام، لا تزال تجعل عملية إنتاج الصلب الأخضر عديمة الجدوى.
وألغى مرفق الكهرباء الألماني "إي. أون" (E.ON)، خططًا لبناء مصنع لإنتاج هيدروجين أخضر سعة 20 ميغاواط، في مدينة إيسن، بل انسحبت الشركة كذلك من مبادرة خط أنابيب إتش2 روهر (H₂ Ruhr) الإقليمي.
وينعكس التخلي الألماني عن مشروهات كهذه إلى خفّض السعة المخططة لإنتاج الهيدروجين والبنية التحتية ذات الصلة في أوروبا، جراء الظروف الاقتصادية غير المواتية.
الهند
حتى الهند التي يعول عليها الانقلاب في مصر أن تحدث انجازا في الهيدروجين الأخضر، فاجأت شركة سولار إنرجي كوربوريشن الهندية (Solar Energy Corporation of India) صناعة الهيدروجين العالمية بإلغائها مناقصة هيدروجين أخضر قيمتها مليار روبية (23.3 مليون دولار أميركي) في بداية شهر يوليو الجاري.
*(الروبية الهندية = 0.012 دولار أميركي).
ومع إلغاء المشروع استردت أصحاب العطاءات جميع الرسوم؛ ما يسلّط الضوء على مدى سرعة انحراف الهند عن مسارها وسط شكوك متزايدة حول القدرة التنافسية الاقتصادية للهيدروجين.
وسبق أن أشادت "نيودلهي" بالهيدروجين بوصفه عنصرًا رئيسًا في استراتيجيتها لإزالة الكربون، فإن انعدام الجدوى الاقتصادية لمشروعات الهيدروجين الأخضر يبدو واضحًا حاليًا في تصريحات القائمين على الصناعة في البلد الآسيوي.
إسبانيا
لا تُعد مشروعات الهيدروجين الأخضر في إسبانيا بأفضل حال من نظيراتها في بلدان العالم الأخرى التي تعاني انتكاسة في تصنيع الوقود النظيف.
فقد انهار مشروع مشترك واعد بين شركتي ريبسول (Repsol) وهايدريك باور (Hydric Power) في مدينة بورتولانو، بحسب معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتتجاوز القيمة التقديرية للمشروع 100 مليون يورو (117 مليون دولار أميركي)، وقد أُلغي هذا الشهر لانعدام جدواه التقنية والاقتصادية.
ولطالما نظرت مدريد إلى بورتولانو على أنها حجر زاوية لطموحاتها في صناعة الهيدروجين الأخضر؛ غير أن إخفاق المشروع يشير ضمنيًا إلى مشكلات هيكلية في نشر هذا الوقود حتى داخل البيئات الداعمة له.
بريطانيا
وبحسب منصة الطاقة، تواجه مشروعات الهيدروجين الأخضر في المملكة المتحدة انتكاسة واضحة، تتجلى في إلغاء شركة إير برودكتس (Air Products) مشروعًا لبناء محطة استيراد هيدروجين نظيف بقيمة ملياري جنيه إسترليني (2.72 مليار دولار أميركي)، في إمينغام على الساحل الشرقي لإنجلترا.
*(الجنيه الإسترليني = 1.36 دولار أميركي).
ويسلّط إلغاء المشروع الضوء على المخاطر الكامنة في استثمارات البنية التحتية لمشروعات الهيدروجين الأخضر التي تعوّل بقوة على تقديم الدعم القوي واستحداث السياسات المواتية باستمرار.
أميركا
وتخلت العديد من شركات الطاقة الكبرى عن مشروعات قائمة أو مخطط لتنفيذها في أكبر اقتصاد بالعالم فقد أوقفت شركة النفط البريطانية "بي بي" -على سبيل المثال- مشروعًا لاحتجاز الكربون والهيدروجين الأزرق في مصفاة ويتينغ (Whiting) التابعة لها بولاية إنديانا.
وتوقف مشروع هيدروجين أزرق أيقوني قيمته ملايين الدولارات في منطقة الغرب الأوسط الأميركية، وسط تزايد الشكوك بشأن جدوى تقنية احتجاز الكربون وتغير الأولويات السياسية.
وأوقفت إكسون موبيل الأميركية مبادرة هيدروجين نظيف بقيمة 330 مليون دولار في مصفاة بايتون بولاية تكساس بعد تبخر التمويلات الفيدرالية بموجب السياسات الجديدة.