في خطوة تعكس استمرار تبعية النظام الانفالي لتوجيهات صندوق النقد الدولي، كشفت حكومة الانقلاب عن استعدادها لطرح حصص في 10 شركات مملوكة للدولة، بما في ذلك شركات تابعة للجيش، للبيع لمستثمرين محليين ودوليين، ضمن برنامج الطروحات الحكومية الهادف لتقليص دور الدولة في الاقتصاد، تنفيذًا لشروط القرض الموقع مع الصندوق بقيمة 8 مليارات دولار.
خصخصة تحت ضغط الصندوق
تأتي هذه الطروحات في توقيت حساس، مع ترقب زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة خلال شهري سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول المقبلين، لإجراء المراجعتين الخامسة والسادسة المدمجتين من برنامج "تسهيل الصندوق الممدد"، والذي يفرض التزامات صارمة تتعلق بتصفية القطاع العام وتوسيع دور القطاع الخاص.
وبحسب وثيقة رسمية نشرتها نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية، فقد قامت الحكومة بتعيين بنوك استثمار ومستشارين ماليين لتجهيز عمليات التخارج من عشر شركات بارزة، منها شركة "صافي" للمياه المعبأة، و"وطنية" لمحطات الوقود، و"سايلو فودز" للصناعات الغذائية، وشركة "تشيل أوت" لبيع الوقود بالتجزئة، وشركة "ميدور" لتكرير البترول، بالإضافة إلى محطة طاقة الرياح في جبل الزيت، وشركة "الأمل الشريف" للبلاستيك، وشركتي "سيد" و"مصر للمستحضرات الطبية" التابعتين للشركة القابضة للأدوية.
نصف المستهدف… بتنازلات استراتيجية
حتى الآن، نجحت الحكومة في تنفيذ 48% فقط من مستهدفها المالي ضمن البرنامج، البالغ 12.2 مليار دولار للفترة من مارس 2022 إلى يوليو 2025، محققة نحو 5.9 مليارات دولار من خلال بيع حصص في 19 شركة، وفق الوثيقة نفسها. لكن في حال احتساب صفقة "رأس الحكمة" المثيرة للجدل مع الإمارات، فإن الحكومة تعلن تجاوز المستهدف بنسبة إنجاز بلغت 245%، رغم أن الصفقة تضمنت تنازلًا عن مئات الكيلومترات من الأراضي السيادية لصالح مستثمر إماراتي مقابل 24 مليار دولار سيولة مباشرة.
سياحة واستثمارات إماراتية وسعودية… والاقتصاد المحلي يئن
تأتي هذه التطورات في وقت وقّعت فيه مصر عقود مشاريع سياحية كبرى، أبرزها "مراسي البحر الأحمر" مع شركتي إعمار مصر الإماراتية وسيتي ستارز السعودية، على مساحة 10 ملايين متر مربع، باستثمارات متوقعة تبلغ 900 مليار جنيه (نحو 18.5 مليار دولار).
كما أعلن رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار عن نية التوسع في استثماراته وسط القاهرة التاريخي، في ظل اندفاع الدولة لطرح كافة الأراضي الصالحة لإقامة الفنادق والمشروعات السياحية على ضفاف النيل.
صندوق النقد: مزيد من الخصخصة… أو لا تمويل
أكدت مراجعة صندوق النقد الأخيرة ضرورة تسريع برنامج الطروحات، والتزام الحكومة بسقف حساب الخزانة الموحد (238 مليار جنيه)، والحد من التوسع في الإنفاق العام، كشرط مسبق لصرف الشريحة القادمة من القرض (2.5 مليار دولار).
ورغم الطرح الإعلامي الذي يروّج للبرنامج باعتباره إصلاحًا اقتصاديًا، يرى محللون اقتصاديون أن الحكومة تقود مسارًا متسارعًا لبيع أصول الدولة الحيوية دون بناء قاعدة إنتاجية أو صناعية حقيقية تعوّض تلك الأصول أو تولد فرص عمل مستدامة.
فشل متكرر في تحقيق الأهداف
البرنامج الحكومي واجه انتكاسات واضحة، إذ تراجعت الحصيلة المالية من الطروحات عبر مراحله الثلاث، حيث جمعت المرحلة الثالثة 625 مليون دولار فقط من أصل هدف يبلغ 5 مليارات، فيما لم تحقق المرحلة الرابعة سوى 142 مليون دولار (7.5% من الهدف).
وعلى الرغم من ذلك، تصر الحكومة على تحقيق 3 مليارات دولار إضافية من بيع الأصول خلال العام المالي الجاري، في تراجع واضح عن المستهدف السابق البالغ 5 إلى 6 مليارات دولار.
مصر نحو خصخصة بلا حدود
في سياق موازٍ، يعمل صندوق مصر السيادي على إعادة هيكلة خمس شركات تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية (الذراع الاقتصادية للجيش)، تمهيدًا لطرحها في البورصة قبل نهاية عام 2026.
ويعد ذلك جزءًا من توجه أوسع لتصفية الأصول المملوكة للدولة وتحويلها إلى ملكيات خاصة، في وقت تتزايد فيه معدلات التضخم والبطالة والفقر، دون رؤية استراتيجية تضمن الحفاظ على مقدرات الشعب المصري.
خلاصة:
تمضي حكومة عبد الفتاح السيسي في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية بوتيرة متسارعة، تحت ضغط متزايد من صندوق النقد الدولي، ما يفتح الباب واسعًا أمام بيع ما تبقى من أصول الدولة الاستراتيجية، دون أن يظهر في الأفق أي تحسن ملموس في المؤشرات الاقتصادية أو حياة المواطن المصري اليومية.
وبينما تتدفق الاستثمارات الخليجية على الأراضي والعقارات والمشاريع السياحية، تبقى الصناعة والإنتاج الحقيقيان خارج أجندة النظام.