عبر مراقبون عن تخوفاتهم بشأن تفويض صندوق التنمية الحضرية بمهمة إدارة وحصر الأصول العقارية الحيوية للدولة (خاصة الأراضي المطلة على النيل)، هي تخوفات مشروعة، وتتفق مع النقاش الدائر بين الاقتصاديين والمهتمين بالشأن العام في مصر.
ونقلت وكالة (الشرق -بلومبيرج) عن رئيس صندوق التنمية الحضارية أن وزارة المالية فوّضت الصندوق لإدارة الأصول المملوكة لها، موضحًا أنه تم الانتهاء جزئيًا من حصر الأراضي المطلة على النيل، تمهيدًا لبدء مرحلة التقييم المالي.
مشروعات جديدة
وأعلنت حكومة السيسي إطلاق مدينة عمرانية على فرع جديد من نهر النيل غرب القاهرة والمشروع ينفذه تحالف من المطورين العقاريين يضم شركات بالم هيلز وماونتن فيو و نيشنز أوف سكاي.
ومساحة المشروع الإجمالية، تصل إلى 6.8 مليون متر مربع، وسيتم تنفيذه خلال 5 سنوات ويضم المشروع 20 ألف وحدة سكنية ومجموعة من الفنادق، وسيوفر 250 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
وليس المشروع هو الوحيد الذي تستخدم فيه الدولة المصرية أراضيها أو تنشئ فروعاً مائية بهدف التنمية العقارية أو الزراعية بل هناك مشروع "جريان" هو مثال على شراكة استراتيجية بين الدولة والقطاع الخاص لتعظيم القيمة الاستثمارية للأراضي الجديدة، خاصة في سياق مشروع قومي أضخم.
ويقع المشروع على تفريعة جديدة من نهر النيل (فرع من رشيد) تم إنشاؤه في إطار مشروع "الدلتا الجديدة" العملاق، الذي يهدف إلى استصلاح ملايين الأفدنة الزراعية في الصحراء الغربية.
وسينفذ المشروع بشراكة بين المطورين العقاريين الكبار (بالم هيلز، ماونتن فيو، نيشنز أوف سكاي) وجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة (التابع للقوات المسلحة/سلاح الجو)، مما يضمن ضخامة المشروع وقوته التنفيذية.
وكشف حكوميون أن القيمة الاستثمارية للمشروع ضخمة جداً (تشير بعض المصادر إلى أنها تصل إلى 1.5 تريليون جنيه مصري).
وعوضا عن هذا المشروع هناك مشاريع حكومية أخرى على النيل والأراضي الحيوية مثل؛ تطوير الكورنيش القائم ممشى أهل مصر (على ضفاف النيل في القاهرة والجيزة) ويعني التطوير؛ إزالة التعديات، وإعادة استغلال الأراضي المُخلاة لفرص استثمارية فاخرة.
إضافة للمدن الجديدة الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة) من حيث نقل المؤسسات الحكومية، وإنشاء مركز مالي وإداري جديد، لجذب الاستثمارات العقارية.
عوضا عن التوسعات العمرانية الجديدة بمدينة العلمين الجديدة (الساحل الشمالي) / المنصورة الجديدة لإنشاء مدن سكنية وسياحية متكاملة لاستغلال السواحل وتخفيف الضغط على المدن القديمة.
وتفكر حكومة السيسي في بيع القاهرة التاريخية ومن ذلك المستهدف؛ محيط سور مجرى العيون، وحديقة الفسطاط وإزالة المناطق العشوائية وإحلالها بمنشآت حضارية وسياحية واستثمارية كبرى (يشارك فيه أيضاً صندوق التنمية الحضرية).
الشفافية والحوكمة
وتتركز هذه التخوفات عموماً حول ثلاثة محاور رئيسية: الشفافية والحوكمة، والتأثير الاجتماعي/الثقافي، والاحتراز من الاحتكار.
وتتعلق الشفافية ب3 نقاط الأولى منها؛ غموض آلية التقييم حيث التخوف الأكبر هو عدم وضوح منهجية "التقييم المالي" للأصول.
وبما أن الأصول (خاصة المطلة على النيل) نادرة وقيمتها خيالية، يجب أن تكون آلية التقييم شفافة ومحايدة لضمان عدم إهدار المال العام.
والثانية تتعلق ب"الإدارة المنفردة" حيث الصندوق كيان حكومي لكنه يعمل بمرونة استثمارية عالية.
التخوف هو أن تدار هذه الأصول الضخمة بعيداً عن الرقابة البرلمانية والإجراءات الحكومية التقليدية التي قد توفر حماية إضافية ضد الفساد أو سوء الاستغلال.
وأخيرا يحذر المراقبون في نقطة الشفافية أن هناك تخوف من أن تُطرح هذه الأصول في مزايدات محدودة أو بالأمر المباشر، مما يفتح الباب أمام تفضيل كيانات استثمارية محددة أو مستثمرين أجانب على حساب المنافسة الشفافة والعادلة.
تهديد الملكية العامة والهوية العمرانية
واعتبر المراقبون أن تهديد الملكية العامة يتمثل التخوف فيها أن الهدف الاستثماري قد يطغى على حق الشعب في الوصول إلى النيل والأماكن العامة. إخلاء نوادي النقابات والمنشآت الثقافية (كالمسرح العائم) يشير إلى أن الهدف هو إحلال مشاريع استثمارية (مولات، فنادق فاخرة) تُقصي المواطن العادي.
وثالثا تغيير الهوية العمرانية حيث التخوف من أن يؤدي التركيز على الاستثمار العقاري إلى تغيير جذري في الواجهة النيلية التاريخية للمدن مثل القاهرة والجيزة لصالح أبراج زجاجية، مما يقضي على الطابع العمراني والتاريخي للمنطقة.
الاحتكار وتفريط
وحذر المراقبون من أن يكون القرار بشأن هذه الأراضي ضمن إطار احتكار الفرص التي قد تؤدي إلى تركيز مهمة إدارة وبيع/تأجير هذه الأصول الحيوية في يد كيان واحد (صندوق التنمية الحضرية) ثم إلى احتكار فرص التطوير العقاري المربحة جداً، بدلاً من توزيعها عبر قنوات حكومية متعددة، مما يقلل من المنافسة.
وألمحت تقارير إلى تخوفات من التفريط في الأصول فعلى الرغم من أن الهدف هو الاستثمار، لكن البعض يرى في طرح الأصول الحيوية (خاصة كورنيش النيل) للاستثمار طويل الأجل بمثابة "تخصيص" أو "تفريغ" لأصول لا تُعوض للأجيال القادمة.
والتخوفات لا تنبع من مجرد تفويض الصندوق، بل من ضخامة وحساسية الأصول التي يديرها (أراضي النيل)، وضرورة أن تترافق هذه المهمة الاستثمارية الحساسة مع أعلى درجات الشفافية والرقابة لضمان أن الاستفادة الاقتصادية لا تأتي على حساب الحقوق الاجتماعية والثقافية والتنافسية العادلة.