هل تفتح زيادة منسوب النيل باباً لسيناريو الغرق؟ تصرفات إثيوبيا وفتح مفيض توشكى يعيدان سؤال المخاطر إلى الواجهة

- ‎فيتقارير

في خطوة تعكس حساسية اللحظة المائية التي تعيشها مصر، أعلنت وزارة الموارد المائية والري بحكومة الانقلاب فتح مفيض توشكى لتصريف فائض المياه الواردة من أعالي النيل، بعدما سجّلت القاهرة ارتفاعاً غير مسبوق في كميات المياه المتدفقة بنسبة 80% فوق المتوسط التاريخي. وترى الوزارة أن هذه الزيادة ليست ظاهرة طبيعية، بل نتيجة مباشرة لما وصفته بـ "التصرفات الأحادية وغير المنضبطة" من جانب إثيوبيا في إدارة وتشغيل سد النهضة.

سد النهضة يشغَّل بلا خطة ثابتة

وفق بيانات الوزارة، كان من المفترض خفض منسوب بحيرة السد الإثيوبي تدريجياً من 640 إلى 625 متراً بنهاية يوليو، لضمان القدرة على امتصاص أي تغيّرات هيدرولوجية محتملة. لكن أديس أبابا – بحسب القاهرة – سارت في الاتجاه المعاكس، فأغلقت مفيض الطوارئ في أكتوبر، وخفضت التصريفات إلى 139 مليون متر مكعب يومياً، ثم عادت فجأة ورفعتها إلى 300 مليون متر مكعب خلال أيام، عبر فتح بوابات الطوارئ المخصّصة لحالات استثنائية، لا للتشغيل اليومي.

وفي الفترة بين 1 و20 نوفمبر، ظل متوسط التصريفات عند حدود 180 مليون متر مكعب يومياً، وهي زيادة تتجاوز 80% عن المتوسط الطبيعي.

ماذا يعني ذلك؟

الخبراء الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد" ولوسائل متخصصة في مياه النيل، يرون أن هذا النمط من التشغيل لا يعكس فقط غياب خطة فنية ثابتة، بل يضع دولتي المصب – مصر والسودان – أمام تقلبات مائية حادة وغير قابلة للتنبؤ. فالسدود السودانية القريبة من موقع سد النهضة تضطر للتعامل مع هذه الارتفاعات المفاجئة، ما يرفع من مخاطر الضغط على منشآتها القديمة.

هل يمكن أن تغرق مصر أو السودان؟

لا يُجمع الخبراء على سيناريو الغرق، لكنهم يؤكدون أن الإدارة العشوائية لسد النهضة تُضاعف المخاطر.
وهناك ثلاث نقاط أساسية في تقديراتهم الأولى الغرق الشامل لمصر أو السودان وهي مستبعدة بفضل وجود السد العالي، الذي يمثل خط الدفاع الأول، وبسبب طبيعة مجرى النيل داخل مصر.

أما النقطة الثانية فهي السيناريو الأخطر واقعياً حيث تحدث فيضانات مفاجئة في مناطق الجزر النيلية، وبالتالي تضرر زراعات ومناطق ريفية منخفضة، مع ضغوط شديدة على السدود السودانية متوسطة العمر.

وعن النقطة الثالثة فهي السيناريو الكارثي – انهيار سد النهضة – وبرغم أنه يظل نظرياً، إلا أنه الأكثر خطورة على السودان تحديداً بحكم قربه، وعلى مصر لاحقاً عبر موجة مائية ضخمة قد تصل إلى بحيرة ناصر.

 

وقد شهدت مناطق في وسط وغرب الدلتا غرقاً بالفعل خلال الأسابيع الماضية، بعد أن اضطرت السلطات إلى فتح بوابات السد العالي بكامل طاقتها لامتصاص الزيادات المفاجئة.

مصر: الوضع تحت السيطرة ولكن…

وزارة الري تؤكد أن المنظومة المائية تعمل بكفاءة، وأن السد العالي قادر على صدّ أي تقلبات طارئة. لكنها في المقابل تحذّر من أن غياب التنسيق والإفصاح الإثيوبي يضع مصر والسودان في موقف إدارة أزمات لا إدارة موارد.

وترى القاهرة أن إثيوبيا تعمل على زيادة التخزين بصورة غير منضبطة، وخفض التصريفات لفترات طويلة، ثم فتح المفيضات دفعة واحدة دون مراعاة التغيرات الهيدرولوجية.

خلفية الصراع المائي

سعة سد النهضة تبلغ 74 مليار متر مكعب. ومصر تعتمد على النيل لتأمين 97% من احتياجاتها من المياه العذبة. ومواردها السنوية تبلغ 56.6 مليار متر مكعب فقط، مقابل احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب.

وتخشى القاهرة أن يؤدي استمرار التشغيل الإثيوبي بلا اتفاق إلى تراجع مخزون بحيرة ناصر، أو إلى ارتفاعات في المنسوب يصعب استيعابها في فترات محددة، كما حدث خلال الأسابيع الأخيرة.

الخلاصة

فتح مفيض توشكى، وارتفاع التصريفات الإثيوبية، والغرق الجزئي في دلتا مصر كل  تلك الأحداث تشير إلى مرحلة جديدة من عدم اليقين المائي في النيل.
ورغم أن سيناريو "الغرق الكامل" غير وارد، إلا أن الخبراء يجمعون على أن استمرار هذا النمط من الإدارة الإثيوبية قد يفتح الباب لصدمات مائية خطيرة، تبدأ في السودان، وقد تمتد آثارها إلى مصر.