في مشهد يلخّص حجم الاختناق الاقتصادي الذي يعيشه المصريون منذ هيمنة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد، تتواصل رحلات الهجرة بحثاً عن لقمة العيش إلى أي مكان، حتى إلى دولة غارقة في حرب أهلية مثل ليبيا. ورغم الدعم السياسي والعسكري الذي يقدّمه النظام المصري للجنرال خليفة حفتر، فإن هذا النفوذ لا ينعكس حمايةً حقيقية للعمال المصريين، الذين يتعرضون للاحتجاز والانتهاكات حتى داخل مناطق سيطرة حلفاء القاهرة.
وزارة الخارجية المصرية أعلنت، الخميس، استعادة 131 مواطناً كانوا محتجزين لدى سلطات ليبية، بعد تحرّكات من السفارة المصرية في طرابلس. وأوضحت أن العام الجاري شهد “استعادة” 1132 مصرياً من المنطقة الغربية وأكثر من 1500 من الشرق الليبي، وهي أرقام تعكس اتساع دائرة الخطر على العمالة المصرية في الجانبين رغم خطاب القاهرة عن نفوذها الواسع هناك.
اللافت أن بيان الوزارة أعاد التذكير بدعوة المصريين إلى “اتباع الطرق الشرعية للسفر” محذّراً من “عصابات الهجرة غير الشرعية”، وهو خطاب اعتادت السلطات استخدامه لتفسير أغلب حالات الاحتجاز، من دون كشف حقيقي عن ظروف التوقيف، أو طبيعة الانتهاكات التي يتعرض لها المحتجزون، أو أسباب اضطرارهم أصلاً للذهاب إلى ليبيا في ظل انهيار فرص العمل داخل مصر.
المنظمات الحقوقية الدولية، بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، كانت قد وثّقت مراراً أن عمليات “الاستعادة” تتم في كثير من الأحيان في سياق إعادات قسرية أو ترحيل جماعي، من دون ضمانات قانونية أو حق التواصل مع محامين أو معرفة أسباب الاحتجاز. كما تشير تقاريرها إلى أن آلاف المهاجرين – وبينهم مصريون – محتجزون داخل مراكز لا تخضع لرقابة قضائية، ويتعرض بعضهم لسوء معاملة واحتجاز عشوائي، ما يجعل توصيف “إطلاق سراح” المواطنين دون توضيح ملابسات احتجازهم أمراً يثير الريبة.
وتؤكد تقارير حقوقية أن السلطات المصرية لا تعلن عادةً ما إذا كان العائدون يتعرضون لإجراءات أمنية لاحقة داخل البلاد، ما يفاقم المخاوف حول حجم الانتهاكات التي تجري خلف الأبواب المغلقة.
وفي الوقت الذي يتباهى فيه النظام المصري بتأثيره في الشرق الليبي، تطرح هذه الحوادث سؤالاً جوهرياً: إذا كان هذا هو حال المصريين في مناطق نفوذ حلفاء القاهرة، فكيف يكون وضعهم في بقية ليبيا؟
وهو سؤال يفتح الباب أمام حقيقة أكبر: عندما يهرب المواطن من أزمة داخلية صنعها الاقتصاد الموجه أمنياً وعسكرياً، لن يجد حماية حقيقية خارج الحدود مهما ادّعى النظام امتلاكه النفوذ.