خير يوم مرّ على المصريين

- ‎فيمقالات

إن نسى الشعب المصرى فلن ينسى يوم 25 يناير 2011؛ ذلك اليوم الذى قامت فيه ثورتهم العظيمة؛ فأزاحت المجرمين عن السلطة، وأسست للتحرر من حكم العسكر، وكشفت أوراقهم، وفضحت دسائسهم، وكانت محطة من محطات الوعى الجمعى الذى لم تشهده المحروسة من قبل.

وإذا كانت هذه الثورة قد اختُطفت، لكنها لم تمت ولن تموت، وإذا كان من أشعلوها وقادوها قد قُتلوا أو صاروا رهن القيد والسجان؛ فإن وراءهم الغالبية الغالبة للشعب تهتف بشعاراتها، وتتصدى لمن عادوها، وتقف عقبة فى طريق كل فاسد أو خائن يحاول إخمادها أو قتل روحها.

تأتى ذكرى هذا اليوم التاريخى فتشعل فى نفوس الأحرار الأمل فى العيش بحرية وكرامة، وكسح أهل الباطل وكلاء الصهاينة والغرب عن مقاعد الحكم؛ فإن الباطل زاهق، لا جذر له ولا أساس، ولا يخاف أهل الحق انتفاشه وتطاوله وعلو ذيله؛ فما سمعنا أن كلبًا صار أسدًا لما ارتدى لبدته، ولا صار العبد حرًا إذا غير لهجته، وفى تاريخ الدول والجماعات الصالحة تسود قاعدة العدل؛ فالعادلون آمنون متمكنون من حكمهم، والظالمون الخائنون يدخلون مزبلة التاريخ من أوسع أبوابها، وإن بقوا فى الحكم فهى أيام معدودات وسنوات قليلات، يعلقون عقبها على أعواد المشانق، أو يُقتلون أسوأ القتلات، وما بين الحكم والقتل يعيشون عيش الكلب الأجرب الضال؛ تائهين، خائفين، لا أمن لهم ولا قرار.

من كان يصدق أن المصريين جميعًا صاروا يهتمون بالسياسة وبمن يحكم بلادهم لولا هذه الثورة المجيدة؟ ومن كان يصدق أن يفرّق الناس بين الوطنيين والمزيفين لولاها، وقد كانوا من قبل ضحايا إعلام موجه وتدليس وكذب جعل المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟ ومن كان يصدق أن تنتهى دولة العسكر الأباطرة الذين يقولون ما لا يفعلون، وقد تآمروا على البلد بدلا من صيانته، وباعوه بدلا من حمايته؟

أقول بانتهاء دولة العسكر لأن تلك الدولة الذليلة انتهت بالفعل منذ هذا اليوم المبارك (25 يناير 2011)، وما تبقى منها هو الذيل، إنما قُطع رأسها بالتأكيد فى هذا اليوم الأغر، وهذا الذيل قد يستمر –كما ذكرت- أيامًا أو سنوات معدودات، لكنهم لا محالة زائلون، وحتى هذه الفترة التى سيحكمون فيها؛ فإنهم يعيشون منزوعى الغطاء، فاقدى الشرعية، عرايا من كل دعم أو تأييد شعبى حقيقى، منبوذين من جميع الخلق، إلا شرذمة قليلين من عبيدهم المقتاتين على فتاتهم. من ثم لا نستغرب طيشهم ورعونتهم فى التعامل مع الشعب؛ ليقينهم أنهم على باطل، وأنهم سارقون، ولأنهم يعلمون أنه لو انفلت عقال الشعب الذى قيدوه طرفة عين لسوف يصيرون جميعًا أشلاء لا أثر لهم.

هنيئًا للجيل الذى عاصر هذه الثورة وشارك فيها، وهنيئًا للأجيال التى وعت أهدافها ونادت بها، وهنيئًا للشعب المصرى جميعه هذا اليوم المبارك الذى فك الله فيه أغلال المستبدين وقيود الخانين، والخزى – كل الخزى- لمن أراد وأد هذه الثورة، والعار والشنار لمن أراد بمصر سوءًا؛ بقتل الأمل فى نفوس الناس فى النهوض بالبلاد والعباد ليعيشوا بكرامة بين الأمم، ولمن نكل بأبناء دينه ووطنه بالقتل والسجن والتعذيب.. وأقسم بالله غير حانث: لن يهدر دم أريق بغير حق، ولن يضيع حق مظلوم، ومن قتل لسوف يُقتل، ومن نكّل لسوف ينكل به، وما ربك بظلام للعبيد.

لقد قامت الثورة ولن تنطفئ شعلتها حتى تستكمل غايتها وأهدافها؛ هكذا الثورات الحقيقية النبيلة؛ فهى سنة الله فى كونه، وناموسه فى خلقه {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} [البقرة: 251]؛ فثوار الحق هم قدر الله وقدرته، يرسلهم على من يشاء من أهل الباطل فلا يدعونهم يهنئون بدنيا ولا يفوزون بآخرة، ولو عقل المجرمون ما خاضوا شوطًا واحدًا من أشواط تلك المعركة، ولكانوا عونًا على الحق وهم أهل حكم وسلطة، ولكن الله يعلم ما فى قلوبهم، ويعلم فسادهم وضلالهم؛ فجعلهم من أهل الخسران فى الدنيا، ومن أهل النار فى الآخرة.

كل عام وأنتم فى وعى، وفى صمود، وفى وحدة، وفى نصر.. كل عام وأنتم تشهدون مصارع الذين خانوا وباعوا ونكثوا.. كل عام وديننا فى رفعة، ومصرنا فى عزة، وأهلنا فى غنى وكرامة.. والحمد لله رب العالمين.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها