يتهم بعض الإعلاميين الموالين للعسكر، جماعة الإخوان المسلمين بالانتهازية السياسية والتضحية بكل شعاراتها من أجل أن تستمر فى المشهد السياسى، مدللين على مزاعمهم بأوهام وشبهات لا ترقى مطلقًا إلى الدليل بشأن موقف الجماعة من إعلان الفريق سامي عنان ترشحه لمسرحية الانتخابات الرئاسية، لكن هذه الشبهات التي يستدل بها هؤلاء ليل نهار، تكشف عن غباء متأصل مع سبق الإصرار والترصد.
أكاذيب لا تنتهي
يقول عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق، في مقاله بعدد اليوم السبت 27 يناير 2018م بعنوان: «لماذا يؤيد الإخوان مرشحا عسكريا؟!»: ««منذ خروج الجماعة من السلطة بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وهى دائمة الانتقاد لما تسميه «حكم العسكر»، ويشن إعلامها وأنصارها هجمات لا تتوقف ضد القوات المسلحة، بل لا يفرقون فى أحيان كثيرة ما بين المؤسسة والأشخاص!، هى تلصق كل مشاكل مصر بهذه المؤسسة، وفجأة انهار كل ذلك مع إعلان عنان ترشحه ليل الجمعة قبل الماضى. لم تمض ساعات على إعلانه الترشح حتى فوجئنا بسيل عارم من التأييد لعنان، من قيادات وكوادر وأعضاء الجماعة».

ويضيف «إذا كان ذلك هو جوهر مواقف الجماعة، فلماذا لا تصارح قواعدها بالحقيقة، بدلا من أن تبيع لهم الأوهام؟!. لماذا لا يقولون لهم إنهم يعارضون فقط عبد الفتاح السيسى، لأنه أخرجهم من السلطة بعد المظاهرات الجماهيرية الحاشدة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأن ما يشغلهم ليس التعددية أو الديمقراطية أو أى شىء، باستثناء العودة للمشهد السياسى، حتى لو كان عبر مرشح ينتمى للمؤسسة العسكرية التى وجهوا لها كل أنواع الانتقادات؟!، سيرد البعض بانتقادى قائلا: إن الجماعة مطاردة ومشتتة فى السجون والمنافى، وليس أمامها إلا اللعب بالأوراق المتاحة، وهى مضطرة لذلك فى كل ما تفعله!، حسنا فقط كونوا واضحين، وأخبروا أنصاركم بأنكم لستم جماعة ربانية، بل جماعة تمارس السياسة وتؤمن بأفكار معينة تحتمل الصواب والخطأ!».
وحيال هذه المزاعم والاتهامات، نسوق هذه الردود لعلها توضح الحقيقية وتزيح ضباب العسكر الكثيف، وتنير الطريق أمام الباحثين عن الحق والحقيقة ونهضة مصر وتقدمها.
توضيح واجب
وإزاء هذا علينا أولا التوضيح بأن المؤسسة العسكرية مؤسسة نظامية تراتبية، بما يعني أن من يتولى قيادتها العليا يستطيع أن يسيطر على هذا الوحش الكبير بناء على نظام الأوامر العسكرية التي يحاكم من يخالفها أمام المحاكم العسكرية. وكنا خلال فترة التجنيد الإجباري يقولونا لنا: “نفذ الأوامر حتى لو غلط وبعد ذلك اتظلم كما شئت”!.
وعليه فإن هجومنا المتواصل إنما ينصب على كبار الجنرالات الذين أجهضوا المسار الديمقراطي، وفرطوا في تراب الوطن، وأجرموا في حق هذا الشعب والوطن بأبشع الانتهاكات، وكرسوا حكمًا جبريًا استبداديًا يفوق ما كان في عهد مبارك.
أما الرتب الوسطى والدنيا وصغار الجنود فهم من أبناء الوطن، ولنا بينهم آلاف الأقارب والأصدقاء، والخونة في المؤسسة العسكرية لا يتجاوزون “10%”، أغراهم السفيه بالمزايا والمنح، واستخدمهم في عملياته القذرة من أجل تكريس حكمه الاستبدادي.
موقف الإخوان من إجراءات الانقلاب
الموقف المبدئي لجماعة الإخوان المسلمين هو تأكيد بطلان الإجراءات التي تمت منذ 3 يوليو 2013م، وبطلان بيان زعيم عصابة العسكر وسفاح الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وبطلان اعتقال الرئيس والحكومة وإلغاء دستور 2012م، وكذلك بطلان كل الحكومات والإجراءات التي قامت بها أو وقَّعها جنرال الانقلاب أو أركان حكومته حتى إسقاطه إن شاء الله، بل إن النوافذ الإعلامية للجماعة تستخدم مصطلحات مثل “مسرحية أو تمثيلية” لوصف ما يطلق عليه العسكر انتخابات.
ويمكن التأكد من ذلك من خلال التقارير المنشورة على البوابة، حتى المتعلقة منها بالفريق سامي عنان منذ بدء ترشحه حتى اعتقاله واختفائه على يد مليشيات السيسي، فلا نستخدم سوى وصف “مسرحية”.
وهذا الموقف المبدئي ماض حتى اليوم بقرارات من مؤسسات الجماعة الشورية والتنفيذية، ولم يتغير حتى يومنا هذا، والزعم بأن الجماعة تؤيد هذا المرشح أو ذلك هو محض أكاذيب لا برهان عليها أو دليل.
هل دعم الإخوان الفريق عنان؟
الأمر الثاني يتعلق بالشائعات التي روجها إعلام العسكر حول دعم الجماعة ترشح الفريق سامي عنان في مسرحية الرئاسة، والاتفاق معه على انتخابه. فتلك مزاعم وأباطيل ليس عليها دليل واحد؛ فمعلوم أن الموقف الرسمي لأي مؤسسة كبيرة أو حزب شعبي يقدر جماهيره بالملايين، أن ما يعبر عنه هي البيانات الرسمية الصادرة من المؤسسة نفسها أو المتحدث باسمها.
فهل أصدر الإخوان بيانا يدعمون فيه ترشح الفريق عنان أو التعهد له بحشد الملايين من أنصار الجماعة لانتخابه؟!.
وهل أصدر أحد المتحدثين الإعلاميين للجماعة بيانا أو تصريحاــ وصفحاتهم على مواقع التواصلة شاهدة على ذلك ــ يحمل هذه المعاني أو يدلل على هذا الدعم المزعوم؟.
الممارسة السياسية وفقه الموازنات
الأمر الثالث يتعلق بالممارسة السياسية التي تقوم على نوعين من الفقه، هما فقه الأولويات وفقه الموازنات. أما فقه الأولويات فيتعلق بالقضايا التي تكون لها الأولوية دون سواها، وحجم التركيز عليها، وقضية الإخوان الأولى هي إسقاط نظام انقلاب 30 يونيو وإنهاء حكم العسكر إلى الأبد، وكل ما يقرب من هذا الهدف هو محل تركيز واهتمام من جانب الجماعة، بل وكل أنصار ثورة 25 يناير 2011م.
ومن ثم فإن اهتمام النوافذ الإعلامية للجماعة أو حتى تعليق بعض قياداتها، إنما يصب في توظيف الحدث قدر المستطاع للقضاء نهائيا على حكم السيسي الذي أجهض المسار الديمقراطي، واعتقل الرئيس المنتخب، وفرط في تراب مصر الوطني ببيع جزيرتي “تيران وصنافير”، وأهدر حقوق مصر المائية بالتوقيع على اتفاق المبادئ في مارس 2015 مع إثيوبيا، وشرعن به سد النهضة، كما أدخل مصر في دوامة الديون التي لن تفيق منها إلا بعد عشرات السنين، إضافة إلى الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، ومصادرة الفضاء السياسي، واحتكار كبار الجنرالات للفضاء الاقتصادي. كل هذه الجرائم تدفعنا جادين نحو إنقاذ الوطن من براثن هذا الأخطبوط وتلك العصابة الموالية للصهاينة كما تثبت الأحداث والشواهد.
أما فقه الموازنات فيتعلق باختيار أخف الضررين حال كان الضرر واقعا لا مجال لدفعه، والخسارة قائمة لا مجال لتفاديها، فالأولى هنا هو اختيار الضرر الأخف لتعذر تحقيق المكاسب في ظل ظروف معينة.
وبهذا يمكن تفهم مواقف بعض المنتمين للجماعة والموالين لثورة يناير من دعم ترشح الفريق عنان، فالرجل تقدم ببرنامج يتضمن فتح الفضاء السياسي، ورفع المظالم، وعدم التفريط في الأرض والماء، واحترام حقوق الإنسان، وحرية تكوين الأحزاب والتعبير عن الرأي، فوجد البعض في ذلك فرصة لحلحلة المشهد المأزوم، وتحريك المياه الراكدة بفعل الاستبداد غير المسبوق من جانب سفاح 30 يونيو، والذي فاق به استبداد مبارك طوال 30 سنة، وهو موقف طبيعي وفكر يستحق التقدير والاحترام، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه.