أثار القرار الذي أصدره عبد الفتاح السيسي، رئيس الانقلاب، باعتبار وزارة الإنتاج الحربي “من الجهات ذات الطبيعة الخاصة ولا يسري عليها أحكام قانون الخدمة المدنية”، ردود فعل متباينة، لكن معظم المحللين والخبراء يؤكدون أن القرار يأتي في سياق حماية بيزنس المؤسسة العسكرية وبسط نفوذها الاقتصادي على مجمل الأوضاع في مصر.
القرار المثير الذي تم نشره في الجريدة الرسمية، الذي اعتبره العبض تحصينًا لبيزنس المؤسسة العسكرية، يأتي بالتزامن مع قيام لجنة نهب أموال جماعة الإخوان، التي يرأسها المستشار الدكتور محمد ياسر أبو الفتوح، بتكليف شركة النصر للإسكان والتعمير (الحكومية) بإدارة 15 شركة من شركات الإخوان المنهوبة والمتحفظ عليها، بعد إهمالها منذ 3 سنوات وتخريب أعمالها بالتحفظ عليها.
قرار الجنرال السيسي- بحسب مراقبين- هو تقنين للفساد والمحسوبية، ويجعل من الوزارة دولة داخل الدولة، وتتمتع بقدر من الاستقلال لا يُخضعها للدولة أو الرقابة أو أحكام القضاء، كما يمنع القرار سريان بنود قانون “الخدمة المدنية” المثير للجدل على الوزارة.
القرار بهذه الصورة ودون مناقشته أمام البرلمان، يعكس منهجية التجاهل وعدم الاكتراث من جانب الجنرال السيسي وأركان الحكومة، والذي بات يتصرف باعتباره مؤسسة هادفة للربح، وما الشعب إلا زبون ومستهلك يتوجب الربح من ورائه بكل الصور والأشكال الممكنة، مع تمييز المؤسسات التابعة للمؤسسة العسكرية على ما سواها من المؤسسات المدنية، ما أفقد المناخ الاقتصادي العدالة وتكافؤ الفرص.

سيادية أم فوق الدولة؟!
بمصر توجد 4 وزارات يطلقون عليها في وسائل الإعلام “وزارات سيادية” هي: الدفاع والداخلية والخارجية والإعلام، رغم أن الدستور لم يذكر هذه الصفة، فلا يوجد شيء اسمه وزارات سيادية لا في الدستور ولا القوانين، لكن مصطلح “وزارة ذات طبيعة خاصة” هو بدعة جديدة كشأن البدع الكثيرة التي أطلقها الجنرال وأركان نظام العسكر.
وفي مقاله المنشور على موقع “عربي 21” بعنوان «وزارة ذات طبيعة خاصة!»، يرى الكاتب والمحلل السياسي سليم عزوز، أن «الظاهر من القرار أن الهدف منه أن تكون وزارة الإنتاج الحربي فوق الدولة، وقد جاء القرار مفسرا معنى “الطبيعة الخاصة”، وهو ألا تخضع الوزارة للمادتين (17) و(20) من قانون الخدمة المدنية. وهناك قرار قديم أصدره السيسي بأن رئاسة الجمهورية في حل من نصوص هذا القانون، فما هي القيمة المضافة لوزارة الإنتاج الحربي، إذ جرى رفع التكليف الخاص بمادتي الخدمة العامة؟!».
ويضيف عزوز: «المادة (17) خاصة بالتعيين في الوظائف القيادية والإشرافية، وقد نص القانون على أن يكون التعيين عبر “مسابقة”، معلن عنها، وفي فقرة تالية جاء النص بأنه يشترط لشغل هذه الوظائف التأكد من توافر صفات النزاهة في المختار، وأن يجتاز التدريب اللازم!، واللافت هو إعفاء الوزارة من شرط “توافر صفات النزاهة” و”اجتياز التدريب اللازم” في القيادات المختارة، فماذا يُقصد بذلك؟ أما المادة (20) فهي خاصة بانتهاء مدة شغل الوظائف القيادية والإشرافية، فهي تنتهي بحسب المقرر في التعاقد!.
ووفقًا لعزوز، فإن اللافت هو إعفاء الوزارة من شرط “توافر صفات النزاهة” و”اجتياز التدريب اللازم” في القيادات المختارة، فماذا يُقصد بذلك؟ وهل المعنى في “بطن السيسي” كما فهمنا، لا سيما وأنه كان يمكن الإعفاء من شرط المسابقة والإعلان، والإبقاء على الفقرة الخاصة بتوافر صفات النزاهة واجتياز التدريب اللازم؟!.
لماذا السرية على تمرير القرار؟
بحسب عزوز، فإن الغريب أنه إذا كانت المادتان عقبة في طريق اختيار قيادات بعينها، فمن يطالعهما يدرك أنهما لا تمثلان قيدا. فقد تم النص على ثغرة تبيح عدم الالتزام، وكله بالقانون، وهو ما يجعل للأمر بعدا آخر، فما هو السر وراء هذا القرار الذي صدر في السر، وبدون عرضه للمناقشة قبل أو بعد صدوره، فضلا عن أن دافع السرية أوجب عدم تمريره عبر البرلمان، ودوره هو البصم على كل قرار يصدره السيسي، وتحويل أمانيه وتطلعاته إلى قوانين؟!.
ويتساءل عزوز: «هل يهدف السيسي إلى خلق إقطاعيات ذات طبيعة خاصة، لها قوانينها، وهي في “الرأس” وليس في “الكراس”، وأخذا بالأحوط، حتى إذا انتهت دورته الحالية ولم يوفق في تعديل الدستور، لضغوط خارجية، يكون قد صنع لنفسه كيانا يديره وليصبح هو رئيسه الأعلى، وهذا الكيان ممثلا في وزارتي الدفاع والإنتاج الحربي؟!.
ويؤكد عزوز أن السيسي هنا “يحتاط لنفسه”، وهذه هي طريقته في الأمور المتعلقة بالمستقبل. فقد قام بتحصين منصب وزير الدفاع في الدستور، عندما كان موقفه من الترشح للانتخابات الرئاسية متأرجحا بين الإقدام والتردد، وليس سرا أنه عرض على المستشار “عدلي منصور” أن يترشح ليمكنه من الحكم في وجوده، كما كان الحال في المرحلة الانتقالية، لكنه اعتذر عن ذلك!، بعد تردد أقدم السيسي على الترشح ليحمي نفسه بنفسه. فقد بدا أن الدوائر الإقليمية والدولية ليس لديها ما يمنع من أن يترقى رئيسا رغم وضعه الوظيفي كعسكري، ليصبح اللعب على المكشوف!.
ووفقا للمقال، فإن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية بعد أربع سنوات يتزامن مع انتهاء السنوات الثمانية المنصوص عليها في الدستور، والتي يستفيد منها وزير الدفاع الحالي، ليأتي وزيرا جديداً لمدة ثماني سنوات أخرى. فهل يفكر السيسي في الاحتفاظ بالمنصب لنفسه، فيصبح قيما على وزارتين، إحداها ذات طبيعة خاصة بحكم الأمر الواقع، والثانية ذات طبيعة خاصة بمقتضى القرار الرئاسي، ليجمع هو بين الأختين، ويشكل إقطاعية يديرها على قواعد “مولانا ولي النعم”، ويمكنه بها الاستمرار حاكما من وراء حجاب، حتى انتهاء العدة الشرعية؟!.