دعوة الإعلامي عبد اللطيف المناوي إلى إجراء مصالحة اقتصادية مع القطاع الخاص، تأتي في سياق الاعتراف بل الإقرار بعمق الفجوة التي تتسع بين نظام 30 يونيو من جهة، وشركات القطاع الخاص من جهة أخرى، كما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتصريحات رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، يوم 21 مايو الماضي، والتي انتقد فيها مناخ الاستثمار في مصر، والتربص بالمستثمرين غير المرضي عنهم من جانب السلطة.
بلا شك، فإن سيطرة الجنرال عبد الفتاح السيسي على الحكم عبر انقلاب 3 يوليو 2013 وإجهاض المسار الديمقراطي، أفضى إلى هيمنة المؤسسة العسكرية على مفاصل الأوضاع في مصر سياسيا واقتصاديا وإعلاميا ودينيا.
دعوة المناوي جاءت في مقال بعنوان “المصالحة هي الحل”، نشره على صحيفة المصري اليوم في عدد يوم الجمعة الماضي “غرة يونيو 2018م”، أي بعد تصريحات ساويرس للصحيفة الأمريكية بـ10 أيام كاملة.
في مقاله يؤكد المناوي- الذي تربطه علاقات وثيقة بساويرس الذي يملك عدة أسهم في صحيفة “المصري اليوم” التي يعمل المناوي في مجلس إدارتها- ما يتعرض له المستثمرون المصريون من مضايقات، وتأثير ذلك على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، أملا في رفع معدلات النمو وتقليل نسب التضخم والبطالة، والاستغناء على الاقتراض الخارجي والمحلي.
يقول المناوي: «بفعل بعض السياسات الاقتصادية والقانونية التى أحدثت نوعا من ترهيب المستثمر الأجنبى، الذى (فى النهاية) يريد استثمار أمواله بشكل آمن ومفيد، ودون أى عوائق أو مطبات فى طريقه. ربما غاب عن الكثيرين من واضعى تلك المطبات- بحسن النوايا- فكرة أن المستثمر الأجنبى لن يتحرك فى مناخ يعوق المستثمرين المصريين أنفسهم أو يفرض حالة من التقييد على أعمالهم، فكيف يأتى مستثمر أجنبى ونظيره المصرى يعانى؟!».
ويضيف المناوي «بالتالى علينا أن نواجه حقيقة مهمة، أنه ما زالت هناك شوائب فى العلاقة، أو لنقل «عدم وضوح رؤية»، أو حالة من التوجس، يتم إشعال وتيرتها كل فترة بين الدولة من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى، والمطلوب فى هذه المرحلة هو إحداث مصالحة حقيقية بين الأطراف جميعها».
ويحدد المناوي الأطر المطلوبة «المطلوب كذلك هو الحل السحرى الذى أؤمن به تماما، هو «دولة القانون»، وفرض مناخ استثمارى قانونى يُضمن فيه المنطق وعدالة التنفيذ، وأن يتم ضبط العلاقات بحيث تُضمن أيضا عدالة المنافسة ومنع الاحتكار، وأن تكون هناك التزامات متبادلة واضحة بين كل الأطراف، التزامات من الدولة من خلال تسهيلات للقوانين واللوائح، والتزامات أخرى من القطاع الخاص بضمان الالتزامات القانونية والضريبية والجمركية والاجتماعية».

ساويرس: النظام يحاربني
مقال المناوي شديد الارتباط بتصريحات رجل الأعمال نجيب ساويرس لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، ومن أبرز التصريحات لساويرس قوله عن نظام السيسي: “إنهم يثقون بالجيش أولا، ثم القطاع الخاص الذين يقبلونه”، قالها الملياردير الذي يقول إن بعض خططه التجارية المصرية قد أحبطت بسبب تدخل الدولة، وقال “يمكن للأمن حظر أي مشروع، لديهم شركات خاصة بهم الآن، الأمر ليس جيدا”.
وعرج تقرير “وول ستريت جورنال” على هيمنة المؤسسة العسكرية على الإعلام، حيث يشير إلى قيام المسئولين العسكريين والأمنيين بتنظيم استحواذ على ما لا يقل عن ثلاث قنوات تلفزيونية خاصة كبيرة خلال العامين الماضيين، تولى متحدث عسكري سابق المسئولية عن القناة الفضائية “العاصمة” في يناير 2017، واستولت شركة أمنية برئاسة مسئول استخبارات عسكري سابق على قناة “الحياة” التلفزيونية في منتصف عام 2017.
وقال ساويرس، المالك السابق لشبكة قنوات OnTV: إن الحكومة طلبت منه إقالة ثلاثة على الأقل من المراسلين الإخباريين، وعندما رفض، تم الاستيلاء على شبكة OnTV من قبل رجل قوي موال للحكومة، قبل بيع أسهمه لشركة مملوكة لجهاز المخابرات المصري في عام 2017.
وقال ساويرس: إن قوات الأمن أعاقت خطط الأعمال الخاصة بالقطاع الخاص، وقال إن محاولاته للحصول على شركة الاستثمار CI Capital قد تم حظرها من قبل الأجهزة الأمنية في عام 2016.
وتعرج “وول ستريت” لتحليل وضعية الجيش في الاقتصاد، وتأثيرات ذلك على تآكل الفرص مع القطاع الخاص، الذي بات يعاني بشدة في ظل الاختلالات القائمة بفعل سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد المصري.
وفي مقابلة مع تلفزيون الدولة في مارس 2017، قال السيسي إن الجيش يشكل فقط 2٪ إلى 3٪ من الاقتصاد. وقال: “لو كان 50٪ لكنت فخورا”، وقال “القوات المسلحة هي جزء من الحكومة”. ويعتقد الخبراء أن الحجم الحقيقي للدور الاقتصادي للجيش أعلى بكثير من الرقم الرسمي، استنادا إلى ملاحظات المؤسسات التي يقودها الجيش.
وتنقل الصحيفة الأمريكية عن أندور ميلر، المسئول السابق عن مصر في مجلس الأمن القومي الأمريكي، أن السيسي “لا يثق في القطاع الخاص أو رجال الأعمال”. عندما جاء السيسي إلى السلطة، لجأ إلى الجيش للمساعدة في إصلاح الاقتصاد المتعثر. وكلف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتنظيم توسعة قناة السويس، أحد المشاريع العملاقة التي قام بها. وبمباركة السيسي، سرعان ما تعدى الجيش على الشركات المدنية، كما يمارس الجيش النفوذ من خلال شبكة منتشرة من الضباط الحاليين والسابقين الذين يجلسون في مجالس إدارة الشركات ويمتلكون حصصًا في شركات خاصة. هذه الحيازات تساعد الطبقة العسكرية على التحكم في الأرباح وتحقيق الربح حتى من الشركات التي لا تمتلكها بشكل مباشر.
ألغاز دولة الجيش في الاقتصاد
الموضوع كان قد أثاره الكاتب الكبير فهمي هويدي، في مقاله بالشروق بتاريخ 5 سبتمبر 2016م، بعنوان “دور الجيش المصري في الاقتصاد”، مؤكدا أنه «فى النظم الديمقراطية، الجيش يحمى الدولة، بمعنى حماية حدودها وكيانها. أما فى النظم غير الديمقراطية فإن الجيش الذى يسخر لخدمة النظام وليس المجتمع. والحاصل فى سوريا الآن يشهد بذلك، إذ يفتك الجيش وزبانيته بالمجتمع حماية لنظام الأسد”.
ويضيف هويدي: «رغم أن بعض تدخلات القوات المسلحة يمكن أن تكون مبررة ومفهومة فإن بعضها الآخر ليس كذلك. فضلا عن أحدا لا يعلم ما إذا كان الانتشار الحاصل للقوات المسلحة فى مجالى الخدمات والإنتاج مؤقت أم أنه مستمر. وإذا كان مؤقتا فلأى أجل، وإذا كان مستمرا فهل يعنى ذلك أن القوات المسلحة صارت بديلا عن القطاع العام؟ وكيف يمكن أن توفق بين مسئولياتها العارضة فى الداخل ومسئولياتها الأصيلة والكبيرة فى الدفاع عن الوطن والأمة والتصدى لأعدائها المتربصين، وإن ارتدوا ثياب «الحملان» الآن؟».