"وطن بلا تعذيب".. عبارة تصدرت "تي شيرت" ارتداه محمود محمد الشاب الذى يبلغ من العمر الآن 18عامًا، أدت إلى القبض عليه منذ يوم 24 يناير 2014، لم يكن محمود يُدرك أن تلك العبارة المطبوعة على "تي شيرت"، ستكون سببًا لسجنه لمدة تقترب من العامين.
دهشة اعتلت ملامح الطفل الصغير، بينما يدون رجال الأمن أحرازه وهي "التيشيرت" و"كوفية" مدون عليها "25 يناير"، ظن عندما اقتيد إلى الحجز أن هذا الكابوس سرعان ما سينتهي، غير أنه عرض على النيابة في اليوم التالي ولم يُفرج عنه، صرخ مستنجدًا بأمه بأن لا تُفلته من يديها لكنه عاد إلى القسم ليقضي 15 يومًا، نُقل بعدها إلى سجن أبوزعبل بالقليوبية.
طفل مسطرة رابعة
كانت نيابة الانقلاب بمركز البرلس محافظة كفر الشيخ قد أمرت بحبس الطالب خالد بقرة، الطالب بالصف الأول الثانوي بمدرسة بلطيم الثانوية الصناعية، بتهمة حيازة "مسطرة" عليها شارة رابعة الصمود.
يذكر أن مدير المدرسة رمضان السيسي وياسر دعدور المدرس بالمدرسة قد قاما بالتحفظ على الطالب واستدعاء الشرطة وتسليمه لها أمس، بعد ما لاحظ الثاني وجود شارة رابعة على مسطرة الطالب.
طفل التيشيرت
خرج الطفل للاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، ليتم القبض عليه بسبب عبارة "وطن بلا تعذيب" كُتبت علي "التي شيرت" الذي يرتديه، خلال مروره بكمين المرج بمحافظة القليوبية، ليمكث في انتظار المحاكمة لما يقرب من 700 يوم.
وفي مصر العسكر تكثر قصص النفوذ ودهس القانون بالبيادة، ومن تلك القصص وفي الاتجاه المعاكس لقضية طفل التيشيرت واحدة وقعت هذا الأسبوع فى منطقة المعادي جنوب القاهرة، عندما أوقف ضابط مرور سيارة مرسيدس يقودها طفل لم يتخطى عمره الخامسة عشرة، كانت تسير بلا لوحات أمامية، وزجاجها فيميه داكن، طلب الضابط من قائدها "الطفل" الرخص التي لم يكن يحملها، وهدده بمنصب والده المستشار، وهو أحد الفئات الآمنة بعد الجيش والشرطة والأمن الوطني.
وانتشر هاشتاج #حماده_ننوس_المستشار وأظهر فيديو جديد، الطفل وهو يقود السيارة وأمامه رجل المرور، وسخر الطفل من رجل المرور قائلا: "خد يا ابني، بتعمل إيه هنا؟"، ليرد شخص آخر داخل السيارة موجهًا حديثه لرجل المرور: "سيادة المستشار ده".
وبعد تداول الواقعة بشكل مكثف، قام المستشار والد الطفل بتسليمه على الورق إلى قسم شرطة البساتين عقب تداول الواقعة إعلاميا، وتبين أن الطفل يدعى أحمد وهو طالب بالصف الثالث الإعدادى بإحدى المدارس الانترناشيونال بمنطقة المعادى التى يقيم فى أحد الكمباوندات.
وبحسب تلقين المستشار لنجله وبالتحايل واستغلال ثغرات القانون قال الطفل خلال استجوابه إن السيارة كانت ملكًا لأسرته وأن والده قام ببيعها إلى أحد أصدقائه، وأن الطفل أخذها في جولة مع أصدقائه قبل تسليمها لمالكها الجديد! وبحسب التلقين والتحايل زعم الطفل أنه فعل ذلك على سبيل المزاح هو واثنين من أصدقائه اللذين كانا يستقلان السيارة معه، مبديا اعتذاره وندمه على ما بدر منه.
إلا أنه بالعودة إلى المقطع يتضح أن الأمر تطور لسخرية من الطفل تجاه الضابط وسيل من الشتيمة وهرول بالسيارة وهو يضحك مع أصدقائه، وإمعانا في استغلال النفوذ نشر الطفل مقطع الفيديو وهو يهين الظابط ويتطاول عليه على اليوتيوب، إلا أنه فوجئ بتداول كبير للمقطع وتصدره على السوشيال ميديا، والتي شرعت في تفسير المشهد العبثي بأن هذه دولة السفاح السيسي التي رقص لها الراقصون.
فوق القانون
المستشار اشتكا الضابط أنه أوقف ابن سيادته وتعامل معه بعنف وهدده بالمسدس، الضابط يقول إنه طبق القانون، وأن الشاب كان مخالفا يقود سيارة بلا أرقام وأنه هدده بوالده، على أساس أن السيد الوالد رجل فوق القانون، بل إنه يصدر الأحكام في جمهورية العسكر، وبالتالى لا يفترض أن يحاكم ابنه بفعل يجرمه القانون، فكيف تلقى الابن التربية، ليتصور أنه فوق القانون وخارج نطاق المحاسبة؟
مثل هذه التصرفات تكشف أن جمهورية الانقلاب العسكري لا تطبق القانون على الكل، وأن المنصب والحصانة تفرق بين مواطن وآخر، وأنه وهكذا الحال يصعب الحديث عن سيادة القانون، وفي مصر الموبوءة بالانقلاب الأمر هنا يتعلق بالبناء العقلى لعصابة العسكر، ممن يمنحهم القانون حصانات لطبيعة عملهم، وليس خارج المنصات.
يقول الناشط محمود جبريل: "الواد إللي ماشفش بربع جنية تربية بيحتفل مع أصحابه لايف..ياريتنا نتعلم من حبيبنا المصطفى رسول اللهﷺ "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".. أرسى ميزان العدل بلا تمييز بين غني أو فقير..أو شريف وحقير.. لم يجامل في حد من حدود الله..أو يصمت عن ظلم مرضاة لأحد".
ويقول الناشط مستر تيتو :" الواد الصغير بتاع العربية خرجوة وطلع عمل لايف شتم مصر كلها وبيقول احنا محدش يقدر يحبسنا والواد صراحة ملوش ذنب ابوة القاضى الى رباة هو علمة انة محدش يعرف يكلم معاة وانة فوق الناس ومعروف طبعا من زمان اشهر كلمة فى مصر انتا مش عارف انتا بتكلم مين وهية دى الفئات الامنة فى مصر". وتقول ايمان محمود :" أنا من البلد اللى فيها ابن القاضى مبيتحبسش..ليه بقى؟؟ لأنه يابانى ضد الكسر.مش تايوان زى بقية الشعب هش!!".
ويلخص التناقض ما بين طفل المرور وطفل التيشيرت مشهد سينمائي من أفضل المشاهد التي صورها الفنان الراحل خالد صالح، جاءت في فيلم "فبراير الأسود"، عندما تحدث عن الأوضاع الاجتماعية داخل مصر، ويظهر في المشهد خالد صالح وأمامه عدد من الدكاترة والعلماء والمهندسين ويقول لهم: "دي خريطة للأوضاع في مصر، في ظل المأساة التي تعيشها البلاد، محدش يقدر يعيش مطمئن على بلده وأسرته إلا الثلاثة دول". وأضاف: "الثلاث منظومات الجهات السيادية بأنواعها الحكومة والمخابرات بأنواعها، ومنظومة العدالة، القضاء النيابة، والشرطة، ومنظومة الثروة (رجال الأعمال)، المنظومة الثالثة دي تتعامل وتقدر تشتري المنظومتين دول". وتابع:"دول اللي يقدروا يناموا ويطمنوا إن محدش يقدر يأذيهم، ونقدر نقول عليهم دول الفئات الآمنة ليوم الدين"، وأوضح: "اللي زينا العلماء والدكاترة، مرشحين ناخد بالجزمة في أي وقت، فلا قيمة لنا في هذا الوطن"، ووصف الحياة في مصر بقوله: "الحياة في مصر وصلت لمرحلة البي بي".