في بريطانيا صدرت عدة أصوات الاثنين، من خلال مقالات وتصريحات تعتبر ماكرون دافعا أوروبا نحو مواجهة غير محسوبة مع الإسلام والمسلمين.
وكتب "سيمون تيسدل" مقالا نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، يوم الاثنين، بعنوان "غضب المسلمين من ماكرون يهدد بتصعيد التوتر في أوروبا"، قال إن ماكرون وضع فرنسا وأوروبا في مواجهة جديدة مع العالم الإسلامي الشهر الماضي باسم الحرية. وربما كان ذلك عن قصد أو دون قصد منه.
وأضاف "تيسدل" أنه "لا يمكن أن نلوم ماكرون على تمسكه بالقيم الفرنسية المتعلقة بالمجتمع الجمهوري العلماني المندمج". واستدرك "ولكنه وغيره من القادة الأوروبيين قد يواجهون ردود فعل عنيفة معادية للمسلمين تذهب ضحيتها المزيد من الأرواح. ويمكن أن تمس أعمال العنف الجميع، وتدفع إلى المزيد من الاستقطاب في المجتمعات الأوروبية، مع ما في ذلك من تأثير على السلم والأمن والانسجام الاجتماعي".
واعتبر أن سلوك ماكرون بدا في البداية أنه مناورة لـ"إفساد مخططات اليمين المتطرف في فرنسا قبل الحملة الانتخابية لعام 2022" عندما تحدث في 2 أكتوبر، متعهدا بمكافحة "التطرف الإسلامي"، حسب زعمه، والقضاء على "الانعزالية" والدفاع عن قيم العلمانية مهما كان الثمن، أنذر بالأزمة الأخيرة.
وأشار إلى غضب قادة العالم الإسلامي من وصف ماكرون لدينهم بأن "الإسلام في أزمة عالمية". اعتبر "تسيدل" أن ماكرون زاد الطين بلة وبعد أسبوعين، قتل المدرس الفرنسي صامويل باتي، وعاد ماكرون إلى الواجهة بدفاعه عن الرسوم المسيئة للنبي محمد التي نشرتها مجلة شارلي إيبدو، وعرضها المدرس على تلاميذه، ثم لاحقت فرنسا "أئمة جمعيات إسلامية في البلاد، وأغلقت عددا من المساجد، وهو ما زاد الطين بلة".
افتتاحية فايننشال تايمز
وقالت صحيفة فايننشال تايمز مقالا افتتاحيا، اليوم "إن الرئيس الفرنسي لم يكن موفقا في ترديد مصطلح "الانعزالية"، لأنه كان تحت ضغط اليمين المتطرف الذي يتهمه بمداهنة "الإسلام السياسي" وعدم الدفاع بجسارة عن قيم العلمانية الفرنسية.
وفي مقال بعنوان "إيمانويل ماكرون والعلمانية والإسلام"، أقرت بأن "الاعتداء على المدرس باتي كان اعتداء على الجمهورية نفسها، وهو ما جعل ماكرون وغيره يرفعون أصواتهم دفاعا عن العلمانية، بما في ذلك الحق في السخرية من المقدسات".
واستدركت قائلة: "ولكن العلمانية الفرنسية التي كرسها قانون 1905 لا تعني محاربة العقيدة وإنما فصل الدين عن مؤسسات الدولة، وحماية العقائد الفردية".
وخلصت إلى أن "حق السخرية من الدين ينبغي، بحسب الصحيفة، أن يُمارس بضبط النفس، ومراعاة المشاعر. فالمدرس باتي طلب من تلاميذه الذين يعتبرون الرسوم إساءة ألا ينظروا إليها. والمسلمون تعايشوا مع الأمر وإن كانوا لا يحبونه".
وزير بريطاني
ومن مقال ثالث، قال اللورد "آرا دارزي"، وزير الصحة البريطاني السابق، مدير معهد الابتكار الصحي العالمي في إمبريال كوليدج بلندن، ، إن فرنسا باتت بلدا "غير مستقر للغاية" بسبب الرئيس "إيمانويل ماكرون".
وأشار "دارزي"، ضمن مقال له بصحيفة "الجارديان" البريطانية، إلى أن ماكرون قام بتصعيد التوتر من خلال التصادم مع الإسلام، بدلا من أن يسعى لطمأنة مواطنيه جراء تكرار حوادث العنف الأخيرة، في إشارة إلى الهجوم على كاتدرائية نوتردام في نيس. مضيفا أن الحكومة الفرنسية أغلقت مساجد وجمعيات في حملتها على الإسلاميين، ما أشعل غضب المسلمين المعتدلين في فرنسا وجميع أنحاء العالم.
وشدد على أن "التسامح الديني مؤشر أساسي للمجتمع المتحضر"، مضيفا: "لقد أمضى الأوروبيون قرونًا لإخبار غيرهم كيف يعيشون أو يفسرون دينهم".
وأكد الوزير البريطاني السابق على أن وصم "ماكرون" لديانة بأكملها بناءً على تصرفات عدد قليل من المتطرفين ليس لها سوى نتيجة واحدة فقط، هي "تأجيج الغضب".
الإمارات تقود الأعراب
وبعد اتصال هاتفي من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، أجراه الأحد مع الرئيس الفرنسي، ظهر اليوم وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية أنور قرقاش، في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية، يوم الاثنين، ليعلن –ما أعلنه ماكرون بنفسه والغربيين البريطانيين كما في صحف الجارديان وفيننشال تايمز- أنه يرفض فكرة أن يكون ماكرون عبر عن رغبة في إقصاء المسلمين.
ويضيف وزير خاريجة الإمارات "..هو لا يريد عزل المسلمين في الغرب، وهو محق تماما". وادعى وزير الخارجية الإماراتي أنه يجب على المسلمين أن يندمجوا بشكل أفضل، وأنه من حق الدولة الفرنسية البحث عن طرق لتحقيق ذلك بالتوازي مع مكافحة التطرف والانغلاق المجتمعي.
أما الرئيس التونسي فعبر لنظيره الفرنسي "عن تضامنه مع فرنسا بعد الأعمال الإرهابية"، على حد قول قصر الإليزيه، و"اتفقا على تعزيز التعاون على صعيد مكافحة الإرهاب"، فضلا عن تناولهما بالنقاش الهجرة غير النظامية وملف "عودة التونسيين الملزمين بمغادرة الأراضي الفرنسية، وفي طليعتهم المدرجون على القائمة الأمنية" لأجهزة الاستخبارات، حسب الرئاسة الفرنسية.
وسابقت الصحف السعودية إلى الدفاع عن فرنسا بوجه الإخوان وتركيا والاصطفاف مع ماكرون، ففي مقال لعبدالله بن بجاد العتيبي-أبرز الكتاب المدافعين عن ولي العهد ورؤيته "الإصلاحية"- في صحيفة الشرق الأوسط المدعومة من أرض الرسالة، تدعو مسلمي فرنسا إلى تقبل الإساءات المتكررة على الرسول ﷺ واحترام الدولة الفرنسية والتعايش معها.
وفي مصر أحالت وزارة الأوقاف بحكومة السيسي إمام مسجد للنيابتين العامة والإدارية، بدعوى تعليقه على أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتحريضه ضد فرنسا.
تشديدات ماكرون
وفي الوقت الذي يدافع ولي عهد أبوظبي شيطان العرب عن الرئيس الفرنسي يتجه "ماكرون" في لقائه الأخير على قناة الجزيرة مع المذيع دراجي ليعرب عن أسفه لإيذاء مشاعر المسلمين، وإن كان قبلها بساعات أعلن أن فرنسا لن تتخلى عن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي أعادت مجلة شارلي إيبدو نشرها، وعرضتها مبان عامة على واجهتها، أثناء تعليقه على قضية قتل شاب من أصول شيشانية لأستاذ فرنسي عرض على تلاميذه هذه الرسوم.
واشتعلت حملات في عديد الدول الإسلامية بمقاطعة المنتجات والبضائع الفرنسية، وانتقلت المواقف ضد تصريحاته من مستوى شعبي إلى إدانة رسمية عبر بيانات صدرت عن وزارات الخارجية في عدد من تلك الدول.