هذا ما جناه المصريون من تغول العسكر على الاقتصاد

- ‎فيأخبار

منذ الانقلاب العسكري في 2013، وهجوم عساكر السيسي على اقتصاد مصر وابتلاعهم أموال الشعب، توالت الكوارث الاقتصادية على الشعب المصري، على كافة المستويات، سواء الشعبية أو الرسمية أو الهيكلية المتعلقة ببنية الاقتصاد المصري.
فتزايدت حجم الديون الخارجية حتى زادت لاكثر من 125 مليار دولار ديونا خارجية، وأكثر من 4 تريليونات جنيه ديونا محليا، ووصلت فوائد الديون لأرقام قياسية غير مسبوقة تلتهم اكثر من 90% من الدخل القومي، وزيادة نسب الفقر لاكثر من 60% وفق إحصاءات البنك الدولي، وتعاظم البطالة وهروب الاستثمارات، واهدار مقدرات مصر الاقتصادية والمالية وتزايد عجز الموازنة وتدني نسب ايرادات الموازنة.. وغيرها من الكوارث التي رصدها مركز كارينجي للدراسات وغيره من المؤسسات الاقتصادية العالمية.

حيث أشارت دراسة أعدها "مركز كارنيجي للشرق الأوسط" أن استيلاء الجيش على السلطة في عام 2013 حول دوره في الاقتصاد المصري، وأصبح يكبد البلاد كلفة باهظة، مشيرة إلى أن الارتفاع الهائل للمشروعات الضخمة في البنية التحتية العامة والإسكان الذي يديره الجيش منذ ذلك التاريخ يولد مبالغ كبيرة من "رأس المال المعدوم" والأصول العالقة، ويحول الاستثمار والموارد عن القطاعات الاقتصادية الأخرى.

وذهبت دراسة أصدرها برنامج العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية، التابع للمركز، الاثنين، إلى إن تدخل العسكر في الاقتصاد شهد تحولا من حيث نطاقه وحجمه في عهد "السيسي"، لكنه يعكس افتقاره إلى مخطط اقتصادي واضح، ناهيك عن الفهم السليم لديناميات السوق، حيث يؤدي اهتمامه الأكبر بتوليد رأس المال مع الحفاظ على النظام السياسي إلى ظهور نسخة جديدة من رأسمالية الدولة المصرية.
وقالت الدراسة إن المؤسسة العسكرية تدعي أنها توظف 5 ملايين شخص، لكن جميعهم تقريبا يعملون في الواقع من قبل المقاولين المدنيين من القطاع الخاص الذين يعملون لصالح المؤسسة العسكرية، ما يشير إلى أن نهج "السيسي" قد يساعد في توليد النمو الاقتصادي وتحسين كفاءة المالية العامة، لكنه يعزز أيضا قبضة الدولة المصرية بدلا من تعزيز اقتصاد السوق الحر.

وقالت الدراسة إن القيمة الصافية للشركات العسكرية وللإنتاج العسكري للسلع والخدمات أقل بكثير مما يصفها كثيرون، لكنها أكبر بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن.
ويسمح النمو في الصناديق المالية التقديرية لوزارة الدفاع بزيادة المنافع وتعزيز الولاء في صفوف القوات المسلحة، وبناء احتياطي مالي لتمويل تطوير البنية التحتية العسكرية ومشتريات الأسلحة، والقيام بعمليات استحواذ وسائل إعلام والتبرع لهيئات مثل صندوق "تحيا مصر" الذي أنشأه "السيسي" وذلك خدمة للأغراض السياسية.
كما يخدم توسع النشاط الاقتصادي العسكري في 5 مجالات نموذج إدارة "السيسي" الآخذ في الظهور من رأسمالية الدولة: التطوير العقاري، وإنشاء مجمعات الصناعة والنقل، واستخراج الموارد الطبيعية، والعلاقات مع القطاع الخاص، وزيادة رأسمال القطاع العام بواسطة الاستثمارات الخاصة.

ووفق الدراسة؛ يتواصل الانحدار في مصر وفق جميع المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية، مقارنة بمجموعة نظرائها، نتيجة لهذا التدخل العسكري في الاقتصاد، موضحة أن مصر تقوم بتخصيص مخطئ للاستثمارات العامة في مشاريع البنية التحتية الكبيرة والقطاعات غير المنتجة وصناعة الدفاع غير الكفؤة، ما أدى إلى تكبد تكلفة باهظة على حساب رفاهية المصريين العاديين.

وقالت إن دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري أصبح أكبر وأكثر غموضا، مع آثار سلبية على ما يبدو، ولا سيما عندما نضع في الاعتبار الوضع المتدهور لمصر في الاقتصاد العالمي من خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم.
ومع النمو السريع للسكان الذين يزيد الآن عددهم عن 100 مليون نسمة غالبيتهم من الشباب، فإن العواقب السياسية لمثل هذا التدهور قد تكون خطيرة، فعدم توافر الوظائف، مقرونا برغبة المؤسسة العسكرية في السيطرة على الفضاء السياسي والاقتصادي، هو وصفة للاصطدام بطريق سياسي مسدود، أو اندلاع تمرد.
ورجحت الدراسة عدم نجاح المؤسسة العسكرية كمنقذ اقتصادي لمصر، مشيرة إلى أن المؤسسة العسكرية تواجه توقعات كبيرة تتعلق بالاحتياجات المتزايدة للشعب، لكنها لا تتمتع بالرشاقة والإبداع والقدرة على القيام بذلك.

الدولة الفاشلة
ومع فشل مصر سيكون هائلا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها ويستحق الاهتمام السياسي، لكن استعداد المجتمع الدولي لقبول "السيسي" كقوة استقرار وتجاهل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية -وربما السياسية- التي تلوح في الأفق والتي تواجه مصر هي حقيقة قائمة لكن قصيرة النظر.
وذكرت الدراسة أن المؤسسات التجارية العسكرية في مصر لم تعد صندوقا أسود، ما يفتح آفاقا جديدة لفهم حجم الهدر والفساد في أكبر دول العالم العربي من حيث السكان، حيث لم يكن التحول الدراماتيكي للاقتصاد العسكري في عهد "السيسي" نتيجة لاقتصاد سياسي يطغى عليه الجانب العسكري بشكل متزايد، بقدر ما هو نتيجة لتسلسل هرمي للضباط يسعى إلى ابتزاز أكبر قدر ممكن من الامتيازات خلال عهده المحدود ربما في السلطة.

وأضافت أن الميزة الرئيسية للمؤسسة العسكرية في هذا الاستيلاء على موارد الدولة تتمثل في أن العديد من المصريين يتذكرون الفساد الباذخ في عهد "مبارك"، وكذلك مشاركة المؤسسة العسكرية في بناء العديد من المؤسسات العامة الأكثر أهمية في مصر في عهد جمال عبدالناصر، بعبارة أخرى، استغلت المؤسسة العسكرية التاريخ الوردي والفرصة الاقتصادية السانحة للظهور كنواة لطبقة حاكمة جديدة في مصر.
ورجححت دراسة كارينغي أن الانتقال إلى حكم المؤسسة العسكرية في العام 2013 ربما يكون بمثابة بداية النهاية لحقبة المؤسسة العسكرية في السلطة، حيث يزيد دمج الطبقة الحاكمة الجديدة من فرص ظهور فسادها وعدم كفاءتها.
ومنذ تولي السيسي السلطة في مصر عقب انقلاب عسكري عام 2013، أحكم الجيش سلطته على العديد من القطاعات الاقتصادية.

ولا تزال العديد من القطاعات تخضع لسيطرة الجيش الآخذة في التزايد، بما في ذلك العقارات والمياه المعدنية والأجهزة المنزلية ومحطات البنزين واللوحات الإعلانية وإنشاء الطرق ومصانع الإسمنت والأدوية والمنتجعات والمدارس الدولية، وغيرها.
يشار إلى أن سياسات العسكرة وترسية المناقصات بالأمر المباشر حققت المزيد من الفساد الاقتصادي، وهروب الاستثمارات الأجنبية خارج مصر، وتحول كبريات الشركات المدنية لمجرد مقاولين من الباطن، حيث يستولي العسكر على المناقصات بالأمر المباشر، ثم يعطون تلك المناقصات لشركات مدنية نظير الحصول على نسبة أرباحهم البالغة 30%، دون أي مجهود من قبلهم ، وهو ما يجعل الشركات المنفذة تخصم من جودة أعمالها مقابل تلك النسبة "30%" مع ضمان تمرير أعمالهم من قبل المؤسسة العسكرية صاحبة المناقصة الأصلية، والتي لا شك تتغاضى عن المواصفات الفنية القياسية المطلوبة بالأعمال.. وهو ما يكبد الشعل مقدراته بل وحياته في أحيان كثيرة..وهو ما ظهر جليا في سوء تنفيذ الطرق والكباري التي سرعان ما تنهار فور إنجازها أو أثناء إنجازها، مثل طرق شرم الشيخ وكباري أسيوط وكفر الشيخ وميدان الساعة بمدينة نصر… وهكذا يدفع المصريون ثمن تغول العسكر على اقتصاد مصر.