ترى صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية أن هزيمة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب أمام المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، تمثل شهادة وفاة لصفقة القرن التي تبنتها إدارة ترامب التي تنتمي إلى اليمين المتطرف.
وبحسب افتتاحية الصحيفة العبرية التي كتبها ناحوم برنياع، فإن ترامب اتخذ العديد من القرارات خلال فترة رئاسته "رحب معظم الصهيونيين بها؛ لقد اعترف بالقدس عاصمة لالكيان الصهيوني، ونقل السفارة إلى القدس؛ اعترف بضم هضبة الجولان؛ وشدد العقوبات على إيران، وعمل على تطبيع الإمارات".
وتؤكد الصحيفة أن معظم هذه الخطوات وإن لم يكن كلها ستبقى بعده، في إشارة إلى عدم قدرة إدارة بايدن القادمة على التملص من هذه القرارات التي مثلت قفزة في الانحياز الأمريكي لالكيان الصهيوني على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية.
وبحسب الصحيفة العبرية فإن "سلوك ترامب منذ الانتخابات، فاقم الشحنات الانفعالية تجاهه؛ التقاليد السياسية الأمريكية تتضمن طقسا ثابتا، يهاتف المهزوم المنتصر، يمجد حسم الشعب، ويتمنى له النجاح، وأما إذا قرر المهزوم التصدي للنتائج في المحاكم، فعليه فعل ذلك عبر محاميه، بكياسة ووفقا للقواعد"، منوهة إلى أن ترامب تصرف بعد الانتخابات "كمن يسعى إلى إحراق النادي".
مضيفة أن ترامب "اشتكى في المحاكم من التزوير، دون أن يجلب دليلا واحدا، كذبة لاحقت كذبة، وكانت الأكاذيب مكشوفة، منقطعة عن الواقع حيث إنها دفعت شبكات التلفزيون لوصف الرئيس، بأنه كذاب عضال، وشخص يعيش في الخيال وفقد الارتباط بالواقع".
وتمضي الصحيفة نحو التأكيد على أن ترامب انتهى فعليا وبات من الماضي وسوف يدخل بايدن البيت الأبيض ليواجه تحديات صعبة جدا؛ أمة منقسمة، وباء معربد، مشاكل اقتصادية"، مضيفة أنه "في هذه الأثناء، نصف أمريكا يحتفل والثاني، الذي صوّت لترامب، مرتبك؛ هل يسلم بهزيمته، ويبحث عن سبيل مشترك أم سيواصل المشادة على الإرث الأمريكي؟".
وحول تداعيات نتائج الانتخابات الأمريكية على الكيان الصهيوني، تؤكد الصحيفة أن الصهيونيين يبدون اهتماما كبيرا بآثار انتصار الديمقراطيين على الشرق الأوسط والكيان الصهيوني؛ مع الإقرار بوجود فوارق بين بايدن وترامب، وأن الرئيس المنتخب لن يشعر بالإهانة من المكالمة الهاتفية التي تأخرت في الوصول من نتنياهو، لأن منظومة العلاقات التي تربط بايدن بتل أبيب عميقة وأكبر من أن تتعلق بمكالمة هاتفية واحدة". وأكدت أن "بايدن ينتمي إلى المجموعة الأكثر تأييدا للكيان الصهيوني في الحزب الديمقراطي، وقد قال ذات مرة إنه صهيوني؛ وكان يقصد أن الفكرة التي أقامت الكيان الصهيوني تعجبه".
ورأت الصحيفة أن "الموضوع الفلسطيني، أقل إلحاحا من ناحية الأمريكيين ولكنه ملح من ناحية الفلسطينيين"، مؤكدة أن "خطة القرن للرئيس ترامب ماتت في ليلة الانتخابات، وحل الدولتين يعود لطاولة المباحثات، بقوى متدنية".
ويعتبر زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي هو أول من كشف الغطاء عن مصطلح "صفقة القرن" وذلك خلال زيارته لواشنطن في إبريل 2017م بعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية بشهور قليلة. وأبدى السيسي حماسا منقطع النظير في دعم وتسويق هذه الصفقة قائلا: "ستجدني بكل قوة ووضوح داعما لأي مساع لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في صفقة القرن، ومتأكد أنك تستطيع أن تحلها". واللافت في الأمر أن السيسي أخرج المصطلح من دائرة "الغرف المغلقة" إلى دائرة الإعلام بهذا التصريح الحماسي، وهو ما قوبل برد ترامب: "سنفعل ذلك سويا، سنحارب الإرهاب سويا وستمتد صداقتنا طويلا". وهي إشارة لا تخفى دلالتها على أن الحرب المزعومة على الإرهاب يراد لها أن تستعر وتستمر من أجل تمرير هذه الصفقة الحرام.
وفي 6 ديسمبر 2017م، خطا ترامب خطوة واسعة في تنفيذ الصفقة معلنا بشكل رسمي الاعتراف بالسيادة الصهيونية على القدس باعتبارها عاصمة موحدة لـ"الكيان الصهيوني". وهو ما قوبل من جانب نظام الدكتاتور السيسي وعواصم تحالف الثورات المضادة بردود فعل شديدة الضعف والهشاشة؛ ما اعتبر تواطؤا فجا أمام المؤامرة.
بعد ذلك بشهر واحد وفي يناير2018م ، بثت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تسريبا لإعلاميين وممثلين مصريين يتلقون توجيهات من ضابط المخابرات أشرف الخولي، وتضمنت التسريبات تعليمات للإعلام بتناول قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لالكيان الصهيوني، بشكل يمهد للرأي العام قبول القرار، لكن قناة "مكملين" بثت تلك التسجيلات الصوتية، حيث ظهر صوت "الخولي" وهو يأمر الإعلاميين بترديد فكرة "ما الفرق بين القدس ورام الله" كعاصمة للدولة الفلسطينية. ومن أسباب الاهتمام الدولى والعربى البالغ بتلك التسريبات، منسوبة إلى توجيهات أمنية من جهات تسمى "سيادية"، أنها تسلط الضوء على ازدواجية الموقف المصري بين ما هو معلن وما هو فعلى فى قضية القدس ومستقبلها.
وفي فبراير 2019م، ورغم الدعاية الإعلامية والحكومية الضخمة باكتفاء مصر من الغاز بعد الاكتشفات الجديدة في حقل ظهر وغيره؛ إلا أن السيسي فاجأ الجميع وأبرم صفقة الغاز مع الصهاينة والتي تقدر بحوالي 20 مليار دولار لمدة 15 سنة وتقضي باستيراد مصر للغاز المصري والفلسطيني المنهوب من جانب الصهاينة بقيمة تزيد بـ3 أضعاف على الأقل من قيمته في السوق العالمي. وهي الخطوة التي تمثل جزءا من الصفقة الحرام بإدماج الكيان الصهيوني في المنطقة وفق نظرية إعادة هندسة وتصميم التحالفات الإقليمية بجعل إيران والإسلاميين هم العدو الأول للنظم العربية بدلا من الكيان الصهيوني، وهي الرؤية التي تمثل انقلابا شاملا على الأمن القومي المصري والعربي على حد سواء.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، عبّر العديد من مسئولي السلطة الفلسطينية مرارًا وتكرارًا عن استيائهم، خارج المحاضر الرسمية، لما اعتبروه ضغوطًا مصرية وإماراتية وسعودية على الفلسطينيين لتجنب رفض "الصفقة". ووفقا لموقع "مدى مصر"، قال هؤلاء المسئولون مرارًا وتكرارًا إن هذا الضغط، وخاصةً من مصر، كان بمثابة تحوّل كبير عن الموقف المصري التقليدي الذي ظل ثابتًا على الدوام تجاه المطالب الأساسية لحقوق الفلسطينيين.