شمَّاعة «الزيادة السكانية»!

- ‎فيمقالات

شمَّاعة جديدة للنظام يلقى عليها فشله ويحاول إقناع العوام بها، بعد إجهاض شماعتى: «الإرهاب» و«كورونا» وبعد ملل الناس من فزاعة «الإخوان». الشماعة هذه المرة هى «الزيادة السكانية»، واختيار هذه الشماعة لضرب عصفورين بحجر؛ ففيها إرضاء لحكومة العالم الخفية (الصهاينة) التى تتسلط على الأنظمة المتهالكة وغير الشرعية فى تنفيذ خططها لتقليل سكان المعمورة [كما أشرتُ فى مقال سابق عن مؤامرات كونية لخفض نسب السكان]، أما العصفور الآخر فلإلصاق تهمة الفشل بتلك الزيادة.

وبما أن السياسيين لا يقنعون فلا بد من محلل دينى لإقناع الجماهير؛ فخرج المفتى ليبرر ما قالوا، فأفتى بجواز تحديد النسل، قال: «إن تحديد النسل جائز شرعًا، وإنه يجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما». ما المناسبة التى تجعل مسألة «الزيادة السكانية» تطرأ فجأة على السطح إلا كما أسلفت؛ مع العلم أنه خلال الست سنوات الماضية -ولأول مرة فى تاريخ المصريين- تتراجع نسب الزيادة السكانية، حسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. وكما لا يخفى فإن تلك نتيجة طبيعية لما يعانيه المصريون من ندرة الزواج لانعدام القدرة عليه إلا للأغنياء، ولافتقاد الرعاية الصحية لمن أصابتهم ضغوط النظام بالعديد من الأمراض القاتلة.

لم يستحيوا إذًا فى ظل هذا التراجع السكانى وفى ظل تلك الأوضاع المتردية عن السير فى «السيناريو» الذى رسموه لأنفسهم، وليذهب الشعب إلى الجحيم، ولم يفكروا لحظة فى أنهم يناقضون أنفسهم، وأنهم سيكونون عُرضة للنقد والسخرية، فالذى يطالب بتحديد النسل منهم لديه «أورطة عيال»، وفى حين يرغبون فى خفض نسب السكان وهم مائة مليون على مساحة شاسعة من الأراضى لم يُستغل سوى أقل من ثلثها فضلًا عن موارد ومعادن وبحار هائلة -هناك دول مليارية لا تشكو من انفجار سكانها، بل تعتبره موردًا وطنيًا من أهم الموارد؛ إذ فى مقابل تلك الزيادة توسعت فى خدماتها، وحسّنت تعليمها وتدريبها، وزادت رقعتها المأهولة؛ بمد الطرق ونشر العمران وتأهيل مواطنيها للتصنيع والتطوير.

إن دولة كاليابان التى يبلغ سكانها (130) مليون نسمة، لا زالت تدعم خطة زيادة أعداد مواطنيها رغم ضيق مساحتها (377) ألف كيلو متر، أى ثلث مساحة مصر، وأراضيها لا تصلح لزرع ولا لقلع؛ إذ إنها تحت حزام نارى، وقد ضُربت من قبل بقنبلتين ذريتين.. وكذلك الصين، والهند، وإندونيسيا وغيرها. إذًا التقدم والتحضر ليسا مرتبطين بزيادة أو بقلة السكان، بل إن قلتهم تجلب المشكلات التى ربما هددت وجود الدولة، كما يحدث فى أوربا الآن، التى زادت فيها أعداد الوفيات على أعداد المواليد، وانخفضت أعداد الشباب؛ ما اضطر إيطاليا مثلًا إلى رصد مكافأة سخية لمن ينجب تزداد هذه المكأفاة بزيادة الأبناء.

ولن نذهب بعيدًا فإن دول الخليج المجاورة باتت تشجع زيادة سكانها؛ لما سوف تعانيه من آثار كارثية على المدى البعيد بعدما زادت أعداد الوافدين فى بعضها على أعداد السكان (الإمارات)، وبعدما أظهرت جائحة كورونا خطر الاعتماد على الأجنبى الوافد، وأنه لا بد من نسب سكانية عادلة تكفى لتغطية الخدمات ومواجهة الطوارئ [السعوديون؛ 23 مليون نسمة يخدمهم 11 مليون وافد]. هذا فضلًا عن الأموال الهائلة التى تخرج من هذه الدول أجورًا لهذه العمالة وقدرت فى المملكة السعودية وحدها بنحو (60) مليار ريال سنويًّا.

الحقيقة أن زيادة السكان مطلب وطنى؛ فإن زيادتهم رادع لكل طامع، فلا يجرؤ عدو على مواجهتهم، وإن فعل فإنه لا يستطيع الاحتفاظ بأرض ملغَّمة بالسكان [الأستاذ الذى درّسنا الجغرافية السياسية فى الثمانينيات كان يقول: كان يمكن للصهاينة أن يدخلوا القاهرة فى أكتوبر 1973 بسهولة بعدما وصلوا إلى الكيلو 101 لكن: من أين لهم القوة التى تسيطر على سكانها، فلو أن كل امرأة صرخت صرخة واحدة لمات جنودهم من الفزع]، وهذا ما يجعل منطقة الخليج بثراوتها البترولية وموقعها الجغرافى فى مقابل قلة سكانها مطمعًا للقوى العالمية.

وهو أيضًا مطلب دينى؛ فقد حرّم الإسلام الإجهاض وقتل الأولاد خوف الفقر، مؤكدًا أن رزقهم وعونهم على الله، وفى الوقت نفسه أسهب فى طرق العيش بكرامة، وحض على العمل، وحذر من المسألة، وأشاد باليد العليا وهذه أبواب معلومة فى الفقه لمن أراد الرجوع إليها. كما حض على الزواج والتناسل بل الإكثار من الأولاد فقال النبى ﷺ: «تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأمم». ذلك أن زيادة السكان إن أُحسن استثمارها تعنى القوة والرفاه والثقل الدولى، أما عند الفاشلين العشوائيين من لا ينشغلون إلا بمصالحهم فهى أنكى من «الإرهاب» -حسب قول أحدهم.