“ميدل إيست آي”: سياسات السيسي الاقتصادية تدفع مصر إلى الهاوية

- ‎فيتقارير
Abdel-Fattah El-Sisi, Egypt's president, prepares for a family photo with leaders of other African countries at the U.K. - Africa Investment Summit at the Intercontinental Hotel in London, U.K., on Monday, Jan. 20, 2020. Johnson will reinforce his vision of a global Britain trading freely outside the EU on Monday, when he hosts African leaders at an inaugural summit. Photographer: Hollie Adams/Bloomberg via Getty Images

نشرت صحيفة "ميدل إيست آي مقالا للمحلل السياسي ماجد مندور أكد خلاله أن ضعف القطاع الخاص، ونظام الضرائب التنازلية، وإصرار نظام السيسي على مشاريع البنية التحتية الكبيرة الممولة من الديون؛ يقود إلى الانهيار المالي. وبحسب المقال الذي ترجمته "الحرية والعدالة"، ففي مارس 2015، قال عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، في مؤتمر دولي للاستثمار إن مصر بحاجة إلى 200-300 مليار دولار "للتطوير"، في ذلك الوقت، بدا الأمر مبالغا فيه للغاية، نظرا إلى أن حجم الاقتصاد المصري في عام 2015 كان 332 مليار دولار.

وفي نوفمبر 2019، عندما تباهى السيسي بأن الدولة استثمرت 200 مليار دولار في مشاريع على مدى السنوات الخمس الماضية، وهو إنجاز رائع، لكنه أهمل الإشارة إلى أن النظام اتبع سياسة النمو المدفوع بالديون والاستثمارات الضخمة في مشاريع البنية التحتية الضخمة ذات الفوائد الاقتصادية المشكوك فيها، مما وضع الأسس لأزمة اقتصادية عميقة لم تتكشف بعد.

وقال كاتب المقال إن جذور الأزمة في الاقتصاد السياسي للنظام، تكمن في أنه أنتج شكلا جديدا من رأسمالية الدولة العسكرية التي تعتمد على تخصيص الأموال العامة لإثراء النخب العسكرية، إلى جانب التقشف المفترس، بدلا من التركيز على تطوير ميزة تنافسية دائمة ترتكز على قطاع خاص ديناميكي ومبتكر.

وأضاف أن ذلك لم يؤد إلى أداء مخيب للآمال في القطاع الخاص فحسب؛ بل أدى أيضا إلى ارتفاع مستويات الفقر، وانخفاض مستويات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وضعف الطلب في السوق المحلية، ويقترن ذلك بضعف القاعدة الضريبية وتقلص الإيرادات الحكومية، ما يعني أن الطريقة الوحيدة لتراكم رأس المال العسكري للدولة هي من خلال الائتمان الإضافي.

وهذا يفتح الطريق نحو أزمة ديون عميقة، لا بد أن تحدث في حالة حدوث تباطؤ اقتصادي دولي، وقد تؤدي أزمة الائتمان اللاحقة إلى التخلف عن سداد الديون، وانهيار العملة، والتضخم المفرط – وهي الشروط الأساسية لحدوث اضطراب اجتماعي جماعي.

وأوضح أنه في نوفمبر الماضي، أصدر البنك الدولي تقريرا توقع أن تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر إلى 96 % بنهاية العام المالي 2020/2021، مقابل 90% المتوقعة في الشهر السابق، وهذه زيادة عن 87 % في عام 2013 عندما تولى الجيش السلطة.

وخلال الفترة نفسها، ارتفع مستوى الدين الخارجي من 16% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 إلى 39 % في عام 2019، ليصل إلى أعلى مستوى تاريخي له عند 123.5 مليار دولار في يونيو الماضي.

وفي مايو الماضي، أصدرت حكومة الانقلاب سندات أجنبية بقيمة 5 مليارات دولار، وهو أكبر إصدار في تاريخ البلاد، تلاه إصدار آخر للسندات بقيمة 3.75 مليار دولار هذا الشهر، وقد تسبب هذا الارتفاع السريع في مستوى الديون في ضغط كبير على ميزانية الدولة؛ في 2020/2021، تم تخصيص ثلث النفقات لتغطية سداد القروض والفوائد، التي بلغت 556 مليار جنيه مصري (35 مليار دولار).

ضغوط الميزانية

وأشار الكاتب إلى أن انخفاض الإيرادات الحكومية وضعف القاعدة الضريبية، فضلا عن ضعف أداء القطاع الخاص، يضاعف من هذا الضغط على الميزانية، مما يضع ضغوطا إضافية على المالية الحكومية، والاقتراض هو الخيار الوحيد الممكن ليس فقط لتغطية العجز الحكومي، ولكن أيضا لمواصلة حملة الاستثمار الضخمة للنظام.

وقد انخفضت الإيرادات الحكومية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من 22 % في عام 2013 إلى 19 % في عام 2020، وهذا منخفض بالفعل بالمعايير الإقليمية، حيث بلغت البلدان المجاورة، مثل المغرب وتونس، 27.5 % و25 % على التوالي.

وفي الوقت نفسه، فإن النظام الضريبي الضعيف والمتراجع في مصر مليء بالإعفاءات الممنوحة للشركات الكبيرة، العسكرية منها والمدنية على حد سواء، مما يفيد إثراء النخبة، كما أنه يضعف الإيرادات الضريبية، التي بلغت 14 % من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لوزارة المالية بحكومة الانقلاب في عام 2020، وهو أقل من المتوسط الإفريقي البالغ 16.5 % في عام 2018 (حيث بلغت نسبة المغرب وتونس المجاورين 28 % و 32 % في ذلك العام).

ولفت إلى أنه مما يزيد المشكلة سوءا ضعف أداء الاقتصاد المصري من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن أداء القطاع الخاص، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.8 % في العام 2015-2019، وهو ما لا يزال أقل من متوسط السنوات الخمس الأخيرة من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، على الرغم من أنه أعلى من النصف الأول المضطرب من عام 2010.

وفيما يتعلق بأداء القطاع الخاص غير النفطي، فقد نما حتى يناير 2020 لمدة ستة أشهر فقط من أصل 54 شهرا، ويمكن أن يعزى هذا الأداء السيء جزئيا إلى انخفاض الاستهلاك المحلي، الذي يعكس ضعف الطلب المحلي وسط ارتفاع الفقر، الذي لم يوازنه ازدياد أداء الصادرات.

وبين عامي 2015 و2018، انخفض المستوى الإجمالي للاستهلاك بنسبة 9.7 % في حين ارتفع مستوى الصادرات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف، من 17 % إلى 17.5 %، وفي عام 2019، شكلت الصادرات غير النفطية 48٪ من إجمالي الصادرات، ما يدل على ضعف الوضع التنافسي لمصر، ومن المتوقع أن يتباطأ معدل النمو الاقتصادي أكثر من ذلك ليصل إلى 3.5 % في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 2.3 % في عام 2021 وسط وباء "كوفيد-19".

ما إمكانية الإفلاس؟ 

وأشار الكاتب إلى أن مصدر النمو الاقتصادي في مصر يكمن في التدفق الهائل لرأس المال من أجل البنية التحتية والبناء، وفي عام 2019، وهو العام الذي شهد أعلى معدل نمو منذ استيلاء السيسي على السلطة، كان أكبر مساهم هو قطاع البناء والتشييد، الذي نما بنسبة تقدر بـ 8.9 %، مدفوعا بمشاريع السيسي العملاقة.

إن العائدات من معظم هذه المشاريع مشكوك فيها في أحسن الأحوال، فعلى سبيل المثال، أدى توسع قناة السويس، الذي كلف 8 مليار دولار لإتمامه في عام 2015، إلى زيادة إيرادات القناة بنسبة 4.7 % فقط على مدى فترة خمس سنوات، لتصل إلى 27 مليار دولار خلال تلك الفترة، وهو ما يبعد كثيرا عن العائد السنوي البالغ 100 مليار دولار الذي وصفه النظام في بداية المشروع.

ومع ضعف القطاع الخاص، ونظام الضرائب التنازلي، وإصرار النظام على مشاريع البنية التحتية الكبيرة الممولة من الديون، فقد زرعت بذور الانهيار المالي.

وأوضح أنه ليس أمام نظام السيسي من خيار سوى الاستمرار في سداد ديونه ومحاولة خفض الإنفاق الحكومي من خلال تدابير تقشفية متزايدة من شأنها أن تزيد من الفقر، وتُحدِد التضخم وتضعف الطلب المحلي، وهذا بدوره سيدفع النظام إلى اقتراض المزيد لتلبية احتياجاته التمويلية.

وتتفاقم هذه الدورة بسبب المشاريع الاستثمارية ذات العائدات المنخفضة التي لا تؤدي إلا إلى إثراء النخب العسكرية، وإذا نضبت مصادر الائتمان، وهو أمر ممكن في ظل تغيرات في الاقتصاد العالمي، فإن مصر ستواجه إفلاس الدولة المحتمل. وستكون الاضطرابات الاجتماعية المصاحبة والتضخم المفرط وخفض قيمة العملة ذات حجم تاريخي، وستكون التكاليف البشرية هائلة بالنسبة لمصر والمنطقة.    

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/egypt-economic-crisis-profound-brink-teeters