كتب- سيد توكل:
تمر اليوم ذكرى إحراق الشاب محمد البوعزيزي نفسه في 17 ديسمبر 2010، وهي الحادثة التي أطلقت شرارة الثورة في تونس، وأدت إلى سقوط نظام بن علي وهربه مع عائلته إلى السعودية.
بينما تتواصل في العاصمة التونسية، اليوم السبت، جلسات الاستماع العلنية لضحايا الاستبداد التي تنظمها "هيئة الحقيقة والكرامة"، ويتناقض ذلك مع حالات القمع التي باتت تشهدها البلاد تحت حكم الجنرال "الباجي قائد السبسي"، وهو من رجال الرئيس التونسي المخلوع.
وتعد هذه الشهادات هي الثانية من نوعها، بعد الشهادات الأولى في جلستي 17 و18 نوفمبر في إطار عمل "هيئة الحقيقة والكرامة" التي أنشئت في 2013 من أجل تفعيل "قانون العدالة الانتقالية" في تونس.
معاناة معيشية صعبة
وتعود بداية القصة عندما أقدم شاب يبلغ من العمر 34 عاما، ويعمل بائعا متجولا، على إضرام النار فى جسده بمنزله بولاية المنستير الساحلية التونسية، ليصاب بحروق بالغة قبل نقله إلى المستشفى الجامعى؛ لإنقاذه.
وذكرت صحيفة "الشروق" التونسية، أن سبب إقدام الشاب التونسى على محاولة الانتحار يرجع إلى معاناته من وضعية اجتماعية واقتصادية صعبة، حيث اشتكى مرارًا من عدم قدرته على تأمين حاجيات أبنائه وزوجته.
ويعمل المتضرر بائعا متجولا وكان يعانى من ملاحقة الشرطة البلدية له بصفة مستمرة، ما جعله عاطلا عن العمل غير قادر على الوفاء باحتياجات عائلته، وهو ما اضطره للإقدام على الانتحار حرقا حسب ما أكدته شقيقته في تصريح للصحيفة التونسية.
على خطى مقاومة القمع!
وعلى نهج البوعزيزي الذي فجر ثورة الياسمين التونسية بنيران جسده المحترق عام 2011، سار ثلة من الشباب العربي من موريتانيا وتونس والجزائر واليمن والأردن ومصر وفلسطين ولبنان، اختاروا الاحتجاج بالنار وسيلة لتحقيق مطالبهم، وفي شهر مايو من العام 2013 قالت دراسة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية ان عدد الذين أقدموا على إضرام النار في أنفسهم على غرار البوعزيزي، وصل إلى 178، توفي منهم 143.
وتعد هذه هي الحالة التاسعة تقريبا التي تشهدها تونس، فعلى خطى البوعزيزي اضرم اكثر من 7 شباب النار في اجسادهم في عدة اماكن مختلفة من تونس، ففي مارس 2013 قام بائع سجائر متجول باضرام النار في جسده أمام مقر المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس.
وشهد منتصف العام 2014 خمسة حالات انتحار خلال اسبوع واحد، حيث أقدم عبد القادر بن محمد الحباسي "34 عامًا" من مدينة قرمبالية التابعة لولاية نابل على إضرام النار في جسده داخل المحكمة الابتدائية بعد خروجه من جلسة كانت تنظر في قضية عائلية.
كما لقى شاب تونسي اخر حتفه عقب اشعاله النار في جسده بعد ان قامت الشرطة بقطع التيار الكهربائي عن كشك يعمل به باحدى شوارع مدينة المروج بالضاحية الجنوبية لتونس.
كما سجلت عدة مدن حوادث حرق احتجاجا على الاوضاع المعيشية في تونس منها قفصة (جنوب غرب البلاد)، حيث أقدمت فتاة في العقد الثالث من عمرها على إضرام النار في جسدها، وفي حي "دوار هيشر" بالضاحية الغربية لتونس العاصمة، ومدينة طبرقة من محافظة جندوبة، وبنزرت وحادثتين في بلدة "الطويرف" من محافظة الكاف، كما في مدينة القصرين.
الانتحار ظاهرة تلازم الانتهاكات
ويقول لطفي دخليلي الناشط الحقوقي التونسي، ان الاحتجاج بالنار والموت حرقا تحول الى ظاهرة في تونس، خاصة بين البائعة المتجولين منذ ان قام محمد البوعزيزي باضرام النار في جسده في 17 ديسمبر 2010، ليفجر الثورة التي اسقطت نظام الرئيس زين العابدين بن علي، والذي فر الى السعودية في 13 يناير 2011.
وأضاف دخليلي، ان سوء الاوضاع المعيشية وتفشي الفقر والبطالة حصر خيارات الشباب التونسي اما في الانضام للتنظيمات الارهابية المتطرفة مثل داعش، او الانتحار حرقا احتجاجا على سوء اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
واشار الناشط الحقوقي التونسي، الى ان منظمة الصحة العالمية سجلت خلال 3 اشهر فقط 46 حالة انتحار في تونس، ورغم اختلاف طرق الانتحار الا انها تعكس نفس الاسباب وهي الشعور باليأس والاحباط والزهد في الحياة ومن ثم يلجأ الشباب اما الى الانتحار المباشر بالحرق او اي اساليب اخرى او الى الانتحار غير المباشر من خلال الالتحاق بالجماعات الإرهابية.
وقال دخليلي، ان تقارير دولية اكدت بناء على دراسات علمية، أن الدول العربية التي شهدت "الربيع العربي" هي الأقل سعادة في الشرق الأوسط والعالم.
وأضاف الناشط الحقوقي التونسي: "اذا علمنا ان كثر من 500 ألف تونسي يعيشون بأقل من دينار في اليوم، وان مجتمع ترتفع نسبة الفقر فيه لتصل إلى 24 % من عدد السكان، أي أن ربع سكانه هم فقراء، وان هناك مليون عاطل عن العمل فكيف لا يتحول المجتمع التونسي الى مجتمع انتحاري ومنحرين اما بالنار أو عبر تنظيمات داعش".