كعك العيد وسد النهضة.. كيف دمر السيسي الموقف المصري أمام إثيوبيا؟

- ‎فيأخبار

تأتي دعوة وزارة الري والموارد المائية بحكومة الانقلاب المواطنين إلى الاقتصاد في كعك عيد الفطر باعتباره من مصادر الإهدار المائي في البلاد، لتكشف إلى أي حد تبلغ مخاطر السد الإثيوبي على مصر في القريب العاجل. الأمر الذي يسلط الضوء على الجريمة التي ورط فيها الطاغية عبدالفتاح السيسي مصر بالتوقيع على اتفاق مبادئ سد النهضة في مارس 2015م وهو ما شرعن عمليات بناء السد والذي كان حتى ذلك التاريخ إنشاء مخالفا للقانون الدولي ولا يستطيع الإثيوبيون الحصول على تمويلات لبنائه لأنه إنشاء مخالف. لكن توقيع السيسي شرعن بناء السد ومنح الإثيوبيين القدرة على الحصول على تمويلات ضخمة لبنائه. ولهذه الأسباب تتمسك إثيوبيا بهذا الاتفاق تمسكا كبيرا باعتباره الوثيقة الوحيدة التي وقعت عليها مصر وتمنح بناء السد شرعية كانت مفقودة وبعيدة المنال.
من ضرورات الأسف والتوعية التذكير بأن جريمة التوقيع التي قام بها السيسي على اتفاق المبادئ لم تكن تستهدف مطلقا خدمة المصالح المصرية وحماية الأمن القومي للبلاد بقدر ما كانت مصلحة شخصية للجنرال الذي كان قد اغتصب الحكم لتوه بانقلاب عسكري، وكان يعاني من أزمة كبيرة في الشرعية والاعتراف بنظامه العسكري الذي سطا على الحكم بأداة غير دستورية. فقد كان الاتحاد الإفريقي قد علق عضوية مصر في الإتحاد لأن الجيش استولى على الحكم بأداة غير دستورية، فكان التوقيع على اتفاق المبادئ مقابل اعتراف الإتحاد الإفريقي بنظام السيسي وكانت صفقة الخراب على مصر.
اللافت أن الجنرال السيسي على مدر السنوات اللاحقة تعامل باستخفاف مع الأزمة التي تهدد الوجود المصري، وتكفي الإشارة إلى المشهد الهزلي له مع آبي أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية عندما كان في زيارة للقاهرة فطلب من السيسي القسم أمام الكاميرات بأنه لن يضر بمصر أبدا في أزمة سد النهضة، ويا لها من فضحية مدوية كانت تستوجب الإطاحة بالجنرال ومحاكمته على هذا العبث وتلك الفضيحة.
وبثت وزارة الري بحكومة الانقلاب، عبر حسابها الرسمي على "فيسبوك"، مقطع فيديو تحت شعار "حافظ عليها.. تلاقيها"، يظهر فيه شخصيتان كارتونيتان باسم "تيمو" و"فيرو"، أثناء عملية التحضير لعمل كعك عيد الفطر، ويدور بينهما حوار حول ما يحتاجه كيلو الكعك من مياه. وبينما أشار "تيمو" إلى أن الكيلو لا يحتاج سوى نصف كوب من المياه، أكد "فيرو" أن حساب مقدار المياه الداخلة في صناعة "مكونات" الكعك يصل بالحساب الإجمالي إلى نحو 6 آلاف لتر من المياه لكيلو الكعك الواحد.
وأثار الفيديو سخرية واسعة بين المعلقين حيث أشار بعضهم إلى احتمال ارتباط إعلان "تيمو" و"فيرو" بتجهيز الشركات التابعة للجيش حملة بيع قياسي لكعك العيد هذا العام. ويتهم المعارضون المؤسسة العسكرية باتباع سياسة احتكارية من شأنها القضاء على المنافسة الطبيعية في الاقتصاد، ما أدى إلى خلق مناخ طارد للاستثمارات.
ويأتي بث المقطع في ظل جهود تبذلها وزارات الحكومة لتقليل هدر المياه في ظل إعلان وزارة الري، الأسبوع الماضي، دخول البلاد مرحلة صعبة من الفقر المائي، وسط توقعات بتفاقم تلك الحالة في يوليو المقبل، على خلفية مضي إثيوبيا قدما في الملء الثاني لسد النهضة دون اتفاق مع مصر والسودان.
وتصر أديس أبابا على الملء الثاني في موعده حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق ثلاثي بشأن السد الواقع على النيل الأزرق، وهو الرافد الرئيس لنهر النيل. وأقرت إثيوبيا في منتصف يوليو 2020 بدء الملء الأول لسد النهضة، في إجراء أحادي الجانب، دون التوصل إلى اتفاق ملزم حول ذلك مع دولتي المصب.
وتتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق حول الملء والتشغيل يحافظ على منشآتهما المائية، واستمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه النيل‎، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب، على الترتيب. بينما تزعم إثيوبيا أن حقها في التنمية يقتضي ألا تعترف بأي حقوق استعمارية لمصر أو السودان – بحسب أديس أبابا- وبذلك يتحول النيل إلى بحيرة إثيوبية خالصة، فيما يشرد أهالي الدلتا التي سيفقد نحو 40 مليون منهم وظائفهم بالزراعة وهو ما يضاعف من كلفة الأمن الغذائي بمصر.
وسبق أن هدد السيسي بأن الملء الثاني لسد النهضة بمثابة خط أحمر، إلا أن التهديدات العسكرية تراجعت وتيرتها، مع دخول الإمارات على الخط وتقديم مبادرة استثمارية تقوم بمقتضاها مصر بزراعة المحاصيل الإستراتيحية في إثيوبيا على أن يجري تصديرها للإمارات والقاهرة، دون الحديث عن سد النهضة نهائيا، فيما تسعى دوائر صهيونية ودولية لتمرير المياه إلى غسرائيل عبر سيناء مقابل الحفاظ على حصة مصر، مع الاتجاة لتسعير المياه مقابل استثمارات ستدفعها إسرائيل لإثيوبيا وبذلك يتحول النيل لسلعة بعد أن كان نهرا طبيعيا تعيش عليه شعوب المنطقة.