“انقلاب تونس”.. لماذا ينتقم المجتمع الدولي من الديمقراطية في الوطن العربي؟

- ‎فيتقارير

في أي دولة يقع فيها انقلاب لو زاد عن 6 ساعات فإن الخونة في تلك الدولة أكثر من الشرفاء، ولو زاد أكثر من عدة أشهر فإنه مستمر لسنوات، وإن سكان تلك الدولة التعيسة على موعد مع العجب العجاب والكباري والعجلة والجمهورية الجديدة، وذلك ما جرى التحضير له ووقع في تونس بمباركة مما يسمى بـ"المجتمع الدولي".
وتوالت ردود النفاق الدولي المنددة على استحياء وخجل بما اعتُبر انقلابا على الديمقراطية في تونس بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، إقالة الحكومة وتجميد البرلمان وتولي مهام السلطة التنفيذية.
ويتمنى الكثيرون من العرب أن تأتيهم الديمقراطية في يوم ما على طبق من الذهب، وغالبا يضعون اللوم على حكامهم الذين عينهم الغرب، وفي كثير من الأحوال يناشد بعضهم الحكومات الغربية “اليمقراطية” كبريطانيا وأمريكا أن تنقذهم من هؤلاء الديكتاتوريين كما حدث في ليبيا ومصر وسوريا وتونس.

ممنوع عربيا
على الشعوب العربية المقهورة أن تدرك بأن الديمقراطية الغربية حق خاص بالغرب، وأن البلدان الرأسمالية لا تسمح بتمتع الشعوب المقهورة بمثل هذه الديمقراطية؛ خوفا من أنها قد تمنع الشركات الرأسمالية من استغلالها، بل قد يقرر شعب ما التحرر من المستعمرين الغربيين.
الخطاب والمقولات التي تُروّج اليوم في مؤتمرات وورش عمل الغربيين عن بلاد العرب، تزعم أن الديمقراطية ليست منتجا يُصدّر كمنتجات ماكدونالدز وكوكا كولا، وأن صون حقوق الإنسان والحريات لا معنى له إذا غابت فرص التنمية الاقتصادية الاجتماعية وتحسين الظروف المعيشية للناس.
ويتبجح قراصنة المجتمع الدولي الرافض لنمو الديمقراطية في بلاد العرب، ويقولون إن "العرب في ثورات الربيع لم يطلبوا الديمقراطية؛ بل طلبوا الخبز وعنوا بذلك فرص العمل والتأمينات الاجتماعية، ويصل بهم الزعم بالقول أن السيناريو الأفضل للعرب ليس التطلع إلى عملية تحول ديمقراطي لا يملكون مقوماتها؛ بل البحث عن تعميم نُظم حكم رشيدة ومستقرة كتلك القائمة في الخليج أو تلك التي يمكن للمؤسسات الملكية أو العسكرية إدارتها على نحو يحتوي التحديات الأمنية كما هو الحال في المغرب والجزائر ومصر.
وكان قيس سعيد أعلن تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، كما قرر تولي السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعينه بنفسه.
وتعليقا على هذه القرارات، أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري رفض ما اعتبره "انقلابا" على الأجسام المنتخبة.
ودوّن المشري عبر حسابه الرسمي على فيسبوك قائلا "فبراير 2014 انقلاب اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، و25 يوليو 2021 انقلاب قيس ما أشبه الليلة بالبارحة"، وأضاف "نرفض الانقلابات على الأجسام المنتخبة وتعطيل المسارات الديمقراطية".
وجاءت قرارات سعيد إثر احتجاجات مُدبّرة أشبه بما تم في مصر عشية الـ 30 من يونيو 2013، شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، حيث طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
وفي تركيا، نددت أوساط سياسية رسمية بقرارات الرئيس التونسي، واصفين إياها بالانقلاب الدستوري غير الشرعي والذي يجب مواجهته.

 

دوامة الضياع
وعلق المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن قائلا: "نرفض تعليق العملية الديمقراطية وتجاهل الإرادة الديمقراطية للشعب التونسي الصديق والشقيق، وندين المبادرات التي تفتقر للشرعية الدستورية والدعم الشعبي، ونعتقد أن الديمقراطية التونسية ستخرج أقوى من هذه العملية".
من جهته قال رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألتون إن "تركيا دائما تقف مع الديمقراطية ومع الشعوب بكل مكان، لقد عانينا كثيرا في الماضي، حين لم يتم نقل السلطة عن طريق الانتخابات، لذا فإننا نشعر بالقلق إزاء آخر التطورات بتونس، ونؤكد على وجوب استعادة الديمقراطية دون إبطاء".
بدورها، اتهمت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة "نوبل" للسلام توكل كرمان الرئيس التونسي "بخيانة ناخبيه"، ووصفت قراراته الأخيرة بأنها "ثورة مضادة".
وقالت كرمان في تغريدة عبر "تويتر" "قيس سعيد انقلابي خان ناخبيه، ما حدث في تونس مجرد ثورة مضادة تنضم إلى مجموعة الثورات المضادة التي قادتها الرياض وأبوظبي للإطاحة بثورات الربيع العربي ومكتسباتها".
وفي ذات السياق، أكد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن "الانقلاب على إرادة التونسيين والمؤسسات المنتخبة واتخاذ إجراءات أحادية أمر خطير ولا يجوز شرعا".
وقال الاتحاد العالمي في بيان له "نؤكد حرمة الاعتداء على العقد الاجتماعي الذي تم بإرادة الشعب التونسي، وينظم العلاقة بين الرئاسة ومجلس النواب ورئاسة الوزراء ويحافظ على مكتسبات الشعب في الحرية وسيادة القانون ورفض الاستبداد والدكتاتورية والتضحية بدماء البررة من الشعب التونسي".

دعوة للتراجع

ودعا الاتحاد "سعيد" إلى "العودة عن هذه القرارات التي تزيد من دوامة الضياع للشعب التونسي وتسهم في تعميق الفوضى والاضطراب".
كما طالب الشعبَ التونسي "بالحفاظ على مكتسباته وتضحياته وحريته وعدم القبول بالعودة إلى الدكتاتورية والتوافق؛ لتجنيب البلاد المخاطر المحتملة بسبب الفراغ والفوضى والانقسام".
وتؤكد بحوث غربية أن "الدولة في بلدان العالم الثالث تكونت لخدمة المستعمرين واتفاق سايكس بيكو لتقسيم الشرق الأوسط خير دليل على ذلك، وفي كل بلد نصّب المستعمر، منذ البداية، رهطا فاسدا وأمينا من العملاء؛ لتسهيل أعمال الشركات التي تدخل البلد مع جيوش الاحتلال، فتمني الشعوب المقهورة بالديمقراطية نمط من الخيال، فالشعوب الصغيرة أو الضعيفة ليست حقا مستقلة؛ لأن الدول الأوروبية وأمريكا لا تعترف بهذا الاستقلال، وغالبا يأخذ الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن قرارات مؤذية ضد الدول الضعيفة؛ فالحرب ضد العراق أو أفغانستان أو ليبيا، بل حتى الحرب الأهلية في سوريا، حدثت بمبادرة وإلحاح الدول الغربية وأمريكا بصورة خاصة".