“فورين بوليسي”: هل يصمت بايدن على انقلاب تونس كما حدث في مصر؟

- ‎فيعربي ودولي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا سلطت خلاله الضوء على انقلاب تونس وموقف الإدارة الأمريكية من قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد بإقالة الحكومة وتعطيل البرلمان.

وقال التقرير الذي ترجمته "الحرية والعدالة" إن "التجربة الديمقراطية في مهد الربيع العربي مُعرّضة لخطر الفشل بفضل لعبة السلطة السلطوية التي يمارسها الرئيس قيس سعيد منذ نهاية الأسبوع، والتي أزاح فيها رئيس الوزراء، وعلق البرلمان، وسيطر على مكتب المدعي العام، وحظر التجمعات العامة لمدة 30 يوما".

وأضاف التقرير أن "إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي لم يصدرا سوى توبيخات خفيفة، وفي الأيام الأخيرة اختفت تونس من العناوين الرئيسية، وفي مكالمة هاتفية يوم الاثنين، وفقا لأحد القراء الرسميين في الولايات المتحدة، حث وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن سعيد على "الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان" وفي وقت لاحق غرد بلينكن قائلا إنه "حث الزعيم التونسي على الحفاظ على حوار مفتوح مع كل الجهات السياسية الفاعلة والشعب التونسي".

وأوضح التقرير أن "ما يسمى بتدابير الطوارئ التي وضعها سعيد لا تزال قائمة، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء إنه لم يتم اتخاذ أي إجراء آخر "نحن نراقب ونشارك"، هذا ما قاله متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لصحيفة فورين بوليسي".

ويقول بعض النشطاء والخبراء الإقليميين إن "هناك حاجة لأشكال أكثر تحديدا من الضغوط الأمريكية، ويقولون إن الحفاظ على الديمقراطية في تونس سيكون اختبارا لالتزام الرئيس الأمريكي جو بايدن المركزي بما أسماه "المسألة الحاسمة لعصرنا"، أي "هل يمكن للديمقراطيات أن تجتمع معا لتحقق نتائج حقيقية لشعبنا في عالم سريع التغير؟".

وصف تشارلز دن، الدبلوماسي الأمريكي البارز السابق الذي يتمتع بخبرة واسعة في الشرق الأوسط، رد إدارة بايدن على الأزمة في تونس بأنه "في مقاعد المتفرجين". فقد قال دن "كانت هناك بيانات عامة مؤيدة للديمقراطية"، ولكن ليس هناك أي تحرك حقيقي، في حين يهتف الحكام المستبدون الإقليميون مثل مصر والمملكة العربية السعودية ويؤيدون انتزاع الرئيس التونسي للسلطة".

ويقول النقاد مثل دن إن "الإدارة فشلت بشكل خطير في ما قاله بلينكن، في خطاب رئيسي في 3 مارس، بأنه سيكون سياسة أمريكية جديدة لتحفيز السلوك الديمقراطي وتشجيع الآخرين على إجراء إصلاحات رئيسية، مكافحة الفساد".

اختبار للشرق الأوسط

ويقول بعض الخبراء إن "البقاء الديمقراطي لتونس هو اختبار للشرق الأوسط بأكمله  وفي الواقع، يمكن أن يساعد على توفير حل طويل الأجل للمشكلة المستمرة للإرهاب".

وقال نوح فيلدمان، أستاذ القانون في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب "الشتاء العربي" لعام 2020 "إن حزب النهضة الإسلامي الشعبي ودوره في الحكومة الائتلافية في تونس "يشكلان في الوقت الحالي حقا اختبارا للديمقراطية ليس فقط في العالم العربي بل وأيضا في العالم الإسلامي عموما" و"إذا كانت هذه الإدارة راغبة في أن تكون جادة بشأن حماية الديمقراطية باعتبارها نهجا سياسيا واسع النطاق، فلن نجد في واقع الأمر سوى قلة من الأماكن الأكثر أهمية، و قد أوضح فيلدمان أن ذلك لن يكلف الكثير".

وأشار التقرير إلى أنه "في حين بقيت واشنطن والعالم الغربي صامتين إلى حد كبير في استجاباتهما، تحث الأنظمة الاستبدادية والممالك العربية قيس سعيد على المزيد من الاستبداد، وتصنف النهضة إلى جانب الجماعات الإسلامية المتطرفة".

وتحدثت صحيفة واشنطن بوست يوم الثلاثاء عن "إشادة الصحف ومعلقو التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي في السعودية والإمارات ومصر بخطوة سعيد باعتبارها انتصارا للإرادة الشعبية على النهضة، فقد سعت الدول الثلاث  وكذلك معارضو النهضة التونسيون  لسنوات إلى ربط الحزب بجماعة الإخوان المسلمين العابرة للحدود الوطنية واتهموه بتشجيع الإرهاب".

وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، قال ملحم، وهو كاتب عمود في صحيفة النهار العربي في بيروت "إن إخوة الأنظمة الاستبدادية العربية آخذة في النمو، وسوف يُحرم الديمقراطيون العرب في أماكن أخرى من نجمتهم الشمالية العابرة الوحيدة"، فقد أشار تقرير صدر هذا الشهر عن منظمة حقوق الإنسان أولا إلى أن استعادة الأنظمة الدكتاتورية العربية ربما، تُولّد جيلا جديدا من الإرهابيين، في مصرأدت حملة القمع القاسية التي شنها عبد الفتاح السيسي، الجنرال السابق الذي استولى على السلطة في عام 2014، على الديمقراطية والنشطاء في مجال حقوق الإنسان، إلى تجنيد نشط من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في نظام السجون في مصر".

ويقول فيلدمان ومراقبون آخرون، فضلا عن العديد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، إن "بايدن قد يبذل المزيد من الجهد لتسليم الرسالة إلى سعيد بأن استمرار تدفق المساعدات الدولية والاستثمار يجب أن يكون مشروطا بالسلوك الديمقراطي، وقبيل تولي سعيد مقاليد الحكم، أقرت مؤسسة تحدي الألفية التابعة للحكومة الأمريكية ما يقرب من 500 مليون دولار كمساعدات لتعزيز قطاعات النقل والتجارة والمياه في تونس. وتسعى حكومة سعيد أيضا للحصول على قرض مدته ثلاث سنوات بقيمة 4 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، والذي يستجيب للضغوط من واشنطن وعواصم كبرى أخرى كما تتمتع واشنطن بنفوذ آخر، وفي عام 2020، وقعت الولايات المتحدة على برنامج للتعاون العسكري مع تونس مدته 10 أعوام، ويُجري الجانبان بانتظام مناورات مشتركة وفي العقد الماضي، استثمرت واشنطن أكثر من 1 مليار دولار في الجيش التونسي، وفقا للقيادة الأميركية في أفريقيا".

ويقول منتقدون آخرون إنهم "يشعرون بخيبة أمل كبيرة إزاء رغبة بايدن الواضحة في الغمز والإيماء إلى طغاة آخرين في المنطقة، مثل السيسي في مصر والملكية السعودية".

لم تطابق الأقوال الأفعال

وقال برايان دولي من قسم حقوق الإنسان أولا في مقابلة "أعتقد أنه من الواضح جدا أنها لم تطابق الأفعال مع الأقوال"، فقد حان الوقت للتوقف عن قول ذلك في الأيام الأولى لهذه الإدارة؛ لأننا في ستة أشهر وليس هناك نهج جديد ملموس" وفي فبراير، وافقت إدارة بايدن على بيع صواريخ إلى مصر بقيمة 197 مليون دولار بعد أيام من احتجاز الحكومة المصرية لأفراد عائلة ناشط مصري أمريكي في مجال حقوق الإنسان".

وبعيدا عن حجب المساعدات الأجنبية التي من المرجح أن تكون هدامة في بلد فقير مثل تونس فإن الإدارة لديها عدد لا بأس به من الوسائل الأخرى التي يمكن استخدامها، بما في ذلك الوسائل الرمزية المهمة مثل رفض عقد اجتماعات رفيعة المستوى فضلا عن الخيارات العملية مثل فرض شروط حقوق الإنسان القائمة على مبيعات الأسلحة، "ولكنها كانت مترددة للغاية في استخدام أي منها" قال دن".

وقال نادر هاشمي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر "أعتقد أن القضية الأساسية هي أنه من أجل الحصول على ديمقراطية مستدامة، يجب أن يكون هناك نوع من الاستقرار الاقتصادي".

وأضاف أن "محنة تونس ليست سوى أحدث مثال على أن الديمقراطية ليست دواء ناجعا، حتى في الولايات المتحدة، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالتصدي لوباء فيروس كوفيد-19".

قال ملحم "كانت الديمقراطية التونسية هشة للغاية منذ نشأتها وإن هذا الفشل المذهل في الحكم والذي كان واضحا للغاية طيلة العقد الماضي وفي الأسابيع القليلة الماضية، حدثت عاصفة كاملة؛ فبالإضافة إلى الخلل السياسي القديم، أصبحت الاضطرابات الاقتصادية المزمنة أكثر خطورة بسبب الفشل التام للنخبة الحاكمة في التعامل مع كوفيد-19".

وقالت ميشيل دن، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "لا يزال من الممكن أن يجد التونسيون طريق العودة من حافة الهاوية الآن، كما فعلوا عدة مرات أخرى عندما بدا التحول الديمقراطي على وشك الفشل"، "ولكن هذه الواقعة تبين مرة أخرى مدى الصعوبة البالغة التي يواجهها نجاح التحول الديمقراطي في غياب بيئة دولية تمكينية، فتونس لم تحظَ بأي دعم للانتقال داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما لم تحظَ إلا بقدر ضئيل للغاية من الدعم من قبل الأنظمة الديمقراطية الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة".

وأضافت "لقد فشلت الديمقراطية في العالم العربي لمجموعة متنوعة من الأسباب ومنها: الحرب الأهلية في سوريا واليمن، والخوف من تفشي الإسلام السياسي في مصر، بين أمور أخرى، وتونس فقط، حيث بدأت انتفاضات الربيع العربي بعد أن انتحر البائع محمد البوعزيزي نفسه في 17 ديسمبر 2010، احتجاجا على القمع الرسمي والفساد، وهي التي واصلت العمل بشكل ديمقراطي".

هل تكون تونس أيضا المكان الذي ينتهي فيه الربيع العربي أخيرا؟

ويعتقد بعض الخبراء أن "الربيع العربي ليس ميتا، بل في حالة سبات فقط ولكن هذه المجتمعات تحتاج إلى تشجيع خارجي، وخاصة صد الأنظمة الاستبدادية، كما أن مصداقية بايدن المؤيدة للديمقراطية مطروحة بشكل كبير، خاصة وأنه كان نائبا للرئيس عندما تخلت إدارة أوباما عن الحركة الديمقراطية المصرية في عام 2013 ودعمت السيسي، واستعادت المساعدات بسرعة إلى مصر. قال هاشمي "أعتقد أننا كثيرا ما ننسى أن الثورات الديمقراطية تكاد لا تنجح أبدا في المحاولة الأولى".

 

Tunisia’s Democracy Needs Help. Will Biden Step In?