قررت نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة بحكومة الانقلاب فرض رسوم مكافحة إغراق نهائية على الواردات من تركيا، على أن يُعمل بالقرار لمدة 5 أعوام، اعتبارا من تاريخ نشره، ويعد القرار سياسيا من الدرجة الأولى, وليس الهدف من القرار قطع العلاقات بشكل نهائي مع تركيا، إنما بسبب تحسن علاقات تركيا مع الإمارات في نفس الوقت الذي تسوء فيه علاقات السفاح السيسي مع كفيله الإماراتي، بالتوازي مع تباطؤ تركيا في تنشيط العلاقات مع العسكر.
وشهدت الأشهر الأخيرة لقاءات واتصالات وتقاربا بين تركيا ومحور دول الانقلاب السعودية الإمارات مصر، الذي كان لسنوات طويلة خصما لها في مختلف القضايا الإقليمية، وفي حين احتاجت العلاقات مع عصابة الانقلاب بمصر إلى لقاءات عديدة امتدت على شهور طويلة دون مخرجات كبيرة، فإن مسار التقارب مع الإمارات تُوّج خلال أسابيع قليلة بزيارة الشيطان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لأنقرة لأول مرة منذ 2012.
لماذا؟
انتهى عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب وما رافقه من أزمات وتوترات وأساليب السياسة الخارجية، وبدأ عهد الرئيس بايدن وسياساته المعلنة، وفي مقدمتها تخفيف الاهتمام بالمنطقة واستمرار الانسحاب النسبي التدريجي منها والمفاوضات مع إيران، دفعت مختلف الدول الإقليمية ومعظمها من حلفاء الولايات المتحدة، لإعادة النظر في سياساتها ومواقفها وتحالفاتها.
وبعد 8 سنوات من الانقلاب في مصر، والذي مثّل ذروة الاستقطاب ومشهد التحالفات، والتوجس الخليجي على وجه التحديد من إيران ولا سيما في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، واستنزاف جميع الأطراف في أزمات إقليمية لم تحسم بشكل كامل لأي طرف، ولا يبدو أنها مرشحة لذلك قريبا، فضلا عن الاختراقات التي حققتها تركيا في 2020، ولا سيما في كل من ليبيا والقوقاز، بات التقارب معها أمرا حتميا.
وخلال الأيام القليلة الماضية، استضافت تركيا الشيطان ولي عهد أبو ظبي بحفاوة بالغة، وقبله وزير خارجية البحرين، وبعده وزير التجارة السعودي، قبل أن يؤكد الرئيس التركي أن "الخطوات القوية التي أقدمت عليها بلاده مع الإمارات، ستتكرر مع كل من مصر وكيان العدو الصهيوني قريبا".
وترفع تركيا حاليا شعار "تكثير عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم"، إلا أن ذلك لم يتحقق بشكل ملموس قبل الآن، والسبب الأبرز لذلك هو تردد المحور المقابل لها الذي يبدو أنه عدل من موقفه، كما أن تركيا باتت اليوم أكثر جاهزية لهذا المسار وتداعياته.
التطورات الأخيرة بين أنقرة وأبوظبي تعبر عن رغبة الجانبين في فتح صفحة جديدة في العلاقات، ولا سيما أن الخلافات التي سادت خلال السنوات الماضية لم تكن مدفوعة بتناقض المصالح الجوهرية أو بخلافات في العلاقات الثنائية المباشرة، وإنما بمواقف مسبقة واصطفافات مرتبطة بحالة الاستقطاب الإقليمي بالدرجة الأولى.
تركيا ضد الانقلاب
منذ الثالث من يوليو 2013, وهو اليوم الذي شهد انقلابا عسكريا في مصر وما تلاه من القمع والقتل لمعارضي الانقلاب العسكري في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة, اتخذت تركيا موقفا واضحا من الأحداث في مصر، واعتبرت تركيا ما حدث انقلابا عسكريا منافيا لكل قيم ومبادئ الديمقراطية, وبناء على ذلك لم تعترف تركيا بكل ما أفرزه الانقلاب من مؤسسات ومسميات رافضة التعامل معها بشكل مبدئي؛ مما ميزها حتى عن بعض الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة التي بدا موقفها الأولي المعلن حائرا تجاه الشكل الذي تم فيه تسويق الغدر بالرئيس الشهيد محمد مرسي على أنه ثورة شعبية في 30 يونيو 2013.
تلخص تركيا موقفها بالآتي:
- ما جرى في مصر هو انقلاب عسكري مرفوض ولا يمكن السكوت عنه.
- إبقاء مصر على المسار الديمقراطي مصلحة دولية وأمر ضروري للمنطقة وللعالم.
- التأكيد على الموقف المبدئي من الانقلاب وحث المجتمع الدولي لنبذه من أجل تكريس عزلته الإقليمية والدولية ونزع الشرعية عنها.
- أن مرحلة الانقلاب هي مرحلة عابرة لن تلبث أن تنتهي بعودة مصر للمسار الديمقراطي, وأن سقوط الانقلاب أمر قريب بسبب الأزمات الداخلية والمشاكل الخارجية.
ويعزز هذه القناعة أن معاقل الدولة المصرية الحالية من الداخلية والقضاء والقوات المسلحة والجامعات المصرية، تعتبر تركيبة عاجزة عن إنقاذ مصر من الأزمة الحالية، وأن الحكم المدني لمصر اصطدم بهيمنة العسكر.
وإلى جانب البعد الأخلاقي للموقف التركي من الانقلاب في مصر، فإن هناك أهدافا أخرى متعلقة بطموحات النفوذ التركي في منطقة المشرق العربي وشمال إفريقيا المعتمد على توثيق العلاقات بشكل خاص مع حركات الإسلام السياسي الصاعدة في المنطقة في مرحلة الربيع العربي.
وهذا لا يشكل مشكلة ما دامت العلاقة قائمة على احترام خيارات الشعوب؛ فمن حق أية دولة أن تسعى لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية ما لم يتعارض ذلك مع المبادئ والقوانين.
أسباب الموقف التركي
لقد كان من الواضح أن أسبابا عدة تقف وراء الموقف التركي، المعارض بشدة للانقلاب العسكري في مصر، ويمكن حصرها بما يلي:
- متانة علاقة تركيا بالرئيس الشهيد محمد مرسي وقناعتها بشرعيته السياسية والشعبية.
- التجاهل النسبي للكلفة الاقتصادية لقطع العلاقات بين البلدين ووجود خيار الفصل بين المواقف السياسية والمشاريع الاقتصادية بما لا يؤثر على استمرار العلاقات الاقتصادية, وتحديدا من طرف تركيا التي يتوفر لديها بدائل متعددة علاوة على ارتفاع النمو الاقتصادي.
- الحساسية الشديدة والتاريخية لدى الأتراك تجاه الانقلابات العسكرية.
ومن الواضح رغم التباطؤ أن هناك نية لتجاوز الأزمة، فتركيا بحاجة إلى تحسين علاقاتها مع عصابة الانقلاب في مصر خصوصا في ملف غاز المتوسط، وعصابة الانقلاب تحتاج أن تحسن علاقاتها مع تركيا وينتهي بذلك آخر صوت معارض للسفاح السيسي في الساحة الدولية، وتحاول عصابة الانقلاب أن يصل لتقارب مع الجانب التركي لأنهاء وجود قنوات المعارضة المصرية على الأراضي التركية.