كشف الدكتور عبدالتواب بركات، المستشار السابق بوزارة التموين بعهد الرئيس مرسي، عن 7 أسباب رئيسية تقف وراء قرار حكومة الانقلاب في 18 نوفمبر الماضي، رفع سعر الأسمدة الأزوتية من 3290 جنيها إلى 4500 جنيها بنحو ألف و200 جنيه في قرار واحد.
وأشار بركات في دراسة علمية بعنوان "أزمة الأسمدة الزراعية في مصر: بين إفقار الفلاحين وسياسات المواجهة" إلى أن أسباب الأزمة هي:
(1) رفع الحكومة أسعار الغاز المُورّد لشركات إنتاج الأسمدة، والذي يشكل 65% من تكلفة إنتاج الأسمدة الآزوتية، فتقوم بدورها بتحميله على سعر السماد الذي يتحمله الفلاحون في نهاية المطاف، مضيفا أن سعر الغاز المُورد للشركات 4.5 مليون طن للمليون وحدة حرارية، تم زيادته مع الزيادة الأخيرة إلى 5.5 دولار، وأن السعر العالمي بين 1.7 إلى 3.5 دولار للمليون وحدة حرارية.
ولفت إلى شكاوى متكررة من رجال الصناعة لهذا السبب، مضيفا أن حكومة السيسي تبيع الغاز للشركات بضعف السعر العالمي.
(2) تفضيل الشركات تصدير الإنتاج عن البيع في السوق المحلي عندما تزيد أسعار الأسمدة في السوق الدولية، للاستفادة من الدولار؛ لشراء قطع غيار خطوط الإنتاج، والاستفادة من فروق الأسعار، لتحقيق مصلحة المستثمرين الذين اشتروا نسبة من أسهم شركات القطاع العام بعد الخصخصة.
(3) عدم التزام الشركات بتوريد الحصة المُتفق عليها مع الحكومة، والتي تمثل 55% من الإنتاج، لتوزيعها على الفلاحين من خلال الجمعيات التعاونية وبنك التنمية والإئتمان الزراعي، الذي تحول في عهد السيسي إلى البنك الزراعي المصري، موضحا أن نسبة ال55% كافية لتغطية الاحتياجات المحلية، ولكن الشركات تفضل البيع في السوق الحر.
وأبان أنه في معظم المواسم الزراعية لا تُسلم الشركات سوى نصف حصة الأسمدة المقررة بالسعر المدعم، وإن كان الدعم منه براء، لإجبار الفاحين على شراء باقي الاحتياجات من السوق السوداء بضعف السعر الرسمي.
وجزم أنه في كل الأحوال تكون الأسعار في السوق المحلي أعلى من السعر العالمي.
(4) تهالك وتقادم شركات القطاع العام وإهمال تطويرها ما يؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج، لاستهلاك كميات إضافية من الغاز. وفرض ضريبة دمغة ونولون نقل الأسمدة وكارتة بقيمة كبيرة للجيش، والتكاليف على الفلاح.
(5) كثافة الإنتاج الزراعي في مصر بتكرار زراعة الأرض مرتين إلى ثلاثة خلال السنة الواحدة، وهو ما يندر حدوثه في معظم دول العالم التي لا تزرع الأرض أكثر من مرة في العام الواحد، ولا تصرف الدولة الأسمدة للمحصول الثالث.
(6) الفساد في منظومة التوزيع بتسريب نسبة من الحصة المخصصة للجمعيات التعاونية والبنك إلى السوق السوداء وبعض تجار القطاع الخاص.
(7) أن وزارة الزراعة تُسلم حصة الأسمدة لمالك الأرض، وليس للمستأجر الذي يزرعها بالفعل، وفي كثير من الحالات يبيع مالك الأرض الحصة بالسعر الحر ويضطر المستأجر إلى الشراء من السوق السوداء مرة أخرى.
إنهاك الفلاح
وأوضحت الدراسة أن الزيادة الكبيرة المقررة، تقلل من إنتاجية ونوعية الإنتاج الزراعي ومن ثم الناتج القومي للدولة، وتزيد من أعباء المزارعين الفقراء وتقلل أرباحهم، وتكبدهم الخسائر بغياب من يطالب بحقوقهم.
وأبان أن توقيت صدور القرار بعد أسبوع واحد فقط من الزيادة المتواضعة في سعر شراء القمح من الفلاحين يوحي بأن الحكومة رفعت سعر أردب القمح 95 جنيه لدعم وتشجيع المزارعين، ثم رفعت سعر الأسمدة 1,200 جنيه للطن لإبطال مفعول قرار التشجيع، وأن ما تعطيه باليمين تأخذه باليمين وبالشمال.
وأشار إلى أن المادة 29 من الدستور تلزم الحكومة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي وحماية الفلاح من الاستغلال، مؤكدا أن زيادة أسعار الأسمدة يقتل روح الدستور.
مصانع الأسمدة
وأبانت الدراسة أن في مصر 8 مصانع للأسمدة تنتج 22.5 مليون طن 15% آزوت تمثل 8% من الإنتاج العالمي من الأسمدة، بينما يصل الفائض في الإنتاج إلى حوالي 12.5 مليون طن، مقابل 10 ملايين طن يتم توجيهها لاحتياجات الاستهلاك المحلي، أي أن 60% من الإنتاج يتم استهلاكه محليا ويتم تصدير 40%، تمثل تكلفة الأسمدة الكيماوية من 12- 15% من تكلفة إنتاج المحصول. استخدام الأسمدة بالمعدلات المقررة لكل محصول ترفع الإنتاجية الزراعية بمعدل 35%.
وأكد أن حاجة الأراضي الزراعية المصرية إلى الأسمدة الكيماوية أكبر من غيرها من الأراضي في العالم، نظرا لحرمان التربة المصرية من طمي النيل بعد إنشاء السد العالي وتأثيره على تراجع خصوبة الأرض، وبعد إلغاء الدورة الزراعية وتأثيره المباشر في إجهاد الأرض وحرمانها من التجديد الذاتي لخصوبتها.
زيادات متكررة
وتحت هذا العنوان قال إن "الزيادة الأخيرة في أسعار الأسمدة هي الخامسة منذ يونيو 2014، ورغم اختلاف أسباب الزيادة في كل مرة، لكن المحصلة هي زيادة الأسعار بنسب مبالغ فيها، الأولى في 13 أكتوبر سنة 2014، حيث رفعت حكومة الانقلاب الأسعار من 1400 جنيه للطن إلى 2000 جنيه، والزيادة الثانية كانت في 15 يناير سنة 2017، حيث رفعت حكومة الانقلاب أسعار الأسمدة للمرة الثانية من 2000 جنيه إلى 2959 جنيها للطن، والزيادة الثالثة كانت في الأول من شهر أكتوبر سنة 2017، حيث رفعت حكومة الانقلاب الأسعار من 2959 جنيها للطن إلى 3,200 جنيه، والزيادة الرابعة في شهر يوليو سنة 2018، حيث رفعت حكومة الانقلاب الأسعار من 3200 جنيه للطن إلى 3,290 جنيها، والزيادة الخامسة في شهر نوفمبر سنة 2021، حيث رفعت حكومة الانقلاب الأسعار من 3,290 جنيه للطن إلى 4,500 جنيه.
مبررات غير حقيقية
ولفت بركات إلى أن تصريحات وزير الزراعة، السيد القصير، من أن السبب في زيادة أسعار الأسمدة المدعمة في مصر هو الزيادة العالمية في أسعار الغاز والمستلزمات الزراعية، ادعاءات غير حقيقية وتبني لمصلحة أصحاب الشركات على حساب الفلاحين الذي يفترض أن يُدافع عن مصالحهم، لدرجة أنه قال إن "ارتفاع سعر طن الأسمدة لـ 4.5 آلاف جنيه في صالح الفلاحين".
بيع أبو قير
وأشار إلى أنه بعد الزيادة الخامسة بأسبوعين فقط باعت الحكومة حصة 10% من شركة أبو قير للأسمدة، مقابل نحو 2.2 مليار جنيه. وكان سعر الطرح 17.8 جنيه للسهم الواحد، ووصل سعر السهم خلال التداول إلى 21 جنيها في يوم واحد، طرح 10% من أسهم الشركة يعد بيعا للحصة وليس زيادة رأس المال، ولكن هل يعقل أن تبيع الحكومة حصة من الشركة المملوكة للدولة وهي تحقق أرباحا؟
