معلمة مثالية؟!

- ‎فيمقالات

صدمنى وصدم كلُّ غيورٍ «فيديو» معلمة الدقهلية التى رقصت فيه مع خمسة من زملائها، من إدارة غرب المنصورة التعليمية، على مركب نيلى فى رحلة نظمها فرع النقابة بالمحافظة وفى حضور عدد من مسئوليها. أما الصدمة الأخرى فهى حصول المعلمة نفسها على درع النقابة ولقب «المعلمة المثالية» العام الماضى، رغم أنها تعمل متطوعة (بالحصة)!

كوْن امرأة ترقص على الملأ فهذا غير مقبول فى مجتمع مسلم؛ لما فيه من خلاعة وابتذال، وحض على الرذيلة، وإشاعة للفاحشة، ومن كشف العورات وإثارة الفتن والشهوات؛ ولأن المرأة عنوان الحياء ورمز الفضيلة، ولأنها مربية أجيال -فما بالك إن كانت هذه المرأة معلمة؟ إن من أوجب الواجب عليها أن تكون قدوة فى الخير ورئيسة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ لا أن تحرض بنات جنسها وتلميذاتها الساذجات على التهتك والمجون.

إن الذين يدافعون عن هذه السيدة بدعوى أن ما جرى يدخل فى حيز الحرية الشخصية وأن اللهو والترفيه ليسا محظورين فى الإسلام وأن الرقص يملأ بيوتنا وشوارعنا -يجهلون حدود الحرية الشخصية، كما يجهلون معنى الضرر والضرار، ولا يفرقون بين الفرح المشروع وغير المشروع، ولا يدركون أن الإثم إثمٌ ولو شاع وعمَّ، أو هُم من الفصيل الذى يحرِّكه هوى النفس فلم يجدوا حرجًا من قبل عندما أخرجوا أمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم وأخواتهم للرقص أمام اللجان الانتخابية..

إننا لو أجزنا ما فعلتْ هذه المعلمة باعتباره حرية شخصية لأجزنا مهنة الرقص كإحدى المهن الحرة، ولأجزنا للزانى أن يزنى على الملأ ولشارب الخمر أن يشرب على قارعة الطريق. وهناك فرقٌ كبيرٌ بين سلوك تفعله وأنت فى حرج أن يراك أحدٌ -وقد أقرّت «المُدَرِّسة» بذلك لمّا قالت إنها لم تكن تدرى أنه يجرى تصويرها- وبين أن تجاهر بهذا السلوك متحديًا الجميع كاسرًا القواعد والأعراف، مهيئًا مَنْ بعدك للدخول إلى حلبة الفساد الخلقى، وخطوة منه تتبعها خطوات، وحبائل الشيطان تترى لا تنقطع.

وإذا لم نقاوم هذا الانحراف وندحض تلك الدعاوى الفاسدة فسوف يتحول مجتمعنا إلى مجتمع فسق ورذيلة؛ إذ ليس من المنطقى ولا المقبول أن تقوم المعلمة، وهى زوجة وأم، بالرقص أمام العشرات وفى مكان عام (علشان تفك عن نفسها)، وهل الترويح و(الفك عن النفس) يكونان بإتيان حركات الغواية والاحتكاك الجسدى برجال غرباء. إن للمعلم مكانة دينية ومجتمعية لا يجهلها إلا الحمقى، ومن المخجل أن فينا إلى الآن من لا يقدِّر عظم هذه المكانة؛ يقول النبى ﷺ: «إن الله وملائكته يصلُّون على معلِّم الناس الخير، حتى النملة فى جحرها والحوت فى البحر»، ورحم الله أيامًا كنا نفرُّ من الطريق الذى يسير فيه معلمونا؛ رهبة منهم، وقد كانوا بالفعل يستحقونها.

إننا لا نبالغ إذا قلنا إن تلك المشاهد يُراد لها الشيوع، وهناك من يؤسس لمجتمع فاسد منحلّ لا يعرف خلقًا ولا دينًا، والتمهيد لواقع مدنّس لبناتنا ونسائنا، فإننا لا زلنا نخرج من مشهد من هذه المشاهد المؤسفة لندخل مشهدًا آخر، فمن قبل حصلت راقصة محترفة على لقب الأم المثالية، وحصل راقص وممثل على الدكتوراه الفخرية، ومنذ أيام حصلت ممثلة على درع التكريم من إحدى الجامعات العريقة، ومن قبلها حصل مطرب مهرجانات على درع جامعة أخرى، وظهرت أستاذة جامعية وهى ترقص باحترافية على سطح بيتها إلخ.

فإذا أردنا تصحيح الأوضاع وردِّ الناس إلى دينهم فليكن بإصلاح ما فسد من الشأن العام، ودعك من الجدل والمماراة عند كل حادثة، فإن تلك الحوادث لن تتوقف، ولن يختفى صانعوها ومشجعوها حتى يتغير المشهد؛ فما كان لهذه المُدَرِّسة وزملائها أن يفعلوا ما فعلوا إلا بموافقة وتشجيع نقابتهم التى نظمت الرحلة، فإن سألت: وهل تمثل هذه النقابة جموع المعلمين؟ أؤكد: إطلاقًا، والكل يعلم ما جرى للنقابات بعد يوم (3/7) المشئوم..

لقد استبدلوا منذ هذا اليوم الرقص بالعلم، والهلس بالوقار، وبدلًا من تطبيق آداب ولوائح المهنة على المخالفين أو من يسيئون إليها، صار لهؤلاء المخالفين الحظوة حتى كرّموا الراقصة، وما خفى كان أعظم، فى حين لم نسمع لهم صوتًا إذا مات لهم زميلٌ إهمالًا فى السجن، أو قُبض على المئات الآخرين دون جريرة من داخل المدارس والإدارات، أو حين يقع الفصل الظالم لمئات الكفاءات أو تحويلهم إلى وظائف إدارية.