ما يعرفُه الجميع أنّ "جماعة أنصار الله" أو ما بات يعرف بالحوثيّين شيعة، وأنّهم ذراعٌ من أذرع إيران التي يحكمها المذهب الشّيعيّ أيضًا؛ ولكن هل الحوثيّون ينتمون إلى الشّيعة الجعفريّة الإماميّة التي تحكم إيران؟ وهل يعتقدون بفكرة ولاية الفقيه؟
المرجعيّة الاعتقاديّة للحوثيّين
ينتمي الحوثيّون إلى المذهب الزّيديّ من الشّيعة، وليس إلى الجعفريّة الإماميّة، وهم في هذا كحال عامّة الشّيعة في اليمن إذ إنّ الانتماء الزيدي هو الغالب ولا يوجد في اليمن تاريخيًّا شيعة إماميّة.
وما تزال الحركة الحوثيّة على انتمائها الزّيديّ وكلّ ما يدور في الكثير من الكتابات أنّها حركةٌ انشقّت عن المذهب الزّيدي واتّبعت مذهب الإماميّة الإثنا عشريّة غير صحيح.
يقول محمد بدر الدّين الحوثي ــ ابن مؤسّس الحركة وأحد أهمّ مرجعيّاتها الدّينيّة ــ:
"من ادّعى أنّنا خارجون عن الزّيدية، فعليه أن يحدّد القواعد التي من خلالها تجاوزنا المذهب الزيدي وخرجنا عنه ولكن بمصداقية وإنصاف.
أما من يدعي أنّنا إثنا عشرية فهو جهلٌ واضح لأنّ لكلّ مذهب أصولًا وقواعد تميّزه عن المذاهب الأخرى، ومن لم ينطلق من تلك الأصول والقواعد فليس تابعًا لذلك المذهب، وإن كان هناك قواسم مشتركة بيننا وبين الإثنا عشرية فهي موجودة كذلك بيننا وبين بقيّة المذاهب كلها، فالذي يرى أنّنا اثنا عشرية بمجرد إقامة عيد الغدير، أو ذكرى عاشوراء أو نحو هذا فهو جاهل ومغفل لا يستحق النقاش معه"
وأمّا سبب محاولة تكريس أنّهم شيعة إماميّة فيعلّله شقيقه يحيى بدر الدين الحوثي بقوله: "هذه بروباغندا؛ نحن زيدية وما يجمعنا بالإثنا عشرية في إيران قليل، صالح يكرر هذه التّهمة لخلق هلع عالمي وجلب دعم أعداء إيران"
الفرق في الأفكار والاعتقادات بين الحوثيّة الزيديّة والإماميّة الإيرانيّة
كلا المذهبين الزيدي والإثنا عشري ينتميان إلى الشّيعة لكن بينهما خلافاتٌ جذريّة تجعلهما بعيدين عن بعضهما البعض حتّى قيل إنّ الزّيديّة أقرب إلى أهل السنّة والجماعة منها إلى الإماميّة الإثنا عشريّة.
يتفق الحوثيّون مع الإماميّة في أفضليّة عليّ وإمامته، ويرى بدر الدين الحوثي أنّ عليًا هو الأحقّ الخلافة ويبطل خلافة السابقين عليه فيقول: "الولاية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لِعَلِي عليه السلام، ولم تصح ولاية المتقدّمين عليه أبي بكر وعمر وعثمان".
كما يتّفقون مع الإثنا عشريّة في أن الإمامة بعد عليّ في ولديه الحسن والحسين ثم زين العابدين علي بن الحسين، ثمّ حدث الافتراق بعد ذلك؛ فيعتقد الإماميّة أنّ الإمام بعد علي زين العابدين هو محمد الباقر بينما يرى الزيديّة أنّ الإمام هو زيد بن علي زين العابدين، ولهذا أطلق عليهم الزيديّة نسبة إلى زيد بن علي زين العابدين، وعندما رفض الإثنا عشريّة إمامة زيد أطلق عليهم الرّافضة، فالأئمة عند الزيديّة يبدؤون من زيد بن علي زين العابدين وتستمر في نسله وصولًا إلى الإمام يحيى الذي كان يحكم اليمن في الستينات من القرن الماضي.
يرفض الحوثيّون القول بعصمة الأئمة خلافًا للإماميّة الإثنا عشريّة الذين يعتقدون ذلك، كما أنّهم ينكرون وجود المهدي المنتظر وأنّه إمام موجود أو غائب أو سيظهر آخر الزمان وهذا من أهمّ ركائز الاعتقاد عن الشّيعة الإماميّة، وهم يحيون ذكرى عاشوراء لكنهم يرفضون اللّطم ومواكبه، كما أنّهم يرفضون زواج المتعة، وينكرون سبّ الشيخين أبي بكر وعمر وإن بدرت بعض التصريحات المخالفة لهذا من بعض مراجعهم لكنّ هذا يخالف المذهب الاعتقاديّ العام للحركة الحوثيّة.
كما يرفض الحوثيّون القول بولاية الفقيه التي تعدّ من الأصول التي يقوم عليها الانتماء الاعتقادي للشّيعة في إيران ومن يتبع مرجعيّتها الدّينيّة في العالم كحزب الله اللبناني مثلًا، فهم يعتقدون بولاية الفقيه بينما ينكرها الحوثيّون ولا يعتقدون بها.
كما يعتقد الحوثيّون بناء على مذهبهم الزيديّ بوجوب الخروج على الحاكم الظالم وهم يخالفون بذلك الشّيعة الإثنا عشريّة الذين يحصرون الإمامة في المعصوم والوليّ الفقيه ويرون حرمة الخروج عليه، يقول بدر الدين الحوثي معلقًا على أحد كتب الزيدية وهو يشرحها: "ومن مذهبهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الظلمة وغير ذلك"
طبيعة العلاقة مع إيران
علاقة الحوثيّين بإيران هي علاقة تبعيّة تامّة، فجماعة أنصار الله هي ذراعٌ إيرانيّة غير أنّ هذا لا يقوم على التّوافق في الاعتقاد كما يظنّ الكثيرون بل بناء على المصلحة السياسيّة لإيران ومشروعها في المنطقة، والدّعم الرّئيس لجماعة الحوثي هو دعم إيرانيّ حصريّ على الرّغم من النفي الحوثيّ المتكرّر غير أنّ الأمر لا يحتاج إلى كثير دليل لإثباته.
المهمّ في الأمر أنّ دعم إيران للحوثيّين لا يتمّ بناءً على اتّحاد المذهب فهناك بون شاسع في المرجعيّة الاعتقاديّة لكلّ من الشّيعة الإماميّة والشّيعة الزيديّة، غير أنّه دعمٌ لتحقيق مشروع إيران في المنطقة؛ هذا المشروع الذي غدا واضحًا لكلّ ذي عين باصرة وقلبٍ بصير.
…………
نقلا عن "عربي 21"
