كيف عصف الرئيس مرسي بأكاذيب السيسي وأجهزته في «الاختيار3»؟

- ‎فيتقارير

التسريب الذي بثته  الحلقة الثامنة من مسلسل «الاختيار3» للرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، مع المشير الراحل محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري والذي كان يحكم مصر في المرحلة الانتقالية من بعد الإطاحة بحسني مبارك حتى انتخاب الرئيس مرسي في يونيو 2012م، يعتبر الأهم بين التسريبات التي يعرضها المسلسل.

لكن لا أدرى لماذا قبل القائمون على المسلسل (المخابرات العامة حيث يشرف محمود السيسي نفسه على المسلسل) بث هذا التسريب رغم عمليات الحذف والمنتجة من أجل تشويه صورة مرسي وشيطنة جماعة الإخوان؟!  لأن الرسالة التي وصلت للمشاهد غير ذلك تماما؛ وقد بدا الفارق هائلا  بين (مرسي الممثل) الذي يؤدي دوره صبري فواز ، و(مرسي الحقيقي)  كما بدا في التسريب؛ فبينما يبدو مرسي الممثل أراجوزا لا يفقه شيئا وغير مهندم في لباسه وكلامه وحركاته، بدا مرسي الحقيقي شيئا آخر؛ وبدا دور السيسي هامشيا للغاية للدرجة التي دفعت المشير طنطاوي إلى تبرير حضوره في اللقاء. وعلى عكس الصورة المشوهة لمرسي في العالم الافتراضي «الاختيار3»، فقد بدا مرسي في الواقع (التسريب) قويا وسياسيا محنكا، طغت شخصيته على اللقاء بشكل حاسم، وتلاشت إلى جواره شخصيات المشير والفريق واللواء. وبالتالي فإن التسريب (الواقع والحقيقة) عصف فعليا بالصورة المشوهة التي رسموها لمرسي في العالم الافتراضي (المسلسل)؛ فإذا كان مرسي بهذه القوة وتلك الجرأة وهو لا يزال مرشحا رئاسيا؛ فكيف كان معهم ومع السيسي عندما أصبح أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر؟!

وعلى عكس ما يروج «الاختيار3»، بأن السيسي كان يتعامل مع مرسي بكل استعلاء واستخفاف، كما يسوق لذلك المسلسل في مشاهد كثيرة، فإن شهود العيان يؤكدون عكس ذلك تماما، حيث يؤكد الوزير السابق يحيى حامد، في منشور له على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أن السيسي كان يتزلف إلى الرئيس مرسي بصورة أثارت استنكار الرئيس نفسه؛ ومنها أنه كان يحمل حذاء السيد الرئيس عند خروجه من مسجد قصر الرئاسة بالاتحادية في أعقاب الصلاة، وهو ما رفضه الرئيس مرسي وطلب منه عدم فعل ذلك مرة أخرى. وجميع الصور التلفزيونية التي جمعت السيسي بمرسي حتى ما قبل يوم الانقلاب كان السيسي يبدو فيها في قمة الخضوع والانكسار أمام الرئيس.

من جانب ثالث فإن خروج هذا التسريب بعد وفاة طنطاوي، إنما يعني أن السيسي لم يرد تسريبه قبل ذلك لعدم إغضاب المشير الذي يعتبره مثله الأعلى وأباه الروحي داخل المؤسسة العسكرية؛ لأن شخصية مرسي ــ على عكس الممثل الأراجوز الذي يقوم بدور مرسي ــ كانت مهيمنة على الاجتماع بقوته وجرأته وقوة حجته، ثم تحذيراته من تزوير نتيجة الانتخابات وتداعيات ذلك على مستقبل البلاد، مستخدما عبارات حاسمة ومهددة أحيانا (النتيجة ما تتغيرش؛ لإن دي لو حصلت ليس لها من دون الله كاشفة ــ الموجة اللي موجودة موجة إضرام نيران  لمن لا يقدر المسئولية ــ الشعور اللي موجود .. شعور تلقائي شعبي وليس مخطط له)، كما استخدم عبارات رقيقة وعاطفية أيضا (أنا لا أتمنى هذا ولا أريده ولا أوافق عليه ــ أنا أخوك الصغير  ــ أنا لك ناصح أمين).

من جهة رابعة، يكشف التسريب مرواغة طنطاوي والمجلس العسكري وتهربه من اتهامات مرسي للمجلس بالعمل على تزوير نتائج الانتخابات؛ فبينما يحذر مرسي من فتنة ونيران تحرق البلد إذ تم تزوير نتائج الانتخابات؛ نجد طنطاوي في رده يهمل الرد على اتهامات التزوير (السبب)، ليحذر من النتيجة (الاضطرابات)، رغم أن النتيجة لا يمكن أن تحدث إلا بحدوث السبب "التزوير"؛ فالاضطرابات مرهونة بتزوير نتيجة الانتخابات.

وأخيرا فإن التسريب يؤكد كم كان مرسي وفريقه حريصين على المؤسسات المنتخبة في مرحلة التحول الديمقراطي المأمولة؛ وذلك بحماية النزاهة والشفافية ورفض أي تدخل من جانب السلطة ممثلة في المجلس العسكري أو القضاء المسيس أو حتى اللجنة المشرفة على الانتخابات في نتائج العملية الانتخابية في جولة الإعادة، لأنه ركز على ثلاثة أشياء: عدم التدخل بالتزوير في نتائج الانتخابات. عودة البرلمان المنتخب للانعقاد لحين انتخابات برلمان جديد كما يتم في كل دول العالم. التحذير من تداعيات التزوير والانسداد السياسي على مستقبل البلاد.  بينما كان طنطاوي يرواغ ويهرب من الحوار بدعوى أن هناك رأي آخر للشعب بخلاف ما يراه مرسي ومؤيدوه. كما يبرهن طلب عودة البرلمان للانعقاد على ثلاثة أمور: الأول، مرسي كان على يقين كامل بأن قرار حل البرلمان هو قرار سياسي صدر من المجلس العسكري وإن جرى تغليفه بغلاف قضائي من المحكمة الدستورية التي تمتلك رصيدا هائلا من التوظيف السياسي لخدمة النظام العسكري على الدوام. الثاني، رفض مرسي لمنح المجلس العسكري سلطة التشريع لنفسه. الثالث، رفض مرسي إذا أصبح رئيسا توسيع صلاحياته على حساب البرلمان المنتخب، وإصراره على عودة البرلمان للانعقاد ليمارس دوره التشريعي.

يشار إلى  أن هذا التسريب جاء في سياق ملتهب قبل إعلان نتائج الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة في 2012م؛  حيث قرر المجلس العسكري قبله بأيام حل البرلمان الذي لم يمض على انتخابه سوى 6شهور فقط،  بحكم من الدستورية العليا (14 يونيو 2012)، ثم أصدر الإعلان الدستوري المكمل (17 يونيو 2012) الذي يمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطة التشريع وسلطة تشكيل الللجنة التأسيسية للدستورية وحق الاعتراض على أي مادة في مناقشات الدستور الجديد وتعزيز دور المحكمة الدستورية كحكم فصل في أي خلاف.