قالت ورقة بحثية بعنوان “حل برلمان تونس، الخلفيات والمآلات” إن “سيناريوهين متوقعان أمام قرار حل البرلمان المجمد، آخر قرارات قيس سعيد الاستثنائية منذ 25 يوليو الماضي، وهما؛ استمرار الوضع كما هو عليه واستمرار الرئيس قيس سعيد في اتخاذ العديد من التدابير الاستثنائية التي يضمن بها إعادة هيكلة جذرية للنظام السياسي التونسي، أو زيادة حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد، خصوصا حال عدم إجراء حوار وطني شامل، استجابة لدعوة القوى السياسية التونسية التي يؤيد بعضها الرئيس”.
وأضافت الورقة أن “حدوث أي من هذين السيناريوهين يتوقف على مدى المرونة التي ستبديها أطراف الأزمة في تونس، لبناء مسار وطني تشاركي لحلحلة الأزمات التي تعاني منها البلاد والتعاطي معها بفاعلية”.
تداعيات محتملة
وعن التداعيات المرجحة، وفقا للورقة البحثية التي نشرها “الشارع السياسي” على قرار حل البرلمان:
أولها؛ زيادة حدة الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، خصوصا في ضوء الشكوك التي تثيرها القوى المناوئة لها حول مدى قانونية وشرعية هذه القرارات.
وأشارت الورقة في هذا التداعي على احتمالية الصدام ن ، فالمادة 72 من الدستور التي وظفها قيس سعيد وتنص على أن “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور”، وأشارت إلى مطاعن دستورية أيضا ليس منها منح الرئيس السلطة للطعن وأنها بالفعل طعنت في شرعية القرار، أمام القضاء والسعي لإبطاله، فضلا عن التحركات الميدانية المحتملة التي ستتبناها هذه الاتجاهات في المرحلة المقبلة، وهو ما يعني أن البلاد قد تشهد مزيدا من التصعيد والصدام، بحسب الورقة.
استكمال العصف
وأضافت الورقة أن ثاني التداعيات أن يمثل القرار “دافعا وعاملا محفزا للرئيس التونسي لاستكمال رؤيته لإعادة هيكلة جذرية للنظام السياسي في تونس، خصوصا في ظل غياب المحكمة الدستورية، وهو الاعتبار الذي يجعله يملك منفردا صلاحية تأويل الفصول الدستورية”.
وأوضحت أنه من الممكن أن يستكمل سعيد هذه التغييرات بتعديل الدستور الحالي والنظام السياسي، من خلال إعادة النظام الرئاسي، وتبني نظام “البناء القاعدي”، وتعديل القانون الانتخابي من نظام التصويت على القوائم إلى الاقتراع بالأغلبية على الأفراد، وإضافة مسألة سحب الثقة الشعبية من المسئولين على جميع المستويات، وأيضا تعديل قانون الجمعيات بمنع التمويل الأجنبي نهائيًا، وهي تغييرات كان الرئيس التونسي قد أشار إليها في حملته الانتخابية.
الطرفان يواصلان
وأضافت أنه في الوقت الذي اجتمعت فيه لجنة مقترحات المواطنين خلال الفترة المقبلة، لتعد الخطوط العريضة لاستفتاء على الدستور في 25 يوليو القادم، على أن يتم تنظيم انتخابات نيابية جديدة في 17 ديسمبر المقبل، لكن تنفيذ هذه الاستحقاقات في موعدها قد يواجه عددا من التحديات، في ضوء التطورات التي تشهدها تونس، خصوصا في ظل الغموض المحيط بماهية التعديلات الدستورية التي ستتم، والتعديلات التي ستطرأ على النظام والقانون الانتخابي، فضلا عن التعديلات المحتملة سياسيا على قرار حل البرلمان، وهو ما يطرح تساؤلات حول الإطار الدستوري الذي سيكون حاكما لعملية إجراء الاستفتاء والانتخابات، على نحو يزيد من فرضية مفادها احتمال إصدار الرئيس التونسي لإعلان دستوري خاص بتنظيم هذه الاستحقاقات.
الحل وتوابعه
ولفتت الورقة إلى أن قرار حل البرلمان التونسي في ظل سياق مضطرب تعيشه تونس على كافة المستويات، فأولا؛ جاء قرار حل البرلمان عقب جلسة البرلمان التي تمت عن بعد وشارك فيها 121 نائبا، وافق 116 من جملة 217 نائبا بالبرلمان المعلقة أعماله على مشروع قانون يلغي الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس سعيد في 25 يوليو الماضي، وشملت حل الحكومة وتعليق عمل البرلمان، والتي اعتبرها معارضوه انقلابا على الدستور.
وأضافت أن القانون الذي وافق عليه النواب يلغي المراسيم والأوامر التي أصدرها الرئيس منذ ذلك التاريخ.
ولفتت إلى أن النواب المشاركين في الجلسة أكدوا على عدم اعترافهم بشرعية المجلس المؤقت الجديد، وندد المشاركون بما وصفوه بـمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ودعوا إلى فتح حوار وطني شامل لإنقاذ البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأشارت إلى أن قرار حل البرلمان المُجمد تزامن مع تعقد المشهد السياسي التونسي، ودعوة العديد من القوى السياسية إلى إجراء حوار وطني شامل بالبلاد، يُمهِّد لتوافق بين القوى السياسية حول آليات التعاطي مع أزمات البلاد، واعتبار “الاستشارة الإلكترونية” التي بدأت مطلع العام الحالي وانتهت في 20 مارس الحالي، غير مُجدية لحلحلة الأزمات، ولا تُمثِّل بديلا للحوار الوطني -حيث لم يتجاوز معدل المشاركة فيها نسبة الـ5%-، لكن سعيد لم يُصدر أي رد فعل تجاه دعوات إجراء حوار وطني، واكتفى بالإشارة إلى أنها تُظهر رغبة في التوجه نحو النظام الرئاسي.
وأكدت الورقة أن قرار حل البرلمان “يأتي بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، في ضوء تأخر دفع رواتب بعض مؤسسات القطاع الحكومي، ونقص بعض المواد الأساسية من السوق التونسية، والخلاف بين حكومة نجلاء بودن والاتحاد التونسي العام للشغل حول خطة الإصلاح الاقتصادي، إذ يرفض الاتحاد الإصلاحات الاقتصادية؛ التي تقترحها الحكومة التونسية للحصول على تمويل من صندوق النقد، خصوصا وأنها تتضمن “وقف التوظيف، وتجميد الأجور لمدة 5 سنوات في القطاع العام، وبيع بعض الشركات العامة، ورفع الدعم نهائيا في غضون 4 سنوات”.
 
